Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لم تنتف الحاجة للأمم المتحدة بعد

التنافس المحتدم بين القوى العظمى يزيد أهميتها ولا ينتقص منها

الرئيس الصيني شي جينبينغ يتحدث عن بعد في الأمم المتحدة في سبتمبر 2021 (ماري التافر/ رويترز)

ملخص

في خضم الصراعات العالمية الحالية قد تبدو منظمة الأمم المتحدة عديمة الفعالية وعفا عليها الزمن لكنها في الحقيقة لا تزال مكاناً مهماً لكل الأطراف الدولية الكبرى وخصوصاً المتنافسة منها

في يالطا مدينة المنتجعات التي تحتضنها شبه جزيرة القرم، كان اللقاء شتاء عام 1945 بين الرئيس الأميركي فرانكلين د. روزفلت والزعيم السوفياتي جوزيف ستالين ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل من أجل التخطيط لـ "منظمة أمم متحدة".

كانت صحة روزفلت في تدهور وليس من المستبعد أن الرحلة المضنية إلى القرم قد سرّعت وفاته بعد أسابيع من ذلك التاريخ. لكن مجرد قيامه بهذه الرحلة دليل على مدى إيمانه بأهمية التعاون بين القوى العظمى في نظام عصر ما بعد الحرب، وتخيل روزفلت أن تمثل الأمم المتحدة "الشرطيين الأربعة" وتشكل ائتلافاً للقوى المنتصرة في الحرب، أي الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي والمملكة المتحدة والصين.

في نهاية المطاف أصبحت هذه المجموعة، إضافة إلى فرنسا، تمتلك مقاعد العضوية الخمس الدائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهو محور النظام الجديد الذي سعى روزفلت إلى تأسيسه.

لكن بعد مرور ثلاث سنوات فقط، ورداً على إعلان القوى الغربية عن مخططاتها بتوحيد المناطق الواقعة تحت سيطرتها في ألمانيا المحتلة، وضعت القوات السوفياتية حواجز على الطرقات والقطارات المؤدية إلى برلين (الواقعة في القسم الشرقي التابع للسوفيات) وأغلقتها، وشكلت هذه الخطوة الجذرية نقطة تحول فيما كان يسمى أكثر فأكثر عندها "الحرب الباردة" بين الاتحاد السوفياتي من جهة، وحلفائه السابقين من جهة أخرى، ولا سيما الولايات المتحدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحلول وقت اندلاع أزمة برلين كانت العلاقات بين القوى العظمى في الأمم المتحدة الناشئة باردة أساساً، وبدا بأن رؤية يالطا بتأسيس نظام لفترة ما بعد الحرب يقوم على التعاون، تلاشت بسرعة.

يرى كثيرون أن الحرب الباردة قضت على حلم روزفلت بوجود منظمة أمم متحدة تكبح جماح النزاعات وتسفر عن عمل جماعي بناء، وكما حاجج الباحث في العلاقات الدولية جون ميرشيمر، أصبح من "شبه المستحيل" بالنسبة إلى الأمم المتحدة أن تتبنى قرارات مجدية وتطبقها بسبب التنافس بين القوى العظمى، كما أصر مفكر العلوم السياسية فرانسيس فوكوياما من جهته على أن الحرب الباردة أوهنت مجلس الأمن، ووفقاً لهذا الاتجاه في التفكير لم تتمكن الأمم المتحدة من المشاركة بالتحركات المشتركة الإكراهية التي تخيلها مؤتمر يالطا سوى بعد نهاية الحرب الباردة.

وأوجزت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة وسفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة مادلين أولبرايت وجهة النظر هذه بعد سنوات عندما صرحت بأنه مع انهيار الاتحاد السوفياتي، "انهار العائق أمام تنسيق العمل في مجلس الأمن".

