Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما الذي تعنيه تهم ترمب ولماذا يتصدرها انتهاك قانون التجسس؟

قد تنتهي المحاكمة بعقوبة قصيرة أو عدم السجن لكن نظرياً قد تصل إلى 400 عام

مع استدعاء ترمب إلى المحكمة لسماع التهم الموجهة إليه تبدأ معركة قانونية طويلة بين الرئيس السابق وفريقه القانوني والمدعين العامين (أ ف ب)

يمثل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، اليوم الثلاثاء، أمام المحكمة في فلوريدا بعد توجيه المدعين الفيدراليين لائحة اتهام من 49 صفحة توضح قضية الحكومة ضده، والتي تشمل اتهامه بانتهاك قوانين الأمن القومي وعرقلة العدالة عبر الاحتفاظ بوثائق حكومية سرية للغاية بما فيها ما يتعلق بالقدرات النووية الأميركية، ومن بين 38 تهمة جنائية، هناك 31 تهمة تتعلق بانتهاك قانون التجسس، وخمس تهم تتعلق بإخفاء حيازة وثائق سرية، واثنتان تتعلقان بإعطاء بيانات كاذبة، فما الذي تعنيه هذه التهم وما هو قانون التجسس؟ وما الذي سيحاول المدعون إثباته بينما سيحاول الدفاع نفيه؟ وهل يمكن أن تؤدي الإدانة في جميع التهم إلى عقوبة قصيرة نسبياً أو إلى عدم السجن على الإطلاق أم يمكن الحكم على ترمب إلى أقصى حد في كل تهمة؟

أهم قضية في تاريخ أميركا

مع استدعاء ترمب إلى المحكمة في ويست بالم بيتش بولاية فلوريدا لسماع التهم الموجهة إليه كي يرفضها أو يقر بالذنب، تبدأ معركة قانونية طويلة بين الرئيس السابق وفريقه القانوني والمدعين العامين، والتي يعتقد أنها ستستغرق أشهراً عدة تشهد خلالها منازعات وطعوناً وطلبات قانونية وتأجيلاً قبل أن يصدر الحكم من هيئة المحلفين في النهاية، بينما ينتظر أن يكون هناك حكم آخر من جمهور الأميركيين الذين سيتابعون القضية التي يصفها أستاذ القانون بجامعة "نيويورك" ستيفن جيلرز، بأنها ستكون الأكثر أهمية والأكثر مشاهدة في التاريخ الأميركي.

وتعود هذه الأهمية إلى أن محاكمة ترمب تحمل أخطاراً هائلة، ليس فقط بسبب ما تعرض له النظام القضائي الأميركي من انتقادات طوال التاريخ بسبب التحيز العنصري والطبقي، ولكن أيضاً لأن المحاكمة الجنائية الأولى لرئيس سابق يمكن أن تعمق الشكوك العامة والانقسامات الحزبية حول الحكم الذي ستصل إليه هيئة المحلفين داخل قاعة المحكمة، والحكم الذي سيصل إليه الجمهور خارجها، كما أن هذا الانقسام واضح جداً من الآن بين من يعتقدون أن الأقوياء مثل الرئيس ترمب، يجب أن يحاسبوا على أفعالهم مثل جميع الأميركيين، وبين من يعتقدون أن تلك المحاكمة ذات دوافع سياسية، الأمر الذي قد يتسبب في فقدان أعداد كبيرة من الأميركيين الثقة في المحاكم والسياسة، وربما الديمقراطية الأميركية نفسها.

أبرز التحديات

توضح لائحة الاتهام ضد ترمب كيف احتفظ الرئيس السابق بوثائق حكومية سرية بما في ذلك الأوراق المتعلقة بالقدرات النووية الأميركية مبعثرة في صناديق عبر منزله في منتجع مارالاغو في فلوريدا، بعد فترة طويلة من انتهاء رئاسته في عام 2021، وهي الوثائق التي حاولت الحكومة استعادتها، كما تظهر لائحة الاتهام أيضاً أن ترمب شارك معلومات سرية تتعلق بالدفاع الوطني الأميركي مع أشخاص ليس لديهم تصريح أمني يخول لهم الاطلاع على هذه المعلومات، بما في ذلك أحد أعضاء لجنة العمل السياسي التابعة لترمب، غير أن أحد أبرز التحديات في القضية هو أن المدعين العامين يحاولون تحميل الرئيس السابق المسؤولية عن إفادة خطية وقعها محامٍ تضمنت تصريحات تبين أنها لم تكن صحيحة، تفيد بأن ترمب ليست لديه الوثائق التي كانت الحكومة تطلب منه إعادتها، ولجعل هذه القضية ثابتة، سيتعين على المدعين إظهار أن الرئيس السابق نفسه كان متورطاً في ذلك، وفقاً لأستاذ القانون في جامعة "كاليفورنيا" غابرييل تشين.

