ملخص
السعودية فاعل إقليمي فرض نفسه على الساحة الدولية
زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى باريس، هي الثانية للعاصمة الفرنسية خلال 10 أشهر، وكانت باريس أول عاصمة يزورها ولي العهد في يوليو (تموز) الماضي، فترة شهدت كثيراً من التطورات على الصعيدين الإقليمي والدولي، في مقدّمها المصالحة مع إيران وعودة سوريا إلى حضن الجامعة العربية، وذلك في ظل التوجه المتزايد لدول الجنوب لتنويع تحالفاتها الاستراتيجية، خصوصا بعد التداعيات التي نتجت عن الحرب الروسية - الأوكرانية.
مسائل دولية وإقليمية
تأتي زيارة ولي العهد السعودي إلى فرنسا في زيارة رسمية تستغرق ثمانية أيام، استهلها، أمس الجمعة، باجتماع ثنائي مغلق مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تناولا خلاله مسائل دولية وإقليمية، وتطرقت أيضاً إلى تداعيات الحرب في أوكرانيا على الصعيدين الإقليمي والدولي، ومسائل الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وانعكاسات المصالحة مع إيران، إضافة إلى القمة الدولية التي تستضيفها باريس بين 22 و23 من يونيو (حزيران) الحالي للتوصل إلى ميثاق مالي دولي، ويشارك الأمير محمد بن سلمان في هذه القمة أيضاً.
والهدف من الميثاق المالي الجديد، كما أوضح قصر الإليزيه، ضخ الأموال والاستثمارات الخاصة والعامة للدول والشعوب الأكثر حاجة لها ولإبعاد شبح الفقر ومساعدتها على إنجاز التحول في الطاقة والبيئة.
كما تأتي زيارة ولي العهد السعودي للمشاركة في احتفال إعلان ترشح الرياض لاستقبال "إكسبو 2030"، وهو أمر توليه الرياض أهمية خاصة وحصل على دعم باريس.
الصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية
وتناولت وسائل الإعلام الفرنسية الزيارة بشكل لافت، واحتلت محطاتها حيّزاً بارزاً في الصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية، واتسمت التحليلات بشكل عام بالإيجابية مركزة على أهمية السعودية كفاعل إقليمي ودولي لا يمكن تجاهله، وعلى خطة ولي العهد والإصلاحات التي أطلقها ضمن "رؤية 2030"، والنقلة التي حققتها الرياض خلال سنوات قليلة منذ إطلاق هذه الرؤية.
وأجمعت غالبية التحليلات على أن الأمير محمد بن سلمان يولي أهمية خاصة من خلال هذه الزيارة لفوز بلاده بتنظيم "إكسبو 2030" حيث يوافق تاريخ انعقاده مع نهاية خطة "رؤية 2030"، واعتبرت أن ما يسعى إليه في المصاف الأول تحقيق أهداف هذه الخطة، فهذا هو الرهان الأساس بالنسبة إليه، فالسعودية بلد لا يمكن تجاهله وهي فاعل أساسي في المنطقة، والاتفاق مع إيران قد يساعد على حلحلة الأمور في ما يتعلق بالأوضاع على الساحة الإقليمية كما قال المحلل السياسي دافيد ريغوليه روز رئيس تحرير مجلة "أورينت استراتيجي" لـ "اندبندنت عربية"، مضيفاً أن الزيارة "مناسبة لإلقاء الضوء والبحث بما يمكن تحقيقه وتصوره لإخراج لبنان من المأزق، وهذا يتم عبر إجراء انتخابات رئاسية"، وتابع الباحث في العلاقات الدولية "بالطبع، فإن الأمير سيستخدم أيضاً ورقة استقبال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال القمة العربية في الرياض، التي وصلها على متن طائرة فرنسية، إذ إن باريس تسعى لجلب الجنوب لاتخاذ موقف من الحرب الأوكرانية".