أما اليوم فقد عاد التنافس بين القوى العظمى إلى الاشتداد، ويرى محللون كثر احتمال حرب باردة جديدة بين الولايات المتحدة والصين، ويخشى مراقبون للأمم المتحدة أن يكون ماضيها أشبه بتمهيد للمرحلة المقبلة. ويمكن أن تشل المنافسة بين القوى العظمى حركة المنظمة مرة جديدة، ففي نهاية المطاف يسهل الاستنتاج بأن الأمم المتحدة التي لم تقدر على وضع حد للحرب الدائرة في أوكرانيا حالياً، غير قادرة على التعامل مع الأحداث المفصلية في هذا العصر.

لكن ليس من الضروري أن تفقد الأمم المتحدة أهميتها وجدواها جراء المنافسة المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين، بل يمكن أن تؤدي تلك المنافسة حتى إلى زيادة درجة التعاون في الأمم المتحدة بدل تقليصها.

لدى الصين والولايات المتحدة مصلحة مشتركة في الحفاظ على صلاحيات مجلس الأمن، بل توسيعها في أفضل الأحوال، إذ يعد هيئة رئيسة يهيمن الطرفان عليها في الأمم المتحدة.

لكن فعل ذلك يتطلب منهما الامتناع من التفكير بغية القضاء على الخصم وإيجاد مجالات مشتركة تخدم مصلحتهما المشتركة: الحفاظ على نفوذهما على الآخرين.

وكما حالها خلال الحرب الباردة، لا تزال الأمم المتحدة تشكل في القرن الـ 21 منبراً فريداً للتنسيق والتعاون بين القوى العظمى في شأن قضايا كثيرة تهم النظام العالمي، قد لا ترقى الأمم المتحدة يوماً لرؤية روزفلت. لكن التاريخ يظهر بأن هذه المؤسسة التي شارفت على إتمام عامها الـ 80 لا تزال فعالة وناجحة.

الأمم المتحدة أثناء الحرب الباردة

وخلافاً للرأي السائد والقائل إن الحرب الباردة كبلت يدي الأمم المتحدة، نشط مجلس الأمن بعد الحرب على نحو مفاجئ في الواقع، ولا شك في أن السوفيات استخدموا حق النقض أو "الفيتو" بكثرة خلال الأعوام الأولى، فعرقلوا تمرير مجموعة من الإجراءات بدءاً بقبول عضوية إيرلندا في عام 1946 ووصولاً إلى محاولة تدخل مجلس الأمن في الصراع الذي نشب بين الهند وباكستان بسبب جامو وكشمير في عام 1957.

كان أول 50 "فيتو" في مجلس الأمن سوفياتياً، (بحلول سبعينيات القرن الماضي بدأت الولايات المتحدة تحذو حذو الاتحاد السوفياتي وتستخدم حق "الفيتو" على القرارات التي تدين إسرائيل وجنوب أفريقيا).

وعجزت الأمم المتحدة عن التصرف في أزمات جوهرية تتعلق بالتدخلات السوفياتية والأميركية ومنها الغزو السوفياتي للمجر عام 1956 وحرب فيتنام.

صمم حق الـ "فيتو" في يالطا من منطلق الحرص على حماية مصالح الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن في كل الأوقات، وكانت القوى العظمى على استعداد كبير لانتهاز هذه الميزة.

لكن كلاً من موسكو وواشنطن أدركتا في النهاية بأن شلل الأمم المتحدة لا يفيدهما، وفي عصر المنافسة ثنائية القطب التي اعتبر فيها أي انتصار لطرف بمثابة انهزام للطرف الآخر، بدا بأن الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة فهما بأنهما لو فشلا في إيجاد طرق للتعاون داخل الأمم المتحدة سيقلص ذلك كثيراً من سلطاتهما وامتيازاتهما الخاصة.

إن عجز مجلس الأمن عن التحرك يضعه على هامش الساحة السياسية العالمية، وبعد تعثر البدايات بدأت وتيرة نجاح مجلس الأمن في تبني القرارات تزداد، وبحلول نهاية الحرب الباردة تضاعف متوسط عدد القرارات التي يقرها المجلس كل عام بأكثر من مرتين مقارنة بخمسينيات القرن الماضي.