وبحسب ما نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، فإن الأدلة الأكثر إدانة جاءت من ملاحظات قدمها محامي ترمب إيفان كوركوران، تشير إلى أن الرئيس السابق ضغط على كوركوران لمنع المحققين من استعادة مجموعة من الوثائق السرية، واقترح عليه أنه قد يكون من الأفضل الكذب على المحققين وحجب الوثائق تماماً.

وعلى رغم اعتراضات ترمب على أحقية الادعاء في استخدام هذا الدليل، فإن المدعي الخاص المشرف على التحقيق جاك سميث، حصل على الملاحظات من خلال استثناء قانوني يسمح للمدعين العامين بالتغلب على حماية حديث المحامي وموكله إذا أثبت الادعاء للقاضي أن العميل استخدم المشورة القانونية لتعزيز جريمة، لكن من المتوقع أن يطعن فريق دفاع ترمب في هذه الأحقية بتقديم طلب إلى القاضية إيلين كانون والتي عينها ترمب وتشرف حالياً على الإجراءات الأولية التي تسبق المحاكمة، بخاصة بعد أن أصدرت حكمين سابقين لصالحه في مسألة الوثائق السرية قبل أن تسقط محكمة الاستئناف الفيدرالية أحكامها.

تهم لآخرين

تركز التهمة 32 في لائحة الاتهام ضد ترمب ومساعده والت ناوتا على التآمر، لكن الاتهام لا يقتصر عليهما، بل يمتد إلى أشخاص آخرين معروفين وغير معروفين لهيئة المحلفين الكبرى، وبينما يحتفظ المدعي العام الأميركي بالحق في القول إن هؤلاء الآخرين كانوا متآمرين، فإن ذلك يثير أسئلة عما إذا كان هؤلاء الآخرون هم فريق الدفاع عن ترمب أم لا، وإذا كان المقصود هم، فيجب على الادعاء أن يثبت إذا كان الرئيس السابق قد زودهم بمعلومات كاذبة، أم أنهم كانوا مشاركين في الجريمة.

ويشير متخصصون في القانون إلى أنه يتعين على المدعين أن يبذلوا جهداً لشرح القصة كاملة وسبب كون الأفعال التي قام بها ترمب ومن عاونه، كانت خاطئة لتبرير الظروف التي قادتهم لتوجيه الاتهامات، مع توضيح أن الأمر لم يكن وثيقة أو اثنتين تم الخلط بينهما عن طريق الخطأ، وإنما لأنه احتفظ بأكثر من 200 من المستندات السرية التي تم فحصها بعناية.

حركة الصناديق

وفي حين أن حركة الصناديق التي تحوي الوثائق السرية وتنقلها من مكان لآخر في مارالاغو، حيث يقيم ترمب، اكتسبت أهمية في لائحة الاتهام، فإن السبب الرئيس وراء ذلك يعود إلى أن إثبات جميع التهم يتطلب نوعاً من النية، بحسب ما يشير أستاذ القانون غابرييل تشين، إذ لن تنطبق أي من هذه التهم على شخص يحاول الامتثال للقانون، ولهذا يجب على المدعين إثبات أن ما كان يحدث هناك كان عملاً مقصوداً ومحسوباً.

ويعود سبب آخر إلى أن وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون ونائب الرئيس السابق مايك بنس والرئيس جو بايدن، الذين واجهوا جميعاً تحقيقات في حيازتهم وثائق سرية، لم يثبت عليهم سوء النية في حيازتهم الوثائق السرية، وعندما قال مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق جيمس كومي عام 2016 إنه لم يوجه اتهامات إلى كلينتون لاستخدام بريدها الإلكتروني الشخصي في العمل الحكومي، كانت هناك اعتبارات دفعته إلى القيام بذلك، منها أن الأشخاص الذين يرتكبون أخطاء بحسن نية ويتعاونون بصدق لا تتم محاسبتهم لأنه من الصعب إثبات حالة المخالفة، كما أن السلطات لا تريد جعل الخدمة العامة فخاً ينتهي بالمسؤولين والموظفين في السجن إذا أخطأوا من دون قصد.

لماذا قانون التجسس؟

تتضمن لائحة اتهام الرئيس السابق دونالد ترمب من قبل هيئة محلفين فيدرالية كبرى في ميامي 31 تهمة بانتهاك جزء من قانون التجسس الذي صدر عام 1917 واستخدمه في البداية المحافظون المتحمسون، لكن أكبر زيادة في استخدامه حدثت خلال إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، التي استخدمت القانون كمطرقة مفضلة ضد مسربي المعلومات المتعلقة بالأمن القومي، وفي كل مرة يستخدم فيها القانون يثير الذعر والغضب، وفقاً لما يقوله جوزيف فيرغسون وتوماس دوركين الأستاذان بجامعة "لويولا" في شيكاغو.

وعلى رغم أن قانون التجسس يوحي بالجواسيس والمؤامرات الدولية، فإن جزءاً واحداً من القانون 18، وهو القسم 794 يتعلق بالتجسس لصالح الحكومات الأجنبية، والتي تكون العقوبة القصوى عليها السجن مدى الحياة، وأفضل مثال على هذا الجانب من القانون هو إدانة جوناثان بولارد عام 1987، بتهمة التجسس وتقديم معلومات سرية للغاية إلى إسرائيل، والضابط السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ألدريتش أميس عام 1994 لكونه عميلاً مزدوجاً للاستخبارات السوفياتية والروسية بعد ذلك، وفي عام 2002، تم القبض على العميل السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي روبرت هانسن، الذي ضبط وهو يبيع أسراراً أميركية إلى الاتحاد السوفياتي وروسيا على مدى أكثر من 20 عاماً، وتلقى هؤلاء الثلاثة أحكاماً بالسجن مدى الحياة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن، أين يقع اتهام ترمب بين الحالات السابقة؟ والإجابة هي أن قانون التجسس ينطبق على جمع أو حيازة أو نقل معلومات حكومية حساسة، إذ يمكن أن يعني الإرسال نقل المواد من موقع مصرح به إلى موقع غير مصرح به، كما يجب الاحتفاظ بعديد من أنواع المعلومات الحكومية الحساسة في منشآت آمنة، ويمكن أن ينطبق أيضاً على رفض طلب حكومي بإعادة الوثائق السرية الحساسة، والاحتفاظ غير المصرح به لوثائق الأمن القومي، وكل هذا يندرج تحت الأنشطة المحظورة في القسم المنفصل والأكثر شيوعاً من القانون 18 القسم 793.

هل يتطلب توافر النية؟

وفقاً لجوزيف فيرغسون وتوماس دوركين، فإن الحيازة المتعمدة غير المصرح بها للمعلومات التي إذا حصلت عليها حكومة أجنبية، قد تضر بمصالح الولايات المتحدة، تعد كافية بشكل عام لإصدار حكم محتمل بالسجن لمدة 10 سنوات، ولا تعد الادعاءات الحالية من قبل أنصار ترمب بأن سلوكه لا يحمل نية للأضرار بمصالح الولايات المتحدة ذات معنى، ذلك أن الدافع وراء مخاوف وزارة العدل بموجب القسم 793 هو المحتوى الحساس للوثائق وعلاقتها بمعلومات الدفاع الوطني.

وعلى سبيل المثال، فإن إحدى أشهر قضايا قانون التجسس، والمعروفة باسم "ويكيليكس"، التي اتهم فيها جوليان أسانج بالحصول على وثائق عسكرية ودبلوماسية سرية ونشرها عام 2010، لم تتعلق بتسريبات لمساعدة الحكومات الأجنبية، بل كانت تتعلق بحيازة غير مصرح بها والحصول على وامتلاك ونشر معلومات حساسة قد تكون مفيدة لدولة أجنبية إذا تم الكشف عنها.

