فيما واصلت أوكرانيا وروسيا إجلاء المدنيين من مناطق اجتاحتها المياه في الجنوب الأوكراني بعد تدمير سد كاخوفكا جزئياً، مما يثير مخاوف من كارثة إنسانية وبيئية إذ وصل عدد من تم إجلائهم إلى أكثر من 2700 شخصاً من الجانبين، تتبادل موسكو وكييف الاتهامات بالوقوف وراء الهجوم على هذا السد الرئيس الذي يمد شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا في 2014 بالمياه، ويقع على طريق التقدم المحتمل للقوات الأوكرانية لاستعادة أراضيها.
وذكر المتحدث باسم إدارة الطوارئ الأوكرانية أولكسندر خورونيتش أنه "تم إجلاء أكثر من 1450 شخصاً" من المناطق التي غمرتها الفيضانات الخاضعة لسيطرة كييف، فيما أجلت السلطات الروسية 1274 شخصاً، وغادر عدد غير معروف من المدنيين مناطق الفيضانات بمفردهم.
وقال المسؤولون الأوكرانيون إن أفراد نحو 80 مجتمعاً في أنحاء منطقة خيرسون معرضون لخطر الفيضانات، إذ أوضح حاكم المنطقة أولكسندر بروكودين أن الفيضانات غمرت 1582 منزلاً على الضفة اليمنى لنهر دنيبرو.
أزمة مائية
وكتب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على تطبيق "تيليغرام"، "لا شك في أن تدمير واحد من أكبر خزانات المياه في أوكرانيا كان متعمداً... ترك مئات الآلاف من دون وسيلة عادية للحصول على مياه الشرب".
وقال مسؤولون إن أجزاء في مناطق دنيبروبتروفسك وزابوريجيا وميكولايف وخيرسون في الجنوب والجنوب الشرقي ستعاني اضطرابات في إمدادات المياه.
واعتبر رئيس الوزراء الأوكراني دينيس شميغال أن روسيا تسببت "بإحدى أسوأ الكوارث البيئية في العقود الأخيرة"، وأضاف في خطاب ألقاه عن بعد أثناء اجتماع وزاري لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي أن "أكبر خطر جراء هذا العمل الإرهابي هو الدمار البيئي الذي يلحقه بجنوب أوكرانيا".
وأردف "ستجد عشرات البلدات والقرى نفسها تواجه مشكلات في مياه الشرب والوصول إلى إمدادات مياه الري التي ستتوقف، مما يؤدي إلى جفاف وتردي المحاصيل"، لافتاً إلى أن "هذا يهدد الأمن الغذائي العالمي" وواصفاً الفعل الذي تنسب كييف مسؤوليته إلى روسيا بأنه "جريمة ضد الإنسانية" و"إبادة بيئية".
وأكد رئيس الوزراء الأوكراني أن تدمير سد كاخوفكا يعني أيضاً أن "ما لا يقل عن 150 طناً من الزيت الآلي تسربت إلى النهر، مع خطر تسرب 300 طن أخرى"، مما يمثل "تهديداً للحيوان والنبات".
تخريب وإدانة
ودان الكرملين تدمير السد واعتبره عملاً "تخريبياً متعمداً" ورفض "بشدة" الاتهامات الأوكرانية، داعياً المجتمع الدولي إلى "إدانة" كييف.
ونقلت وكالة "تاس" الروسية للأنباء عن رئيس بلدية نوفا كاخوفكا فلاديمير ليونتيف قوله "تأكدنا من فقد سبعة أشخاص"، وأجلت السلطات أكثر من 900 شخص أمس الثلاثاء من المدينة التي تسيطر عليها روسيا ويقطنها حوالى 45 ألفاً وتقع على الضفة اليسرى لنهر دنيبرو.
وغمرت المياه مناطق في مدينة خيرسون التي استعادها الأوكرانيون في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي وتبعد 70 كيلومتراً من السد، فيما تتواصل عمليات الإجلاء في بعض الأماكن حيث يصل مستوى المياه حتى الخصر، وكانت ناتاليا كورج البالغة من العمر 68 سنة تتحدث إلى وكالة الصحافة الفرنسية حافية القدمين وباردة اليدين بعد إنقاذها، ولم تتمكن من حمل أكثر من بعض الأغراض والأدوية معها وتركت كلبيها وقطتها، وقالت "لا أعرف ما حدث لها".
