ملخص
اهتمام بالأدب الأمازيغي وندوات ثقافية شاملة واحتجاجات
لا تخلو دورة من دورات المعرض الدولي للكتاب في المغرب من احتجاج، غير أن هذه الاحتجاجات تتخذ كل سنة أشكالاً مختلفة، فأكبر المحتجين هذا العام، في معرض الرباط للكتاب، ينتمون إلى مجال التعليم، ذلك أن توقيت المعرض الدولي للكتاب بالرباط تزامن مع امتحانات السك الثانوي الجهوية والوطنية، وترتيبات الطلبة لاختتام الموسم الجامعي. وهذا ما حال دون حضور شريحة عريضة من رواد المعرض من دارسين وأساتذة، وهي الفئة التي تشكل قاعدة زوار معرض الكتاب. ولا يعرف المهتمون بالكتاب كيف أغفلت وزارة الثقافة هذا الاعتبار الزمني، ووقعت بالتالي في وضع بدا للكثيرين، أنه خلل تنظيمي كبير يجب تفاديه في الدورات المقبلة.
واحتج العديد من المثقفين والكتّاب على غياب العدالة المجالية، فمعظم المشاركين في الدورة الحالية ينتمون إلى العاصمة والمدن القليلة القريبة منها. وقد أوحى تغييب جهات معينة، أو تمثيلها بنسب ضعيفة، بأن هذه الجهات لا يقطن فيها كتّاب ومبدعون يستحقون الحضور والمشاركة في التظاهرة الثقافية الكبرى في البلاد. ويمكن التوقف عند نموذج الجهة الشرقية الحافلة بالشعراء والمبدعين، والممثلة هذه السنة بشكل لا يتلاءم والحركية الثقافية التي تعرفها.
تواصل الاحتجاج في الأوساط الثقافية في المغرب على هيمنة أسماء بعينها في المشاركة الدائمة في برامج المعرض على حساب أسماء أخرى يتم إقصاؤها، أو دعوتها لمرة واحدة في العقد أو العقدين، على رغم حضورها ومواظبتها على الإنتاج الأدبي والفكري. وانتقد كثيرون استمرار هيمنة الثقافة الفرنكوفونية على نشاطات المعرض المغربي. فعدد الندوات المنظمة لمصلحة الثقافة الفرنسية يطرح أسئلة كثيرة بخصوص الامتداد الفرنكوفوني في المغرب، خصوصاً أن الدولة تعمل في الفترة الأخيرة على إعادة قراءتها للعلاقة مع حليفتها القديمة، مما يجعل وزارة الثقافة تبدو كما لو أنها خارج التصور العام المتجدد للدولة.
ويتواصل احتجاج المثقفين والقراء في الدار البيضاء على تهريب معرض الكتاب من مدينتهم إلى الرباط. فقد ظنوا أن الدورة الماضية كانت استثنائية بسبب بعض أشغال التجهيز وتبعات كورونا، غير أن المعرض تم نقله إلى العاصمة الرباط بشكل نهائي.
غاب هذه السنة عدد واضح من دور النشر العربية الكبيرة، وربما يعود السبب إلى إرباك الوزارة لترتيبات الناشرين العرب الذين اعتادوا طول السنوات السابقة على تنظيم معرض المغرب خلال فبراير (شباط)، وليس في بدايات فصل الصيف التي تتزامن مع نهاية الموسم الدراسي.
واحتج المثقفون والقراء المغاربة على منع كتاب "حضور في المكان، آراء ومواقف" للأنثربولوجي المغربي المعروف عبدالله حمودي، الأستاذ في جامعة برينستون الأميركية، وقد فوجئ حمودي أثناء حضوره للتوقيع بعدم وجود الكتاب في جناح دار توبقال، إذ تم إبلاغه بأن موظفين من المعرض سحبوا النسخ الموجودة في رواق دار النشر المعروفة. ويضم الكتاب آراء وتأملات في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية في المغرب والعالم العربي. وبالمقابل أعلن مصدر من وزارة الثقافة بأن توقيع كتاب الباحث المغربي لم يكن مبرمجاً ضمن أنشطة المعرض.