"رؤية 2030"
واعتبر المحلل السياسي، من جهة أخرى، أن "الأمير محمد بن سلمان بحاجة لأسعار نفط بين 70إلى 80 دولاراً للبرميل، وألا يقلّ عن مستوى 70 دولاراً، وهذه أموال يحتاجها لتنفيذ رؤية 2030، وهو في موقع القوة من هذه الناحية كون الصين هي أول مستورد للنفط السعودي وهناك بداية تعامل باليوان ما يقوّض آمال الولايات المتحدة ويضع بداية لنهاية سيطرة الدولار في التعاملات الدولية"، كما أن "المشاركة في احتفال ترشيح السعودية لاستقبال المعرض الدولي 2030 يشكل هدفاً أساسياً، والأمير مصر على هذا التاريخ كونه يتطابق مع الانتهاء من خطة 2030".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
صحيفة "لوفيغارو" كتبت، بقلم جورج مالبرونو، أن الزيارة تدخل في إطار "عملية إغراء إذ إن الأمير محمد بن سلمان يقوم بعملية علاقات عامة للحصول على دعم ترشيح الرياض لاستقبال المعرض الدولي إكسبو 2030 وهذه أولوية واضحة"، واستشهد مالبرونو برأي أحد رجال الأعمال المقرب من السعودية يقول "إن الأمير قابل أكبر عدد من الزعماء الدوليين بخاصة الأفارقة ما يفسر بقاءه في باريس وليس في قصره في لوفسيان"، فتاريخ المعرض يتزامن مع نهاية "رؤية 2030"، وهي الخطة التي اعتمدها للخروج من الاعتماد الكلي على مصادر النفط لتكون فاعلاً دولياً على صعيد التحول في الطاقة واحتلال مكانة دولية في مجال الرياضة والسياحة، وتساءل مالبرونو عما إذا كان سيتم الإعلان عن المشاركة بمبلغ ما خلال قمة الميثاق المالي الدولي الجديد، ووصف العلاقات الفرنسية - السعودية بالمترنحة، فهي كما ورد في مقالته "متأرجحة"، مشيراً إلى فترات الارتفاع والهبوط التي شهدتها، معتبراً أن "فرنسا لم تعد ذلك السند الذي كانت تلجأ إليه المملكة في حال توتر العلاقة مع واشنطن، كون الصين هي التي احتلت هذه المكانة اليوم."
واعتبر أن موقع فرنسا الاقتصادي والسياسي قد تراجع، وأن الإعلان التجاري الوحيد الذي يمكن أن يتم خلال الزيارة قد يتلخص بشراء طائرة "إيرباص" واحدة، في معرض لوبورجيه حيث سيشهد الأمير على تحليق أول طائرة "إيرباص" لشركة "رياض إير" الجديدة.
نحو الصين
وختم مالبرونو أن السعودية انعتقت من سطوة تحالفاتها التقليدية الأميركية - الأوروبية للتوجه نحو الصين، إذ أعلنت، أخيراً، عن استثمارات بثمانية مليارات دولار في بكين بمناسبة مؤتمر ضم 3500 رجل أعمال صينيين في الرياض، "فتقارب السعودية مع إيران برعاية صينية لم يعجب فرنسا" بحسب مالبرونو الذي يعتبر أن "دول الخليج لم تعد دولاً تعارض تسوية نووية بسعر مخفّض بين إيران والقوى العظمى"، مشيراً إلى أن "إيران طلبت 10 مليارات دولار كالتزامات مالية من السعودية خلال المحادثات بين البلدين"، وقال إن "الرياض تتروى لترى ما سيكون عليه تصرف إيران في اليمن، والرئيس الفرنسي سيسبر نوايا السعودية في هذا الموضوع، كما سيحاول ماكرون إبعاد المملكة عن روسيا لكن من دون جدوى".
مجلة "تشالنج" الاقتصادية اعتبرت أن السعودية "حققت في عام 2022 نمواً بـ 8.7 في المئة، وهذه أعلى نسبة بين دول "أوبك"، وسجلت أرامكو أرباحاً تقدّر بـ 161 مليار دولار بزيادة قدرها 46 في المئة خلال عامين، كما أن الرياض تسعى لمضاعفة الناتج المحلي الخام بنسبة 30 في المئة للوصول إلى المعدل الذي تحققه كوريا الجنوبية، واشترت 78 طائرة "بوينغ-787" بهدف مضاعفة عدد المسافرين ليصل عددهم إلى 330 مليوناً في إطار دعم السياحة وتنويع مصادر الاقتصاد".