خلافاً للرأي السائد لم تجعل الحرب الباردة الأمم المتحدة عاجزة

كان عدد كبير من القرارات الناجحة يتعلق بعملية إنهاء الاستعمار المعقدة في فترة ما بعد الحرب، وهي عملية سعت كل من القوتين العظميين إلى إدارتها، وغالباً ما نتج من هذه القرارات المشتركة إنشاء عمليات حفظ للسلام في دول ما بعد الاستعمار. عندما نالت الكونغو استقلالها عن بلجيكا عام 1960 مثلاً، دخلت سريعاً في دوامة الحرب الأهلية، لكن الأمم المتحدة عملت بشكل متضافر من أجل ضبط انتشار الفوضى. وفي غضون أيام على اندلاع الأزمة وافق مجلس الأمن على إرسال قوة ضخمة لحفظ السلام ظلت موجودة لأعوام عدة، وشاركت في القتال حتى باستخدام المدرعات والقوة الجوية.

ووجد كل طرف من طرفي النزاع في الحرب الباردة أن الأمم المتحدة أداة مفيدة في سبيل الحد من نفوذ الطرف الثاني، ولوحظ ذلك بشكل خاص في مسألة الكونغو.

وبحسب تعبير مسؤول أميركي في وقت لاحق عندما سعى الزعيم الكونغولي باتريس لومومبا لتوطيد العلاقات مع موسكو، فإن وجود الأمم المتحدة "أخاف السوفيات نوعاً ما، كانوا يعرفون كيف يواجهوننا نحن ولكن ليس الأمم المتحدة".

خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي، تدخلت الأمم المتحدة في مجموعة أزمات، ليس في الكونغو وحسب، بل أيضاً في أنغولا وقبرص وجمهورية الدومينيكان والهند وباكستان والسنغال وجنوب أفريقيا وزامبيا وغيرها من المناطق، ولم يتفق السوفيات والأميركيون كل الوقت في شأن طريقة التعامل مع هذه التحديات المتعددة.

لكن اتفاقهما مرات عدة، وتحرك مجلس الأمن مرات عدة خلال هذه الفترة، ينفي الاعتقاد بإصابة المنظمة بالشلل جراء التنافس بين القوى العظمى.

وعلاوة على ذلك يبين التاريخ أن هذا التعاون المتزايد لم يأت نتيجة اختيار الأزمات الأقل أهمية وحدها، وغالباً ما وضعت أمام المجلس قضايا خطرة بت فيها باتخاذه قرارات كانت في معظم الأحيان أقسى بالمجمل من القرارات التي استخدم فيها حق الـ "فيتو" أو التي لم تحصد الغالبية المطلوبة، فمثلاً عام 1970 ورداً على ما سماه بشكل لافت "اغتصاب السلطة من قبل أقلية استيطانية عنصرية" في روديسيا الجنوبية (أصبحت اليوم زمبابوي) فرض مجلس الأمن على أعضائه كافة قطع العلاقات الدبلوماسية مع النظام، وأمر بسحب قوات أفريقيا الجنوبية وعلق عضوية روديسيا الجنوبية في المنظمات الدولية كافة.

كما عكس التعاون المتزايد داخل مجلس الأمن التنافس المتنامي في إطار المنظمة إجمالاً، ومع تفكك الإمبراطوريات خلال العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية، انضمت إلى الأمم المتحدة مجموعة كبيرة من الدول المستعمرة سابقاً.

وسرعان ما هيمنت على الجمعية العامة تلك الهيئة الأممية التي تضم كل الدول الأعضاء، دول حركة عدم الانحياز التي استخدمت الأمم المتحدة بشكل متزايد كمنصة من أجل إبراز خلافاتها مع القوى العظمى.

