Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف ستواجه إدارة بايدن مأزق محاكمة مؤسس "ويكيليكس"؟

أسانج وترمب متهمان بانتهاك قانون التجسس لكن الفارق كبير بين الحالتين

جانب من تحرك سابق أمام مبنى البرلمان في لندن للمطالبة بالإفراج عن أسانج وعدم تسليمه للولايات المتحدة (أ ف ب)

ملخص

الفارق بين ترمب وأسانج هو أن مؤسس "ويكيليكس" لم يحتفظ بمعلومات حساسة فحسب، بل نقلها ونشرها

لطالما اتهم ناشطون وحقوقيون الرئيس الأميركي جو بايدن بالنفاق لمطالبته بالإفراج عن الصحافيين المحتجزين في جميع أنحاء العالم بينما يواصل سعيه لتسليم مؤسس موقع "ويكيليكس" جوليان أسانج من بريطانيا لمواجهة تهم أميركية بالتجسس.
لكن اقتراب تسليم أسانج بعدما خسر دعوى استئناف قبل أيام، وتراجع فرص قبول محاولة استئناف جديدة، يضع بايدن من جديد في مواجهة شبكات حقوق الإنسان والجماعات المدافعة عن حرية الصحافة التي ترى أن مهنة الصحافة ستتعرض للخطر إذا حوكم أسانج في أميركا، في حين أن بايدن يجد نفسه في مأزق صعب لأن أسانج متهم بانتهاك المادة 793 من قانون التجسس، وهي نفس المادة التي يحاكم بموجبها خصمه السياسي الرئيس السابق دونالد ترمب، ولا يزال ترمب وأسانج يقولان أن أفعالهما محمية بموجب التعديل الأول من الدستور الأميركي الخاص بحرية التعبير، فكيف يمكن أن يواجه بايدن وإدارته هذا المأزق؟

ما مصير أسانج؟

منذ أن رفضت المحكمة العليا البريطانية قبل نحو أسبوع طعناً تقدم به مؤسس موقع "ويكيليكس" جوليان أسانج (الأسترالي الجنسية) الذي نشر في عام 2010 وثائق سرية عسكرية ودبلوماسية أميركية منها ما يتعلق بالحرب في العراق وأفغانستان والتي تصفها منظمات حقوقية بأنها انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان ارتكبها الجيش الأميركي هناك قبل نحو عشرين عاماً، أصبح السؤال هو: إذا رفضت المحكمة محاولة الاستئناف الثانية والأخيرة خلال الأيام القادمة وهو أمر محتمل بشكل كبير، متى يمكن تسليم أسانج إلى الولايات المتحدة لمحاكمته بتهمة انتهاك قانون التجسس وتعريض أمن الولايات المتحدة للخطر؟ وكيف يمكن أن تتعامل إدارة الرئيس بايدن مع الضغوط الشديدة المتوقعة من المنظمات الحقوقية الدولية والمجتمع الصحافي الذي يعتبر جزء مهم منه بما في ذلك صحيفة "نيويورك تايمز"، أن حرية الصحافة ستكون مهددة إذا كان مصير أسانج هو السجن.

وتكمن حساسية القضية في أن "ملحمة أسانج" المستمرة منذ 13 سنة تأبى الانتهاء بهدوء، إذ من المؤكد أن تسليمه إلى الولايات المتحدة يهدد بإثارة جدل سياسي وثقافي عالمي جديد حول الخط الفاصل بين حرية الصحافة وحقها في كشف الانتهاكات، وبين حق الدول في حماية أسرارها، خاصة وأن تسليم أسانج يهدد ببقائه في السجن حتى نهاية حياته نظراً إلى إجمالي التهم الموجهة إليه بالتجسس والتي يصل عددها إلى 18 تهمة تصل عقوبتها الإجمالية في حال إدانته إلى 175 عاماً، في حين يقول الفريق القانوني لأسانج وعائلته إن محاكمته في أميركا لها دوافع سياسية ولهذا لا ينبغي تسليمه لأن معاهدة تسليم المجرمين بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة ترفض التسليم في الجرائم السياسية.

سبب الاتهام بالنفاق

ومع ذلك فإن رفض قاضي المحكمة العليا في بريطانيا الأسس الثمانية للاستئناف ضد أمر تسليم أسانج لأميركا والذي وقعته وزيرة الداخلية البريطانية السابقة بريتي باتيل في يونيو (حزيران) 2022، دق ناقوس خطر بين جماعات حقوق الإنسان والمجتمع الصحافي ودفعها إلى مطالبة الرئيس بايدن بالتدخل لحماية حرية الصحافة والسماح بالإفراج عن أسانج دون تأخير، حيث عبرت منظمة "مراسلون بلا حدود" عن شعورها بقلق عميق إزاء الحكم وقالت إنه سيؤثر بشكل دائم على مناخ الصحافة في جميع أنحاء العالم، فيما اعتبرت "منظمة العفو الدولية" أن "الأحكام البريطانية مخيبة للآمال وأن السماح بالتسليم سيشكل سابقة خطيرة ويهدد جميع حقوق حرية التعبير"، كما عبر الاتحاد الدولي للصحافيين عن فزعه من قرار المحكمة وأنه إذا ذهب أسانج إلى السجن فلن يكون هناك أي صحافي في مأمن على وجه الأرض.

ويظهر هذا الحشد حجم الضغط الذي تتعرض له الآن إدارة بايدن بينما تستعد لوصول مساعيها إلى نهايتها باستلام أسانج، إذ يتهم بعض الصحافيين ومنظمات حقوق الإنسان الرئيس بايدن بالنفاق واتخاذ مواقف متضاربة، حيث حذرت مؤسسة حرية الصحافة من سابقة خطيرة يمكن أن يوفرها تسليم أسانج إلى الولايات المتحدة للصحافيين حول العالم، وأشارت إلى أن بايدن نفسه أكد أن "الصحافة ليست جريمة" بعد اعتقال الصحافي الأميركي إيفان غيرشكوفيتش في روسيا في وقت سابق من هذا العام، وحذرت من أنه إذا سمح بايدن بمواصلة هذه القضية، فإن الإدارات المستقبلية ستستخدم بالتأكيد سابقة محاكمة أسانج، وسلطة تجريم جمع الأخبار، لملاحقة الصحافيين الذين لا يحبونهم، ونبهت إلى أن "فكرة محاكمة أسانج أو أي شخص أمام محكمة أميركية بتهمة الحصول على وثائق سرية ونشرها بنفس الطريقة التي يفعلها الصحافيون الاستقصائيون كل يوم يجب أن تكون مرعبة لجميع الأميركيين".

مأزق بايدن

غير أن هذه الضغوط المتزايدة، بما فيها مطالبة خمس صحف عالمية مرموقة من بينها "نيويورك تايمز" بإطلاق سراح أسانج، لم تجد استجابة لدى إدارة بايدن حتى الآن، ويعود أحد أبرز هذه الأسباب إلى أن الاتهامات الموجهة لجوليان أسانج بسبب الكشف غير المصرح به عن مجموعة من الوثائق السرية التي تلقاها من تشيلسي مانينغ، محللة الاستخبارات في الجيش الأميركي، ونشرها على موقعه ويكيليكس، تتعلق بقانون التجسس، وبالتحديد المادة 793 من القانون، وهو نفس القانون الذي يتهم بموجبه الرئيس ترمب.

وفي حين أن وسائل الإعلام انتقدت بشدة لائحة اتهام أسانج باعتبارها تهديداً للتعديل الأول من الدستور الأميركي حول حرية التعبير، نظراً لأن أفعاله كانت متوافقة مع ممارسات التقارير الشائعة، وإن كان ذلك على نطاق أوسع بكثير، إلا أن الفارق بين ترمب وأسانج هو أن مؤسس ويكيليكس لم يحتفظ بمعلومات حساسة فحسب، بل نقلها ونشرها، بينما تركز لائحة الاتهام ضد ترمب على احتفاظه فقط بمعلومات الأمن القومي، وليس نقلها أو نشرها رغم أنه اتُهم في حالتين بمشاركة معلومات سرية مع أشخاص لا يحق لهم الحصول عليها.

وفي ضوء هذه المقارنة، يصبح اتخاذ قرار من الرئيس بايدن بشأن أسانج في هذا التوقيت مستبعداً بشكل كبير نظراً إلى أجواء محاكمة ترمب التي بدأت قبل أيام قليلة وامتنع الرئيس بايدن عن التعليق عليها بالنظر إلى الحساسية التي تمثلها واتهام ترمب المستمر لإدارة بايدن بأنها تجري محاكمة سياسية وتستخدم وزارة العدل كسلاح ضد أهم خصم بغرض إقصائه من المشهد الانتخابي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وما يزيد من صعوبة العفو عن أسانج أو إلغاء محاكمته أنه اشتهر منذ أكثر من عقد من الزمان بنشر آلاف الوثائق السرية شديدة الحساسية على موقع ويكيليكس والتي بدت وكأنها سلوك شائن وحتى إجرامي من قبل الولايات المتحدة وحكومات أخرى، ولعل أكثرها شهرة، نشر مقطع فيديو عام 2010 بعنوان "القتل الجماعي" والذي أظهر طائرة هليكوبتر أميركية من طراز أباتشي تشن هجوماً غير مبرر على مجموعة من الأفراد العزل في بغداد عام 2007 ما أدى إلى مقتل أكثر من عشرة أشخاص، بينهم موظفين في وكالة رويترز.

بالإضافة إلى ذلك، نشر موقع ويكيليكس وثائق تزعم وقوع عشرات آلاف القتلى المدنيين الذين لم يتم الإبلاغ عنهم من قبل خلال تواجد القوات الأميركية في العراق وأفغانستان، كما سربت المنظمة رسائل بريد إلكتروني خاصة من أعضاء كبار في اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي، والتي أظهرت أن اللجنة دعمت بشدة ترشيح وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون على ترشيح السيناتور بيرني ساندرز خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي لعام 2016.

تاريخ من الإحراج

ورغم أن أسانج يلقى بعض التعاطف من قبل عدد من المنظمات الحقوقية، إلا أن قصته الطويلة أزعجت وأحرجت وكالات الاستخبارات الأميركية، كونها أثارت تساؤلات حول حقيقة كونه صحافياً وناشراً حصل على عدد من الجوائز، أم أنه جاسوس استخدمته أجهزة استخبارات معادية للولايات المتحدة والغرب لتحقيق أغراضها، بحسب ما تعتقد الاستخبارات المركزية الأميركية.
وفي حين اعتبرت بعض الدوائر الإعلامية أسانج بطلاً حينما نشر عبر "ويكيليكس" وثائق حكومية أميركية سرية وحساسة تتعلق بحربي أفغانستان والعراق، بالإضافة إلى أكثر من 250 ألف برقية دبلوماسية أميركية، فقد اعتبره آخرون نموذجاً سيئاً وشريراً، وبشكل خاص وكالات الاستخبارات التي تشككت في أن ويكيليكس ليست إلا جهة تقدم خدمات تجسس أجنبية، بحسب ما أفاد مسؤولون سابقون في مكافحة التجسس في الولايات المتحدة لموقع "ياهو نيوز".

شكوك متزايدة

وتعززت هذه الشكوك عندما هرب إدوارد سنودن الذي عمل في وكالة الأمن القومي، إلى هونغ كونغ مع مجموعة ضخمة من المعلومات السرية، التي كشف بعضها عن أن الحكومة الأميركية كانت تتجسس بشكل غير قانوني على الأميركيين، واتضح للاستخبارات المركزية الأميركية "سي أي إي" أن قادة في "ويكيليكس" ساعدوا في ترتيب هرب سنودن إلى روسيا عبر هونغ كونغ، كما رافق رئيس تحرير "ويكيليكس" سنودن إلى روسيا، ومكث معه خلال إقامته لمدة 39 يوماً في مطار موسكو، ثم عاش معه لمدة ثلاثة أشهر بعد أن منحت روسيا سنودن حق اللجوء إلى أراضيها.
ومنذ ذلك الحين، عملت الاستخبارات الأميركية عن كثب مع وكالات تجسس صديقة، لبناء صورة عن شبكة اتصالات "ويكيليكس"، وربطها بأجهزة الاستخبارات المعادية لأميركا، وبحلول عام 2015، كانت "ويكيليكس" موضوع نقاش حاد بشأن ما إذا كان ينبغي استهداف المنظمة من قبل وكالات إنفاذ القانون أو وكالات التجسس، لكن في صيف 2016، وفي ذروة موسم الانتخابات الرئاسية، نشر "ويكيليكس" رسائل بريد إلكتروني للحزب الديمقراطي، ما جعل مجتمع الاستخبارات الأميركي يستخلص، أن وكالة الاستخبارات العسكرية الروسية اخترقت رسائل البريد الإلكتروني. ورداً على التسريب، بدأت وكالة الأمن القومي مراقبة حسابات "تويتر" لعملاء الاستخبارات الروسية المشتبه فيهم، الذين كانوا ينشرون رسائل البريد الإلكتروني المسربة للحزب الديمقراطي، وذلك قبل فترة وجيزة من فوز دونالد ترمب في انتخابات 2016.

استهداف أسانج

وعلى الرغم من أن البعض اعتبر أن ترمب استفاد من تسريبات البريد الإلكتروني للحزب الديمقراطي، فإن إدارته اتخذت موقفاً صلباً تجاه مؤسس "ويكيليكس"، ففي عام 2017، عندما بدأ أسانج عامه الخامس في سفارة الإكوادور في لندن، خططت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، التي كان يرأسها مايك بومبيو، لاختطافه. وناقش بعض المسؤولين قتله، فضلاً عن التجسس المكثف على شركاء "ويكيليكس"، واختراق أجهزتهم الإلكترونية، بحسب "ياهو نيوز"، الذي لم تنف السلطات الأميركية الحالية أو السابقة فحوى ما نشره، لكن الوكالة تراجعت في النهاية عن جميع هذه الخطط والأفكار بعد التشاور مع البيت الأبيض وكبار المسؤولين.
لكن خطط شن حرب شاملة ضد أسانج تزايدت بعد نشر "ويكيليكس" عام 2017 سلسلة وثائق تشمل أدوات وقدرات حساسة تستخدمها "سي آي أي" في عمليات التجسس والاختراق، والمعروفة باسم "فولت 7"، التي اعتبرت الوكالة أنها تمثل أكبر خسارة للبيانات والمعلومات السرية في تاريخها، ما جعلها تعتبر "ويكيليكس" أشبه بجهاز استخبارات مُعادٍ، وإن كان لا يتبع دولة. ودفع عملاء الوكالة إلى اتخاذ إجراءات أكثر عدوانية ضده.
وفي أواخر 2017، في خضم الجدل الدائر حول الاختطاف، انقلبت خطط الوكالة رأساً على عقب، عندما التقط المسؤولون الأميركيون ما اعتبروه تقارير مقلقة تفيد بأن عملاء الاستخبارات الروسية كانوا يستعدون للتسلل إلى أسانج في المملكة المتحدة وإرساله بعيداً إلى موسكو. والتقطوا إشارات بأن المسؤولين الإكوادوريين بدأوا جهوداً لمنح أسانج صفة دبلوماسية كجزء من مخطط لمنحه غطاءً لمغادرة السفارة والتوجه إلى موسكو للعمل في بعثة الإكوادور الدبلوماسية هناك.
ورداً على ذلك، بدأت "سي آي أي" والبيت الأبيض الإعداد لمجموعة سيناريوهات لإحباط خطط مغادرة أسانج إلى روسيا، وفي النهاية، خلصت الإدارة الأميركية إلى تقديم مذكرات إدعاء للمطالبة بتسليمه كأفضل حل للقضية ومن دون الاضطرار إلى اتخاذ إجراءات ضد "ويكيليكس" الذي أصبح قديماً من وجهة نظر المسؤولين. ولكن، في ذات الوقت، منحت إدارة ترمب في عام 2018، وكالة الاستخبارات المركزية سلطات سرية جديدة للقيام بالنوع نفسه من عمليات القرصنة التي استخدمت فيها الاستخبارات الروسية "ويكيليكس"، إذ نشرت معلومات سرية عبر الإنترنت حول شركة روسية عملت مع جهاز التجسس في موسكو.
وفيما بدا أن حروب الاستخبارات متواصلة حتى الآن، لم تعد الرغبة في الانتقام من أسانج هي الدافع وراء محاكمته، بقدر ما كان الدافع هو دفع الإحراج والاضطراب اللذين سببهما لمجتمع الاستخبارات الأميركي.

المزيد من متابعات