ضيوف كبار
غير أن هذه الاحتجاجات المختلفة التي واكبت الدورة الجديدة من معرض الكتاب في الرباط، لا تلغي حجم الحركية التي عرفتها فضاءات المعرض وأروقته. فقد توافد على هذه التظاهرة الثقافية الكبرى ما يقرب من 200 ألف زائر، وشارك فيها737 من51 دولة، بحوالى 120 ألف عنوان، كما عرفت الدورة مشاركة 661 متدخلاً من حقول الفكر والأدب والنقد والترجمة من داخل العالم العربي ومن خارجه. وعرفت الدورة ازدحاماً واضحاً على مستوى الأنشطة والندوات، بحيث بلغ مجموعها 221. وإن كان هذا العدد دليلاً على مستوى الحركية التي عرفها المعرض، فهو بالمقابل شكل إرباكاً لدى القراء والمتهمين الراغبين في حضور أنشطة مهمة لكن متزامنة.
وتم الاحتفاء بالثقافة الكندية في شقها الكيبيكي، إذ كانت ولاية كيبيك الكندية ضيف شرف الدورة الحالية. وتم استقدام عدد من الكتاب والكاتبات من هذه الولاية لتقديم أعمالهم والحديث عن تجاربهم، في سياق حضور الأدب الفرنكوفوني في العالم، ومدى تأثره وتأثيره في الآداب الأخرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وإن كان معظم الناشرين يشيدون بنقل المعرض من الدار البيضاء إلى الرباط، منوهين بفارق التنظيم، فهم يتأسفون بالمقابل لتراجع مستوى المبيعات وضعف الإقبال قياساً مع الدورة السابقة، بسبب تزامن الدورة الحالية مع فترة الامتحانات المدرسية والجامعية، وبسبب ما عرفته البلاد من موجة غلاء في الأسعار خلال الفترة الأخيرة. ويمكن إضافة عامل ثالث بدا مؤثراً في ما يتعلق بأدب الطفل، وهو إقامة المعرض قبل أيام من عيد الأضحى، مما يجعل الآباء أكثر انشغالا بميزانية العيد، بالتالي أقل كرماً مع أبنائهم في شراء الكتب التي يريدونها.
يشار أيضاً إلى أن المعرض يحاول أن يواكب التنوع الثقافي في المغرب، مراعياً المكون العربي والأفريقي والأمازيغي والصحراوي والعبري للمجتمع. وفي هذا السياق يمكن ملاحظة حضور الكتاب الأمازيغي بشكل متقدم، خصوصاً بعد تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي عمل على دعم وإصدار أكثر من 500 كتاب باللغة الأمازيغية منذ تأسيسه في الفترة الأخيرة.
غير أن الملاحظ هذه السنة هو ضعف حضور الكتاب الديني والتراثي، إذ شارك 11عارضاً فحسب في هذا الصنف، بينما شارك 150 عارضاً مختصاً في كتب الأدب والعلوم الإنسانية. أما العارضون المختصون في العلوم والتكنولوجيا فلم يتجاوز عددهم 6 مشاركين.
حاول معرض الرباط أن يواكب القضايا الراهنة، فركز على تيمات كبرى من قبيل التراث وكتابة المستقبل، ترجمة العالم وكتابة الآخر، النشر والكتاب بين الاقتصاد والإبداع، الفلسفة والعالم، الكتابة بالمؤنث، الأدب أفقاً للتفكير. واستقدم لمناقشة هذه المحاور أسماء راكمت خبرة كبيرة في مجال اشتغالها من قبيل الروائي إبراهيم الكوني والشاعر أدونيس والكاتب النيجيري وول سوينكا والتوغولي سامي تشاك والعراقي عبدالله إبراهيم واللبناني عيسى مخلوف والكندية لويس وارين والكاميرونية دجيدي أمادو والملغاشية ميشيل راكوتوسون والفلسطيني يحيى يخلف وغيرهم. أما أبرز المشاركين المغاربة في هذه الدورة فهم: عبداللطيف اللعبي وعبدالفتاح كيليطو وعبدالله ساعف وعبدالإله بلقزيز ومحمد برادة وعبدالأحد السبتي وعبدالقادر الشاوي وسعيد يقطين وعبدالسلام بنعبد العالي ومحمد بنيس وسعيد بنكَراد وغيرهم.
لكن الملاحظ أن ندوات ولقاءات بعض الكتّاب والمفكرين، الذين يحظون بشهرة واسعة أو يطرحون قضايا إشكالية تشاكس الرأي العام، نظمت في قاعات لم تكن كافية لاستيعاب الجمهور والمهتمين، لذلك ظل العديد منهم يتابعون اللقاءات واقفين في آخر القاعة وأحياناً خارجها.