ومع توجه الجمعية العامة إلى أن تصبح أكثر حزماً وتهديدها بأخذ زمام المبادرة، وجد كل من الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة ميزة في إظهار فعالية مجلس الأمن من خلال التحرك الحاسم، وصحيح أن "ميثاق القوى العظمى" الذي أبرمه روزفلت في يالطا منحهما سلطات غير مسبوقة، لكن استخدامها يفرض عليهما التعاون.

عصر جديد

كانت نهاية الحرب الباردة فاتحة لما سماه تشارلز كروثامر في "فورين أفيرز"، "لحظة القطبية الأحادية"، إذ أصبحت الولايات المتحدة القوة العالمية العظمى بلا منازع، وازداد نشاط الأمم المتحدة في إطار هذا الأفق السياسي الجديد، وعلى رغم بعض الأخطاء البالغة مثل وقوع الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، اضطلعت المنظمة في غالب الأحيان بدور رئيس في التطورات الجيوسياسية لتلك الفترة، بدءاً بحرب الخليج عام 1990-1991 ووصولاً إلى الأزمات التي اشتعلت في دول البلقان وكمبوديا وتيمور الشرقية وغيرها، وتوسعت عمليات حفظ السلام أكثر، لا سيما في أفريقيا، نظراً إلى أن انهيار الاتحاد السوفياتي أفقد أنظمة عدة الدعم الخارجي الذي كانت تتمتع به، فأخذت بالتالي تنهار هي الأخرى، كما أن الأمم المتحدة انخرطت بعمق في التعامل مع مجموعة قضايا جديدة ومنها البيئة والصحة العامة والعدالة الجنائية الدولية.

مع صعود الصين الهائل في القرن الـ 21 دخل العالم عصراً جديداً من التنافس بين القوى العظمى تحت قيادة الزعيم الصيني شي جينبينغ يزداد نفوذ بكين، كما تصبح أكثر قومية وعدوانية.

وفي واشنطن المنقسمة بين التوجهات الحزبية تعتبر المعارضة المحتدمة والمتشددة غالباً للصين إحدى أوجه التلاقي القليلة بين الحزبين الرئيسين، وقد وصف كثير من المحللين أساساً هذه المنافسة المتنامية بأنها تماثل "حرباً باردة جديدة".

لكن مثلما حاجج كثيرون، تختلف المنافسة بين الولايات المتحدة والصين عن تلك التي شهدتها الحرب الباردة منذ عقود مضت، إذ رسخت الصين وجودها في الاقتصاد العالمي فيما تعتمد الشركات والمستهلكين الأميركيين على السوق الصيني.

ومن ناحية أخرى ازداد اهتمام الصين بالمشاركة في المؤسسات المتعددة الأطراف بغية تعزيز توجهاتها فيها بشكل لافت خلال العقدين الماضيين، وفي الواقع دعا شي خلال الأعوام الأخيرة الدبلوماسيين الصينيين إلى التعمق في معرفة القانون الدولي و"المشاركة في الحوكمة الدولية، وصياغة القوانين ووضع البرامج".

وتماشياً مع هذه التعليمات ازداد نشاط الصين في الأمم المتحدة، وتقليدياً لعبت الصين دوراً صامتاً في المنظمة. (حتى عام 1971 شغلت تايوان المقعد المخصص لها في الأمم المتحدة)، وغالباً ما امتنعت الصين من التصويت في مجلس الأمن، لكن منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي بدأت بالتصويت، واستخدام حق النقض بوتيرة أكبر بكثير، وفعلياً منذ عام 2011 استخدمت الصين حق النقض أكثر من 10 مرات. (بالمقارنة مع ذلك لم تستخدم الولايات المتحدة حق النقض سوى لعرقلة أربع قرارات خلال الفترة الزمنية نفسها).

وفي إطار الجمعية العامة اقترحت الصين أخيراً مبادرة للتنمية العالمية تشكل خطة شاملة للتقدم الاقتصادي، فيما طرحت في منتدى "بوآو" الآسيوي Boao Forum for Asia مبادرة أمنية عالمية تتوخى معالجة "التحديات الأمنية المعقدة والمتداخلة" من خلال "عقلية الكل رابح". ويرمي المقترحان إلى إعادة توجيه الحوكمة العالمية مع الحرص على أن تتولى الصين زمام الأمور.

الصين مقتنعة بأهمية الأمم المتحدة 

أصبحت الصين اليوم ثاني أكبر مساهم مالي في الأمم المتحدة (بعد الولايات المتحدة)، وقد وضعت كثيراً من رعاياها في الهيكلية البيروقراطية للمنظمة، وفي الحقيقة أنها حالياً الدولة العضو الوحيدة التي يترأس مواطنوها أكثر من وكالة متخصصة في الأمم المتحدة، كما يعتبر عدد قوات حفظ السلام الصينيين الذين يشاركون في بعثات الأمم المتحدة أكبر بكثير من أي عضو دائم آخر، ضعف ما يملكه باقي الأعضاء الأربعة مجتمعين.

وغالباً ما تصور الصين على أنها قوة رجعية تتوق للانقلاب على النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة، لكنها لا تعتبر الأمم المتحدة غير مهمة ولا أنه يمكن استبدالها، بل على العكس يبدو أنها مقتنعة أكثر فأكثر بأهمية المنظمة.

يتزامن التزام الصين بتعزيز نفوذها داخل الأمم المتحدة مع تأرجح موقف الولايات المتحدة من المنظمة نفسها، وفيما سيطرت الولايات المتحدة وحلفاؤها على الأعوام الأولى من حياة الأمم المتحدة، أظهر الجمهوريين عداوة ضارية تجاه الأمم المتحدة منذ ثمانينيات القرن الماضي على أقل تقدير، وفعلياً لم يثق عدد كبير من المحافظين أبداً بالمنظمة من الأساس، إذ اعتبروا أنها تعج بالثوريين والجواسيس الروس، لكن مع تواري ازدهار الأعوام الأولى بعيداً، لا يزال المسؤولون الأميركيون (لا سيما أولئك الذين يشغلون مناصب في إطار إدارات ديمقراطية) يعتبرون الأمم المتحدة أداة أساسية في الدبلوماسية، كما يمنح مجلس الأمن الذي يعكس توازن القوى من منتصف القرن الـ 20 أفضليات ضخمة للولايات المتحدة في ظل عالم متغير بسرعة.

وخلاصة القول إن كلاً من الولايات المتحدة والصين تستفيدان من الوضع الحالي الذي تكرسه الأمم المتحدة، فتوزيع السلطة غير العادل أبداً ضمن المنظمة يصب في مصلحتهما، حتى فيما يحبط الدول الأعضاء الأخرى معظم الوقت. (فعلياً أحد أسباب تردد عدد من الدول الأفريقية في موضوع الغزو الروسي لأوكرانيا هو، كما كتب تيم موريثي منذ وقت قريب في "فورين أفيرز" أنه ليس سوى "استمرار لحكم القوي على الأقل قوة").

وافقت أخيراً الولايات المتحدة والصين، بالتعاون مع أعضاء آخرين في مجلس الأمن، على إيفاد بعثات حفظ السلام أو "حفظ الاستقرار" إلى جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي وجنوب السودان، وفرضتا عقوبات وحظراً على الأسلحة وغيرها من القيود على هايتي، وفي عام 2023 وحده أقرت قرارات تتناول تهديد كوريا الشمالية وتحظر "طالبان" في أفغانستان وتقدم الدعم للإصلاحات في العراق.

صحيح أن البيت الأبيض و" زونكنانهاي‏" Zhongnanhai [مقر الحكم الشيوعي الصيني] لا يتفقان على كل التفاصيل، لكن في موضوع الهيمنة على الدول الأصغر حجماً، سواء عبر فرض العقوبات أو إيلاء الدعم، غالباً ما يجدان أساساً للاتفاق.

ومع توسع نطاق عمل مجلس الأمن خلال الأعوام الأخيرة ليشمل قضايا مختلفة ومتنوعة مثل تغير المناخ وفيروس نقص المناعة البشرية وانعدام الأمن الغذائي، ازدادت المزايا الهيكلية التي يتمتع بها الأعضاء الدائمين، ويبدو موضوع إصلاح مجلس الأمن بحيث يصبح أكثر شمولاً احتمالاً بعيد المنال، على رغم التباحث في هذا الموضوع على مدى عقود، وإذاً تظل الأمم المتحدة في الوقت الراهن منظمة صممتها القوى العظمى التي لا تزال تسيطر عليها.

شراكات غريبة

يرجح أن يزداد العداء بين الولايات المتحدة والصين خلال العقد المقبل، لكن السياسة تصنع شراكات غريبة وغير متوقعة، وعلى رغم وجود مجال واسع للاختلاف والانقسام في كنف الأمم المتحدة، يشير تاريخ الحرب الباردة إلى وجود حوافز قوية كذلك من أجل التعاون.

سوف تبقى المنظمة على حالها السابق من حيث عجزها عن معالجة القضايا التي تؤثر بشكل مباشر في مصالح القوى العظمى، وهذا ليس خللاً في النظام بل إحدى ميزاته، إذ آمن روزفلت ومعه تشرشل وستالين بأن القوى العظمى لن تشارك في المنظمة إلا إن امتلكت طبقة حماية إضافية من خلال حق الـ "فيتو" على تحركات مجلس الأمن، وعبر إدخالهم القوى الرائدة في هيئة تمتلك قدرة غير مسبوقة بفرض إرادتها على الآخرين، حرص من رسموا شكل الأمم المتحدة على ألا تلاقي المنظمة مصير سلفها "عصبة الأمم" التي عجزت عن وقف اندلاع صراع ضخم في ثلاثينيات القرن الماضي.

وبالنتيجة لا تزال أهم الطرق التي تحافظ فيها الأمم المتحدة على جدواها هي أن تكون مسرحاً للتعاون بين القوى العظمى.

في الوقت الراهن تنشط في الميدان أكثر من 10 بعثات لحفظ السلام، فيما تفرض عقوبات مستمرة على أكثر من 15 دولة عضواً، وكان من الضروري أن تتعاون الولايات المتحدة مع الصين من أجل إعداد كل تحرك من هذه التحركات والحفاظ على استمراريتها، واليوم تُحدث هذه التحركات فارقاً مهماً في الميدان، لكنها مجتمعة تسمح أيضاً لمجلس الأمن بإدارة مجموعة كبيرة ومتنوعة من اللاعبين العالميين والسيطرة عليهم.

يرجح، بل لا بد من أن تحصل خلافات في أروقة الأمم المتحدة مع تزاحم الصين والولايات المتحدة على موقع السيادة في القرن الـ 21، لكن ما دامت الأمم المتحدة المؤسسة الرئيسة للحكومة الدولية فسوف تجد الأطراف المهيمنة على المنظمة أسباباً وجيهة للحفاظ عليها، ولا تزال الأمم المتحدة أفضل أداة لتحقيق نظام دولي يقوم على القوانين، أقله نظام تسن فيه القوى العظمى القوانين.

*كال راوستيالا يشغل منصب أستاذ أول للقانون الدولي والمقارن في معهد "بروميس" لحقوق الإنسان ومدير مركز "رونالد دبليو بوركله" للعلاقات الدولية في جامعة كاليفورنيا، لوس أنجليس، وصدر له مؤلف "الرجل الذي لا يمكن الاستغناء عنه: رالف بنش، الأمم المتحدة، والحرب لإنهاء الإمبراطورية" The Absolutely Indispensable Man: Ralph Bunche, the United Nations, and the Fight to End Empire.

 **فيفا يمينجا خيرونيمو حازت أخيراً درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة "يال".

 مترجم عن "فورين أفيرز"، 7 يونيو 2023

المزيد من آراء