Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العالقون في علاقات هجرها الحب

على ضوء استطلاعات الرأي الكثيرة التي تفيد بأن عدداً كبيراً من الأزواج يبقون معاً لأسباب تختلف عن شعورهم بمحبة حقيقية، سؤال عن كيفية الانفصال عن علاقة لم تعد نافعة والتوقيت الأمثل لذلك

قد يبدو الاستمرار في علاقة غير سعيدة مصيراً أسوأ من الموت لكنه شائع بشكل لافت (آي ستوك)

ملخص

"لم أتحل بالقوة الكافية كي أرحل". هكذا هو حال كل من يبقى رغم رحيل الحب.

أدرك روبرت* أن العلاقة انتهت خلال حفلة. ويستذكر شريكته من تلك الفترة التي كان قد قضى معها سبع سنين. "وجدت نفسي أراقب طريقة تفاعلها مع الجميع. كانت عيناها تلمع وهي تبتسم للناس بطريقة لم تعد تبتسم لي بها منذ فترة بعيدة. في تلك اللحظة، أدركت أن الحب انتهى". قضى روبرت سنة أخرى في تلك العلاقة، محاولاً ترميم العلاقة إلى سابق عهدها، "أقنعت نفسي أن السبب هو عشقي لها لكن في الحقيقة، كنت أخشى أن أبقى وحيداً ليس إلا". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قد يبدو الاستمرار بعلاقة غير سعيدة مصيراً أسوأ من الموت. أنت وحيد لكنك في الوقت نفسه مستثار جنسياً. أنت مرهق لكنك تجادل. وأنت مستنزف عاطفياً لكنك مستعد لمعركتك المقبلة على واتساب. ومع ذلك، كل هذا شائع بشكل لافت. في كتابه "إما أن تكون على حق أو تكون متزوجاً" الصادر في عام 2012، كتب المؤلف دانا آدم شابيرو أن 17 في المئة فقط من الأزواج يشعرون بالرضا عن شريكهم. وفي الوقت نفسه زعمت دراسة من عام 2015، أن 20 في المئة من المتزوجين يشعرون "بأنهم عالقون" في هذه العلاقة، بينما اعترف ربعهم بأنهم لم يعودوا مغرمين بأزواجهم. وفي وقت قريب، وجد استطلاع للآراء في عام 2021 أن نصف المتزوجين تقريباً لا يزالون معاً بسبب الأولاد، بينما قال سدس المستطلعين، إن علاقتهم مستمرة لأنهم لا يملكون المال الكافي ليعودوا عازبين.

تصور هذه الأرقام مشهداً قاتماً، لكنه مشهد يتحول بسرعة إلى واقع بالنسبة إلى كثيرين، لا سيما في المملكة المتحدة حيث تستمر أزمة الغلاء المعيشي بإجبار الأشخاص على القيام بتضحيات جسيمة من أجل التكيف معها. وليس من المستبعد أن يكون الحب إحدى تلك التضحيات. ففي النهاية، مع الارتفاع الجنوني لبدلات الإيجار وقروض السكن، يصبح العيش مع شريك أحياناً الخيار الوحيد المعقول مادياً، كما أنه بعد عيش حياة فيها قدر من المراعاة ومحاولة إثارة إعجاب الآخر، وهو ما قد يؤدي إليه العيش مع شخص آخر (يمكنك أن تشاهد ما تريد على التلفاز!)، من الذي يرغب بالعودة إلى السكن في بيت مشترك مع غرباء لا تعرف إن كانوا يقضمون أظافر أصابع أقدامهم أم لا؟

وإلى ذلك، ليست المشكلات المادية الأمر الوحيد الذي يبقي الأشخاص معاً. يعتبر الثنائي توم وامبسانغز وشيف روي من مسلسل "Succession" (الخلافة) أثرى زوجين مادياً وأفقرهما سعادة، فيما تعد خلافاتهما أبعد ما يكون عن الحياة العادية لمعظم الناس (الاختلاف حول من سيستخدم الطائرة الخاصة تجربة أقل ما يقال عنها إنها غير معممة). ومع ذلك أدى استمرارهما بالحياة المشتركة بكل صبر وجلد إلى كارثة عاطفية ورومانسية يعيشها الأشخاص العاديون. خيانة زوجية وغدراً وحتى بعض العض.

