ملخص
قدم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في وقت سابق وعوداً إيجابية لدعم نشطاء حقوق الإنسان الإيرانيين المعارضين إلا أن هذه الوعود لم يتم الوفاء بها.
قال مرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي الأحد الماضي في خطاب له بوضوح إن الاتفاق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية جيد طالما لم تتأثر البنى التحتية للصناعة النووية الإيرانية وهذا يعني أنه تم التوصل إلى اتفاق مشروط بين طهران والمفاوضين الغربيين حول البرنامج النووي.
في واقع الأمر، لم يكن خامنئي يتحدث إلى الشعب الإيراني فحسب، بل كان حديثه موجهاً إلى المفاوضين والغربيين الذين كانوا ينتظرون موافقة المرشد للتوصل إلى اتفاق نهائي حول البرنامج النووي.
قانون العمل الإستراتيجي
يعرف الغرب جيداً أن الشخص الأول في إيران هو المرشد علي خامنئي الذي لا يشارك في أي مفاوضات، وعليه، كان الرجل يرسل بعض الإشارات إلى الغربيين تأييداً للمفاوضات النووية، إذ قال بوضوح إنه "لا توجد أي مشكلة في الاتفاق، إلا أنه لا يجب المساس بالبنية التحتية للصناعة النووية".
المرشد الإيراني أشار إلى "قانون العمل الإستراتيجي لرفع العقوبات وحماية حقوق الشعب الإيراني" الذي اعتبره "جيداً ولمصلحة البلاد والصناعة النووية الإيرانية". وفي هذا الخصوص أظهرت التقارير والأخبار التي نشرت خلال الأسبوعين الماضيين أن المسؤولين الإيرانيين خاضوا مفاوضات سرية مع ممثلين عن الاتحاد الأوروبي ووكالة الطاقة النووية والولايات المتحدة طوال فصل الشتاء الماضي.
فالأخبار التي تحدثت عن اجتماع مباشر للممثل الأميركي الخاص لشؤون إيران روبرت مالي مع سفير إيران لدى الأمم المتحدة في نيويورك سعيد إيرواني خلال الأشهر الماضية وكذلك الاجتماع غير المباشر لممثلي طهران وواشنطن في سلطنة عمان، تعد من التطورات السياسية الرئيسة في العقد الماضي بين البلدين.
الوكالة الدولية للطاقة النووية، مثلها مثل المؤسسات الدولية الأخرى، التي لا تملك هذه الأيام من الحياد ودوليتها أي شيء، قالت في بيان مفاجئ لها وتماشياً مع المصالح السياسية الأميركية إن إيران استجابت لاستفسارات الوكالة، وهذا يعني خطوة لتسهيل الاتفاق الذي تريده الولايات المتحدة والغرب.
من قصر الإليزيه، قدم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في وقت سابق وعوداً إيجابية لدعم نشطاء حقوق الإنسان الإيرانيين المعارضين للنظام، إلا أن هذه الوعود لم يتم الوفاء بها، وفي الوقت الحالي فعّل رؤساء ووزراء الدول الغربية قنوات دبلوماسية وحواراً مع طهران، وهذا كله حصل أمام أعين الإيرانيين المذهولين (تحت رحمة حليفهم الرئيسي الولايات المتحدة) خلال الأسبوع الماضي.
ونقلاً عن وكالة الصحافة الفرنسية فإن الرئيس ماكرون أجرى محادثات هاتفية مع نظيره الإيراني إبراهيم رئيسي السبت الماضي، وأوردت وسائل الإعلام أن الرئيسين تطرقا خلالها إلى نقطتين مهمتين "القلق حول البرنامج النووي الإيراني ومسألة الطائرات المسيرّة التي سلمتها طهران إلى موسكو للاستفادة منها في حربها ضد أوكرانيا"، أي إن الطائرات الإيرانية من دون طيار ذات الكلفة المنخفضة والإنتاج الضخم أدت إلى زيادة في كلفة الحرب بالنسبة إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو)، أي حلفاء أوكرانيا الغربيين، واللافت أنه يتعين على "ناتو" دفع ملايين الدولارات لكل صاروخ كروز لصد الهجمات الروسية التي تستخدم فيها الطائرات الإيرانية التي لا تتعدى كلفة كل طائرة مسيّرة منها آلافاً عدة من الدولارات فقط.