وأضافت كورج أنها اضطرت إلى السباحة لتغادر منزلها، متابعة "كل أغراضي تحت الماء. ثلاجتي تطفو... كل شيء. تعودنا على إطلاق المدفعية، لكن الكارثة الطبيعية هي كابوس حقيقي، لم أتوقع ذلك".
إنقاذ متواصل
وقالت سفيتلانا أبراموفيتش البالغة من العمر 56 سنة "إما أن يأتي الخطر من هناك، أو من هنا"، مشيرة إلى خط المواجهة حيث تتمركز المدافع الروسية وإلى الماء عند قدميها.
وأوضح الشرطي سيرغي البالغ من العمر 38 سنة "أنقذنا 30 شخصاً اليوم بينهم طفل... وسنعمل حتى إخراج الجميع"، بينما ذكر نائب رئيس ديوان الرئاسة الأوكرانية أوليكسي كوليبا أن "الوضع صعب في منطقة كورابيلني بمدينة خيرسون"، مؤكداً أن عمليات إجلاء سكان المنطقة ستستمر اليوم وفي الأيام المقبلة بالحافلات والقطارات.
وفي اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي بعد ظهر أمس، وصف منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة مارتن غريفيث تدمير السد بأنه كارثة "لا يمكن تقييم حجمها الكامل إلا في الأيام المقبلة"، لكن عواقبها ستكون "خطرة وبعيدة المدى" على جانبي خط الجبهة.
وقال غريفيث إن "الأضرار الناجمة عن تدمير السد تعني أن الحياة ستصبح أقسى بشكل لا يحتمل للذين يعانون أساساً من النزاع"، مؤكداً أن "عواقب العجز عن تقديم المساعدة لملايين المتضررين من الفيضانات في هذه المناطق ربما تكون كارثية".
ثمن باهظ
وقبل الاجتماع الطارئ الذي عقد بطلب من أوكرانيا، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش للصحافيين إن "المنظمة الأممية لم تحصل على معلومات مستقلة حول الظروف التي أدت إلى تدمير محطة توليد الطاقة الكهرومائية لسد كاخوفكا، لكن هناك أمراً واحداً واضحاً أن هذه نتيجة مدمرة أخرى للغزو الروسي لأوكرانيا"، مضيفاً أن "مأساة اليوم هي مثال جديد على الثمن الباهظ للحرب على السكان".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وخلال الاجتماع تبادل الممثلون الروس والأوكرانيون الاتهامات كما فعلت موسكو وكييف طول نهار أمس.
تبادل اتهامات
وقال السفير الروسي فاسيلي نيبينزيا إن "التخريب المتعمد الذي قامت به كييف لبنية تحتية حيوية خطر جداً ويمكن أن يعتبر أساساً جريمة حرب أو عملاً إرهابياً"، محملاً أوكرانيا و"رعاتها الغربيين المسؤولية الكاملة عن المأساة المستمرة".
ورد السفير الأوكراني سيرغي كيسليتسيا "لاحظنا من قبل أسلوب إلقاء اللوم على الضحية للجرائم التي ترتكبونها" مستنكراً ما وصفه بأنه "إرهاب بيئي وتكنولوجي"، مضيفاً "من خلال اللجوء إلى تكتيك الأرض المحروقة أو في هذه الحال الأرض المغمورة، يعترف المحتلون الروس في الواقع بأن الأراضي التي تم الاستيلاء عليها ليست لهم وأنهم ليسوا في وضع يسمح لهم بالحفاظ عليها".
رد فعل
من جهته قال البيت الأبيض إنه يخشى أن يؤدي تدمير السد إلى "سقوط عدد كبير من القتلى".
أما الصين الشريك الرئيس لروسيا، فعبرت عن "قلقها العميق" في شأن "التأثير البشري والاقتصادي والبيئي"، وتخوّف السفير الصيني تشانغ جون خطر "إطالة أو حتى تصعيد الأزمة في أوكرانيا"، معتبراً أن "ما حدث للتو يذكرنا مرة أخرى بأن أي شيء يمكن أن يحدث في أي نزاع"، داعياً الأطراف إلى "التحلي بالحس السليم وضبط النفس واستئناف المفاوضات بسلام في أقرب وقت ممكن".
وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وينبين "نشعر بقلق شديد من الآثار البشرية والاقتصادية والبيئية المترتبة على ذلك وندعو جميع أطراف النزاع إلى احترام القانون الإنساني الدولي وبذل كل ما في وسعهم لحماية المدنيين والمنشآت المدنية".
أخطار محتملة
وفي السياق حذرت وزارة الصحة من الأخطار الصحية المحتملة بسبب الكيماويات الموجودة في المياه وحثت السكان على الشرب من زجاجات المياه المعبأة والصالحة فحسب واستخدام مياه صالحة للشرب عند الطهي.
وترى كييف أن روسيا أرادت وقف هجوم الجيش الأوكراني لأنه إذا غمرت المياه الخطوط الدفاعية الروسية على طول نهر دنيبر، فإنها تعرقل أي عملية عسكرية أوكرانية محتملة في هذه المنطقة.
وكتب نائب رئيس الوزراء الأوكراني ووزير البنية التحتية أولكسندر كوبراكوف على "تويتر"، "توفير المياه في المناطق المتضررة من الهجوم الإرهابي هو على رأس الأولويات في الوقت الراهن".
بدورها ذكرت هيئة تجديد وتطوير البنية التحتية في أوكرانيا أن الحكومة قررت تخصيص 1.5 مليار هريفنا أوكرانية (41 مليون دولار) لإنشاء خط أنابيب سعته نحو 300 ألف متر مكعب من الماء يومياً وبطول يبلغ إجمالاً 87 كيلومتراً.
عواقب وخيمة
وقال مسؤولون أوكرانيون إن نحو 42 ألف شخص معرضون لخطر الفيضانات سواء في المناطق الخاضعة للسيطرة الروسية أو الأوكرانية على طول نهر دنيبرو وحذر مسؤول المساعدات في الأمم المتحدة من "عواقب وخيمة وبعيدة المدى".
وعلى الصعيد العسكري أعلنت أوكرانيا قبل يوم أنها حققت تقدماً في باخموت في الشرق، لكنها قللت من أهمية "العمليات الهجومية" في أماكن أخرى على الجبهة، مؤكدة أنها تستعد لهجوم مضاد منذ أشهر، فيما أكدت روسيا من جهتها أنها صدت هذه الهجمات الكبيرة واعترفت أمس بمقتل 71 من جنودها وجرح 210 آخرين خلال الأيام الأخيرة، علماً أن الجيش الروسي نادراً ما يعلن عن خسائره.
دفاع وهجوم
وقالت نائبة وزير الدفاع الأوكراني هانا ماليار إن قوات البلاد تقدمت من 200 متر إلى 1100 متر في أجزاء من جبهة مدينة باخموت المدمرة شرق البلاد خلال الساعات الـ24 الماضية وذكرت على تطبيق "تيليغرام" أن "قواتنا تحولت من الدفاع إلى الهجوم في اتجاه باخموت".
من جانب آخر أفادت وكالة "تاس" الروسية للأنباء اليوم بأن موسكو ستتخذ إجراءات أمنية مشددة في محطة زابوريجيا للطاقة النووية الواقعة جنوب شرقي أوكرانيا وذلك أثناء زيارة المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي الأسبوع المقبل.
ونقلت "تاس" عن مستشار المدير العام لشركة الطاقة النووية الروسية "روس إنرجوأتوم"، المشغلة للمفاعل، رينات كارتشا قوله "نتخذ دائماً إجراءات شاملة من جانبنا لضمان سلامة وأمن جميع أعضاء وفد الوكالة الدولية للطاقة الذرية".
في سياق آخر، ذكر مدير مكتب الرئيس الأوكراني أندريه يرماك عبر تطبيق "تيليغرام" أن مسيّرة إيرانية الصنع من طراز "شاهد" دمرت منزلاً خاصاً وتسببت في نشوب حريق.
وأضاف في بيان أن روسيا قصفت المنطقة الحدودية شمال شرقي البلاد مرات عدة خلال ساعات الليل والصباح وأن مسيّرة روسية قتلت مدنيين اثنين وأصابت آخر في منطقة سومي.
وفي وقت سابق، قال بروكودين أيضاً إن مدنياً قتل وأصيب آخر في اليوم السابق نتيجة لقصف روسي على المنطقة ومدينة خيرسون نفسها.