وأشارت صحيفة "ليزيكو" إلى أن السعودية هي أهم مستورد للأسلحة في العالم بخاصة "من الولايات المتحدة ومن فرنسا ما يسمح لهذه الأخيرة بأن تكون في المرتبة الرابعة من بين الدول المصدرة للمملكة في مختلف قطاعات التصدير، كما أن الرياض وقعت عقوداً مختلفة في ورش بناء البنية التحتية مع كبرى الشركات الفرنسية، لكن في المقابل، تبقى فرنسا في المرتبة العاشرة بين الدول المستوردة من الرياض".
ورأت الصحيفة أن "ماكرون كان أول رئيس غربي يستقبل الأمير محمد بن سلمان، في يوليو الماضي، وأن رئيس أول دولة منتجة للنفط جعل الرئيس الأميركي جو بايدن يتوجه الى الرياض". ووصفت العلاقات بين البلدين بـ "الباردة بسبب الطريقة التي ساهمت بها الرياض برفع أسعار النفط وتقاربها من الصين وإيران"، ولم تنسَ الصحيفة الإشارة إلى أن السعودية وإيران ومصر وإندونيسيا طرقت باب مجموعة "بريكس"، التي تتموضع بشكل متزايد كمجموعة مواجهة للغرب على رغم خلافاتها الداخلية بخاصة بين الصين والهند، وذكرت أن هذه المجموعة تضم 42 في المئة من سكان الكرة الأرضية وتحقق 20 في المئة من الناتج المحلي الخام الدولي.
أما قناة "تي أف 1" فاعتبرت، على لسان المتخصص بالشؤون الدولية فريديريك أنسل، أن زيارة "ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى فرنسا تشهد على الأهمية التي اكتسبتها المملكة على الصعيد الدولي."
المرجعية السعودية
واعتبرت القناة الفرنسية الأولى أن من الصعب التطرق إلى المسائل الأساسية في الشرق الأوسط من دون الرجوع إلى السعودية لسبب بسيط يعود إلى بداية نشوء المملكة: فهي، بحسب المحلل السياسي فريديرك أنسل، أول منتج للنفط على الصعيد العالمي، وهذه من إحدى المسلمات غير المرتبطة بوجود الأمير محمد بن سلمان على رأس السلطة أو غيره، وبعيداً من الحرب الأوكرانية، إلى جانب العجز بالميزان التجاري الذي تعاني منه فرنسا منذ عام 1974 "الميزان التجاري في فرنسا بحالة كارثية. وإذا أضفنا إلى ذلك نية السعودية التزود بالأسلحة وبالخروج من التبعية لواشنطن، نفهم عندها مصلحة فرنسا بتوقيع العقود مع المملكة."
ولفتت القناة الأولى في تحليلها إلى أن أحد أهداف الزيارة للترويج لترشح الرياض لتنظيم "إكسبو 2030"على أرضها، وأضاف المحلل فريديرك أنسل أن ولي العهد السعودي الذي "يسعى لتنويع اقتصاد بلاده وتهيئته لعصر ما بعد النفط، أدرك أهمية التوقيت، وهو يعمل لتحقيق أهداف على المديين القصير والمتوسط، بالاستثمار في السياحة والثقافة".
"فرانس إنفو" المحطة الرسمية شددت، من جهتها، على أن الزيارة تندرج في إطار برنامج إعلامي، واعتبرت أنه إلى جانب الاستحقاقات الدولية للزيارة "يتعين النظر إليها بأنها عملية إغراء في ظل ترشح المملكة للمعرض الدولي 2030، وهو أمر يوليه الأمير محمد بن سلمان أهمية خاصة"، وأشارت القناة إلى القمة من أجل ميثاق مالي جديد التي سيحضرها قادة ما يقارب 50 دولة معظمهم من الدول الصاعدة من دول عدم الانحياز، وركزت على أن ولي العهد السعودي سيبقى في باريس حتى نهاية القمة وهو يحظى بعناية خاصة من قبل الرئيس الفرنسي.