نحو الطاولة النووية
استخدم الغرب احتجاجات الشعب الإيراني واللقاءات التي حصلت مع المعارضين كأداة للضغط على النظام وإرغام طهران على العودة لطاولة المفاوضات، وهذا الضجيج والعقوبات التي فرضت على بعض الأشخاص الذين ليست لديهم أية ممتلكات في الغرب ولا نية لديهم للذهاب في إجازة إلى مرتفعات جبال الألب للتزلج لا يفيان بالغرض ولم يعالجا أوجاع الشعب الإيراني.
وبعد مرور أربعة أشهر على الاحتجاجات الشعبية وعلى رغم انخفاض حدتها إلا أن نظام ولي الفقيه لم يعد إلى طاولة المفاوضات، فلجأ الغرب إلى استخدام سلاح التهديد جدياً، وفي يناير (كانون الثاني) الماضي استهدفت المنشآت النووية أو الصاروخية في أصفهان (لم يكشف بعد عن المكان الذي استهدف) بطائرات من دون طيار أو بصواريخ دقيقة ليلاً.
وكما يبدو فإن التهديد بتنفيذ عملية محسوبة ودقيقة لتدمير البنى التحتية الصاروخية والنووية الإيرانية كان جدياً، ولهذا وجد رجال الدين أنفسهم مرغمين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات في نهاية المطاف. ربما يكون رأيي قاسياً بعض الشيء، لكن بدأ الغرب يتاجر بدماء الشعب الإيراني.
إن الصفقة تمت قبل أشهر، وليس بالأمس أو قبله لأن التطورات السياسية والاتفاقات المهمة عادة لا تحدث بين عشية وضحاها، بل تعمل فرق الخبراء والفنيين لأسابيع على شروط الاتفاق من أجل التوصل إلى تفاهمات بينية، وكانت الخطوة الأولى هي الاتفاق على الإفراج عن 3 مليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمدة في العراق.
قبل أيام قال رئيس غرفة التجارة الإيرانية- العراقية يحيى آل إسحاق إن جزءاً من المبلغ الذي أفرج عنه سيستخدم في تغطية نفقات الحجاج الإيرانيين الذين يذهبون إلى السعودية لأداء فريضة الحج، موضحاً أن الجزء الآخر سيستعمل لتغطية نفقات شراء السلع الأساسية من الخارج (85 ألف إيراني يذهبون إلى الحج سنوياً).
هل بات النظام يعرف؟
في الحقيقة، على عكس ما يقال، فإن الأموال سلمت إلى الحكومة الإيرانية من أجل أن تتمكن من تزويد الحجاج بالدولار لتغطية كلفة السفر، وبالتأكيد سينفق جزء من هذه الأموال التي حصلت عليها طهران على الجماعات والميليشيات المسلحة التي تعمل لمصلحة النظام الإيراني في المنطقة، بينما الجزء الآخر، فسيخصص لتحسين الوضع الاقتصادي لتهدئة المواطنين.
بعد مرور تسعة أشهر من الاحتجاجات الشعبية والاضطرابات المتفرقة، بات النظام يعرف جيداً أنه لا يمتلك قاعدة بين عامة الشعب الإيراني وإنه يعلم أيضاً، إذا ما كان الغرب يدعم الشعب الإيراني فلكان هذا النظام سقط في ذروة الاحتجاجات الوطنية.
أدرك الغرب أنه إذا ما أراد كبح البرنامج النووي الإيراني وإطلاق حوار مع النظام بإمكانه استخدام استياء الشعب الإيراني العميق وأن جزءاً من جوائز حقوق الإنسان التي تم إقرارها وتنفيذها للهدف نفسه وباتجاه سياسة الترغيب والتهريب.
وأخيراً أدرك الشعب الإيراني أنه لا ينبغي عليه أن يثق بأي من الدول الغربية ولا من يتبعها، وفي النهاية فإن النتيجة تقول إنه بما أن طبيعة وجوهر النظام الإيراني غير قابلين للتغيير، فإن أي اتفاق وإلزام وتفاهم معه ستكون حتماً غير مستقرة.
نقلا عن اندبندنت فارسية