مع انتهاء السلسلة الدرامية الأسبوع الماضي، بعد عرضها لأربعة مواسم على محطة "أتش بي أو"، أصبح من غير الممكن أن ننكر عمق الكراهية بين هاتين الشخصيتين. يقول توم لزوجته خلال شجارهما الأبرز "أعتقد أنك عاجزة على الشعور بالحب. وأعتقد أنك ربما لست شريكة مناسبة لإنجاب الأطفال"، لكن حتى بعد كل الشجارات الهائلة وتشويه السمعة القاسي والمدمر، وكون توم استولى بالقوة على موقع أم طفله كرئيسة تنفيذية للشركة (نعم، كانت حاملاً عندما وجه لها هذه الكلمات)، ظلا معاً.

وفي المشهد الأقوى في الحلقة الأخيرة من المسلسل، رأيناهما معاً في المقعد الخلفي للسيارة، حيث مدت شيف يدها لزوجها الذي أمسك بها بهدوء، في ما يشبه الوعد الصامت باستمرار يأسهما المشترك. وليس توم وشيف أبداً الثنائي التعيس الوحيد في الثقافة الشعبية. وفي الواقع، عندما تبدأ بالتمعن في الموضوع، يبدو كل الأزواج تعيسين جداً. لديك دون وبيتي درايبر في مسلسل ماد مين (Mad Men). وتوني وكارميلا سوبرانو، ثم نيكولاس وآيمي دن في غون غيرل (Gone Girl). ودين وسيندي في بلو فالنتاين (Blue Valentine). وطبعاً، الثنائي الأبرز والصورة الأمثل على التنافر الزوجي: تشارلز وديانا اللذان صورت علاقتهما المريرة في مسلسل "التاج" (The Crown). أتذكرون رد تشارلز الشهير عندما سأله صحافي، إن كان مغرماً بمن كانت عندها زوجته؟ فأجاب الرجل "على قدر ما تعنيه كلمة غرام".  

لماذا يقبل عدد كبير منا إذن بعلاقات لا حب فيها؟ تشرح خبيرة علم النفس السريري سالي أوستن أنه "عندما يستمر الأشخاص بعلاقات غير سعيدة، غالباً ما يكون السبب أنهم أدركوا بعد تحليل المكاسب مقابل الكلفة أن وضعهم سيصبح أسوأ إن غادروا. أما "الكلفة" و"المكاسب" فتعتمد على الشخص نفسه وقد تتراوح بين المسكن والاستقرار المادي من جهة، والأمان الجسدي والظروف الاجتماعية من جهة أخرى".  

إن كنت تتولى مسؤولية أطفال، ستحتسب رفاهيتهم في هذه المعادلة. وقد نواجه صعوبة إضافية إن كنا نعير أهمية لرأي الآخرين بنا. وتضيف أوستن "يفكر عدد كبير من الأشخاص في احتمال تأثير الانفصال على الأقارب أو الأبوين اللذين أنفقا مبالغ كبيرة على حفلة الزفاف وأمور مشابهة"، كما يضاف الخوف من العودة إلى نقطة البداية، على الصعيدين العاطفي والعملي.

ويقول روبرت الذي اضطر بعمر الـ40 إلى العودة للسكن مع والديه بعد انفصاله "أمر حالياً بفترة اكتئاب شديد، توقعت أن تحل بي لأن هذا ما يحصل لي مع انتهاء كل علاقة. وأشعر فعلاً بأنني أبدأ من نقطة الصفر مرة جديدة". هناك أيضاً سيناريو الحلقة المفرغة، إذ كلما بقيت في علاقة غير سعيدة، ضعف تقديرك لذاتك أكثر، وهذا يسبب لك شللاً عاطفياً.

هذا ما حدث مع كلير، 45 عاماً، التي عاشت سبع سنوات من البؤس التام في إطار علاقة استمرت 17 عاماً. وتتذكر تجربتها فتقول "أعتقد أنه في تلك المرحلة، كان قد أشعرني بأنني لا أستحق الحب أبداً، ففقدت كامل ثقتي بنفسي وكنت على قيد الحياة ليس إلا. لم أتحل بالقوة الكافية للرحيل، لكن والدي رأيا كيف أذوي وفي نهاية المطاف، أخرجني أبي من العلاقة. لم أقاوم حتى لأنني أصبحت خاوية".

أما عن سبب بقائها طوال تلك المدة في هذه العلاقة، فتقول كلير، إن ما دفعها لذلك هو الأمل. وتشرح "كنت أنتظر أن يعود الشخص الذي أغرمت به للنظر إليّ بالطريقة نفسها مجدداً، لكنه لم يعد، ولا حارب من أجل بقائي معه عندما رحلت. على الأرجح أنه شعر بالسعادة لأنني سهلت الموضوع عليه".

أحياناً، يمكن أن يشكل البقاء في علاقة تعيسة درعاً نحتمي بها من مشكلاتنا الكامنة. وتقول أماندا ميجور، رئيسة قسم العلاج السريري في منظمة ريلايت المعنية بتحسين العلاقات "في بعض الأحيان، يعتبر البقاء مع شريك أسهل إذ يمكنك من تحميل شخص آخر مسؤولية الأمور التي تصيبك بالتعاسة". والمشكلة تكمن في أنك لو رغبت بالخروج من علاقة تعيسة، أول خطوة عليك اتخاذها هي الاعتراف بعدم سعادتك الشخصية- وتقبل ذلك، لكن القول أسهل من الفعل. وتقول مدربة المواعدة والعلاقات، كاليستو آدمز، "إن شعرت بحماسة أكبر لدى قضائك بعض الوقت وحدك مما تشعر به لقضائك الوقت مع الشريك، وإن لم تشعر بأن الشريك يقدرك، وإن أحسست بالغيرة من العلاقة بين أزواج آخرين، قد يعني ذلك أنك تعيش علاقة بلا حب".

كلما حددت أكثر سبب التنافر، كان ذلك أفضل، إذ عندما تعرف سبب شعورك بالتعاسة، يمكنك التواصل مع الشريك وإخباره بذلك، ومحاولة معالجة ذلك والخروج منه. وتقول ميجور "إن استطاع الناس أن يجلسوا معاً ويتشاركوا نقاط الضعف هذه مع بعضهم بعضاً، فقد يتمكنون من إيجاد طريقة لحلها".  

"إنما عليك الاستعداد لسماع رأي الآخر أيضاً، وعندما يمكنكم اتخاذ قرار معاً"، لكن في حالات كثيرة، قد يكون القرار الأفضل هو تقبل أن العلاقة تصدعت وما عادت قابلة للإصلاح، والخروج منها. وهذه خطوة جريئة على الشخص أن يقوم بها بنفسه. "أعتقد أن الجميع يعلم، في قرارة نفسه، عندما يفقد الحب، لكنك تتمسك بأمل استرجاعه يوماً"، كما تقول كلير التي شقت طريقاً ناجحاً في عالم الموسيقى منذ خروجها من علاقتها السابقة، وأحبت شخصاً جديداً.

"من الممكن أن تتخذ قرارات سيئة بعد خروجك من علاقة بلا حب لأنك بوضع هش ولديك توق يائس لأن يحبك أحدهم لكنني تنبهت إلى هذا النمط من التصرف وأوقفته، وهذا دليل على أنني كنت أزداد قوة. أشعر بتعاطف كبير مع الأشخاص الذين يمرون بالتجربة نفسها، لكنني دليل على أن الأمور المذهلة قد تحدث لك عندما تبدأ بحب نفسك".

سار روبرت في طريق مشابه، إذ شعر بأن نظرته للمستقبل أصبحت أكثر إيجابية منذ خروجه من علاقته التعيسة. ويقول "مررت بتجربة صعبة جداً، لكنني عازم أكثر من أي وقت مضى في حياتي على أن أصبح شخصاً صحياً أكثر وأفضل بشكل عام. لا أفعل ذلك لأي شخص آخر، بل من أجل نفسي".

*غيرت الأسماء

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات