تعدّ "سبارك أوف لايت" الرواية الرابعة والعشرون التي أصدرتها جودي بيكولت، ولكنها الأولى التي أقرأها لها؛ فلم تكن هناك رؤية واضحة لدي عما تدور عليه رواياتها، ومعرفتي بها كانت من خلال المقاطع الترويجية من الفيلم المأخوذ عن روايتها بعنوان "سيسترز كيبر" (حارس أختي)، الذي حقق نجاحًا ساحقًا عام 2004. أظن أنني كنت أتوقع أن تحذو بيكولت حذو ستيفن كينغ في معالجة المشاعر الإنسانية، كما كان لدي حكم مسبق غير مبرر يجعلني أشك في أن رواياتها تفضل الحبكات الدرامية على الأسلوب النثري. ولم يكن الأمر يوماً أنني أتجنب قراءة بيكولت، ولكنني كنت أعطي قراءة أعمال روزاموند بيلشر وآن تايلر الأولوية، وعلى الرغم من امتلاك كل منهما مكانة متساوية في كياني الفكري، لكن لدى بيلشر وتايلر حسّ الفكاهة. أعلم أن روايات بيكولت تميل إلى الكآبة، على الرغم من أنني إذا أردت قراءة أحد أكثر الكتب مبيعًا لكاتب كبير، أحاول عادةً تجنب تلك الكتابات التي يخيم عليها الحزن.
أعتذر بشدة! بيكولت هي الكاتبة التي طالما انتظرتها، وأسعد لدى قراءة ما تكتبه؛ فرواية "سبارك أوف لايت" تحفل بالدفء والحماسة. تصور بيكولت شخصيات الرواية وهم في أفضل حالاتهم، إلا أنها تغوص في أعماقهم لتفهمهم وهم في أضعف حالاتهم. القصة تسردها بيكولت في الزمن الحاضر وترجع بالأحداث إلى الوراء وهي طريقة سرد فعالة لوضعها إطاراً في تركيب الرواية وإبراز شأن الأحداث الحقيقية.
إنها قصة المركز الطبي، الوحيد من نوعه في عيادات صحة المرأة في ولاية مسيسيبي، الذي يجيز عمليات الإجهاض بشكل قانوني. ولا بد من أن هناك جذوراً لهذه القصة في الواقع إذ أثناء كتابة هذه الرواية كانت عيادة جاكسون لصحة المرأة هي الوحيدة التي تجري عمليات الإجهاض. وقد جاءت "رين" البالغة من العمر خمسة عشر عامًا إلى العيادة للحصول على حبوب منع الحمل، برفقة المحتال الذي يدعى انت بيكس، وحدث أن فاجأهم رجل مسلح فأخذ العاملين والمرضى رهائن. وإذ بوالد رين الذي يدعى هيو حاول التفاوض معه، والخضوع له، وتجاوز القوانين لأنه يدرك أن حياة ابنته على المحك. ونرى الطبيب لويس وارد، الذي يجول في أنحاء الولايات المتحدة ليعرض خدماته في إجراء عمليات الإجهاض التي تحتاجها السيدات البائسات، أي بمعنى أصح، مريضاته. ولكل شخصية في العيادة قصة، وصوت، وسبب مختلف يدفعها لأن تكون هناك، حتى أن شخصية المسلح، جورج غودارد، تميل إلى الطابع الإنساني ولا تخلو من التعقيد، إذ يبدو كأنه ناشط حقوقي مناهض لعمليات الإجهاض، كما أن تسلله إلى العيادة عولج دراميًا بشيء من الفضول والتعاطف.
وكان بإمكان بيكولت أن تجعل من رواية "سبارك أوف لايت" ببساطة مجرّد صفحات يقلّبها القارئ واحدة تلو الأخرى، إلا أنها استخدمت ببراعة عنصر الوقت المتعارف عليه في أعمال الألماني برتولت بريخت؛ فنحن ندرك جيدًا ترتيب الأحداث، وبدلاً من تلهفنا للوصول إلى نهاية القصة، دفعتنا الكاتبة إلى التركيز على تجسيد كل شخصية من شخصيات العالم الذي رسمته والإبحار في مشاعرها. كذلك تصنع الشخصية السياسية، وأنا متيقنة من أن روايتها قادرة على تغيير المشهد في وقت تتعرض للخطر دوماً حقوق الإنجاب لدى المرأة. وقد يرى القراء البريطانيون الليبراليون أن رسالة بيكولت في بعض المواضع بالرواية لم تكن حذرة؛ إذ إن الطبيب وارد في الواقع "لديه قائمة انتظار لإجراء عمليات الإجهاض تتجاوز فترة الانتظار للحصول على بندقية". أعتقد أنه لا بد من تقدير عمل بيكولت وتشجيعها على استخدام منصتها الكبيرة وشعبيتها الواسعة لإلقاء الضوء على قضية جدلية قد يهتم بها الملايين على اختلاف توجهاتهم السياسية.
هنالك بالفعل نزعة وجدانية في أسلوب الكتابة الذي استخدمته بيكولت، إذ جسدت شخصياتها بصورة حية، كما جعلت من القصص التي تسردها على لسان كل منها وسيلة لإلقاء الضوء على إبداعاتها وحسها المرهف. وبرغم أن رواية "سبارك أوف لايت" تتحدث عن الحب والألم، فإن بيكولت لا تملي عليك قط ما تشعر به؛ فهي ببساطة تكشف العلاقة بين الذكاء والتعاطف وتروج لهذه الفكرة –وعندما تندر كلتا القيمتين، أدرك تمامًا أن العالم الآن في حاجة إلى قراءة ما تكتبه.
© The Independent