كما أقر اثنان من كبار المسؤولين في إدارات ديمقراطية بالذنب في ارتكاب جنح وسوء التصرف بعد التهديد بملاحقتهم بقانون التجسس، وهما ساندي بيرغر مستشار الأمن القومي خلال إدارة كلينتون، وديفيد بتريوس مدير وكالة الاستخبارات المركزية في عهد إدارة أوباما، إذ أخذ بيرغر إلى المنزل وثيقة سرية في جوربه قبيل نهاية فترة ولايته، كما شارك بتريوس معلومات سرية مع شخص لا يمتلك تصريحاً أمنياً لأسباب لا علاقة لها بحكومة أجنبية.

هل رفع السرية يعفي ترمب؟

إحدى النظريات التي طرحها ترمب والمدافعون عنه، أنه رفع السرية عن الوثائق، أو كان بإمكانه ذلك، لكن رفع السرية لا يعمل بهذه الطريقة، إذ يتطلب تجاوز الأمر التنفيذي رقم 13526، ويجب أن يكون كتابياً، وأن يكون قد حدث عندما كان ترمب لا يزال رئيساً، وإذا تم رفع السرية عنها، كان يجب وضع علامة عليها على هذا النحو.

وحتى بافتراض رفع السرية عن الوثائق، وهو ما لا يبدو كذلك، فإن ترمب لا يزال في نطاق ارتكاب جريمة، إذ ينطبق قانون التجسس على جميع معلومات الدفاع الوطني والتي تشكل المواد السرية جزءاً منها فقط، ويتضمن هذا النوع من المعلومات مجموعة واسعة من المعلومات الحساسة، بما في ذلك المخاطر العسكرية ومعلومات الطاقة والعلوم والتكنولوجيا والبنية التحتية ومخاطر الكوارث الوطنية، وبموجب القانون واللوائح، لا يجوز نشر معلومات الدفاع الوطني علناً، ويجب التعامل معها على أنها حساسة.

قضايا التجسس سياسية

عبر التاريخ، كانت قضايا قانون التجسس مسيسة في كثير من الأحيان، فقد سن القانون في بداية تورط الولايات المتحدة في الحرب العالمية الأولى عام 1917، وصمم القانون إلى حد كبير لجعل التدخل في التجنيد غير قانوني ولمنع الأميركيين من دعم العدو، لكن استخدامه استهدف على الفور المهاجرين والمنظمات العمالية والمتطرفين ذوي الميول اليسارية، كما كان القانون أداة استخدمها السياسيون المناهضون للشيوعية في الحرب الباردة مثل السيناتور جو مكارثي في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، وتعد قضية يوليوس وإيثل روزنبرغ اللذين تم إعدامهما لتمريرهما أسراراً نووية إلى الاتحاد السوفياتي، من أبرز ملاحقات تلك الحقبة.

وخلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، استخدم القانون ضد نشطاء السلام، بما في ذلك دانييل إلسبيرغ، الذي سرب "أوراق البنتاغون" عن حرب فيتنام إلى صحيفتي "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست"، ومنذ 11 سبتمبر (أيلول) 2001، استخدم المسؤولون القانون ضد المبلغين عن مخالفات مثل إدوارد سنودن.

ولهذا يعد فقهاء القانون أن قانون التجسس محمل سياسياً، وأدى اتساع نطاقه، والمخاطر الجسيمة المحتملة على الأمن القومي، والمدة الطويلة المحتملة للسجن، إلى اشتعال الصراع السياسي منذ فترة طويلة، ولهذا ستظل قضية ترمب وغيرها مثيرة للجدل ومعقدة وتتطلب الصبر والحذر قبل التوصل إلى استنتاجات.

ما العقوبات المحتملة؟

بموجب المبادئ التوجيهية لإصدار الأحكام، والتي يتم اتباعها عادة، من المحتمل وفقاً لأستاذ القانون في جامعة "كاليفورنيا" غابرييل تشين، أن تؤدي الإدانة في جميع التهم الموجهة ضد ترمب إلى عقوبة قصيرة نسبياً أو إلى عدم السجن على الإطلاق، ومع ذلك فإنه من الناحية النظرية، يمكن الحكم على الرئيس السابق بأقصى حد في كل تهمة، ويمكن تنفيذ العقوبة على جميع التهم على التوالي، مما قد يؤدي إلى عقوبة في تصل إلى 400 عام، غير أن ذلك مستبعد إلى حد بعيد.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير