Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الهامش الاجتماعي وخرافاته في قصص شريف عبد المجيد

"الببلوماني الأخير" تجمع حكايات الناس البسطاء والمساكن الشعبية وهواجس الكتب

من أجواء القاهرة الشعبية بريشة أدهم رجب (صفحة الرسام - فيسبوك)

ملخص

"الببلوماني الأخير" تجمع حكايات الناس البسطاء والمساكن الشعبية وهواجس الكتب

هل يمكن أن تكتب القصة نفسها؟ أو بتعبير آخر: هل يمكن للكاتب أن يطلع المتلقي على حيرته إزاء استهلال إحدى قصصه؟ هذا ما نجده في قصة "الجميع ينسون شيئاً ما" في مجموعة "الببلوماني الأخير" ( دار الربى) للكاتب شريف عبد المجيد الذي أصدر من قبل، أربع مجموعات هي: "مقطع قصير لأسطورة قديمة"، "خدمات ما بعد البيع"، "بالحجم العائلي"، و"صولو الخليفة". ورغم تفرغه الواضح لفن القصة القصيرة الذي تراجع الاهتمام به في مقابل الانتشار الواسع للسرد الروائي،  فإن له مجموعة نصوص مسرحية أصدرها في كتاب، وكتاباً عن الرسم الغرافيتي ودوره في ثورة 25 يناير ( كانون الثاني) 2011.

يبدو شريف عبد المجيد في "الجميع ينسون شيئاً ما" حائراً إزاء البداية الملائمة للإستهلال السردي: "بدأتْ تمطر كالعادة في ذلك الوقت من الشتاء. لا ليست هذه الجملة التي أريدها أن تكون مفتتح قصتي، ربما من الأفضل أن أبدأ هكذا: أمطرت كما توقعت بالأمس فدائماً ما تمطر في ذلك الوقت من الشتاء. لا. أين وصفي لصوت ارتطام فطرات المطر بزجاج النافذة الشفاف؟ وكيف أنني في كل مرة أحب أن أكتب اسمي على الزجاج برذاذ المطر؟". إننا أمام وعي ينقسم على ذاته أو أمام انقسام في الذات، الأولى تكتب والثانية تتأمل هذه الكتابة من خلال تقنية المونولوغ. وتأكيداً لحضور هذه الذات يستخدم الكاتب ضمير المتكلم المحايث للسرد، فهو ليس راوياً خارجياً عليماً ذا رؤية كلية، بل راو حائر يتأرجح بين ما يمارسه وما يحلم به. ولا يخرجه من هذا التأرجح والحيرة إلا حدث خارجي، حين يفتح الهاتف فيأتيه صوت "إلهام" وهو اسم لا يخلو من الدلالة، بحيث يشير إلى أن هذه الأنثى مصدر "إلهامه" الذي يبحث عنه. لكن الكاتب يكسر أفق التوقع حين تصبح "إلهام" نفسها سبب ضياع فكرة القصة التي يود أن يكتبها عن "شخص يشعر بالاغتراب، يجلس خلف شرفة منزله – في البلد البعيد الذي يعمل فيه – ويحن إلى بلده الأصلي".

وهو راو يستحضر المتلقي ويود التأثير عليه، وربما كان هذا سبب حيرته في استهلال القصة، يقول موضحاً وظيفية البنية الزمنية: "إن هدفي من اختيار الشتاء سيكون واضحاً ومؤثراً على الشخص المغترب، ويثير شجن القارئ ويزيد تعاطفه معه".

كائنات هامشية

في تصريح للكاتب يقول: "إن فن القصة هو فن التعبير عن الإنسان البسيط". وهذا ما نلاحظه في معظم قصص تلك المجموعة، ومنها قصة "في وقوع السيستم" التي يقسمها إلى "إكسب معنا" و"المحطة العاشرة"، مما يعكس طول القصة واقترابها من البنية الروائية. في هذه القصة يحكي السارد عن شخص أصبح "ترساً في آلة الأقساط الكبيرة ودوامة مصاريف البيت والدروس الخصوصية وتصليح أجهزة البيت التي تتعطل فجأة بلا سابق إنذار". ثم يفاجأ بسحب مستمر من راتبه بسبب اشتراكه في مسابقات لم يدخلها. ورغم حل المشكلة فإنه لا يستطيع إرجاع ما تمَّ سحبه. نحن إذن أمام مواطن بسيط واقع في دوامة الحضارة الإستهلاكية التي تبتزه – أو تسرقه – من دون أن يدري.

وتبدو مقاومته دنكشوتية، في ظل شعوره الدائم بأنه مراقب ومطارد، بحيث يخاطبه السارد بقوله: "تقوم في معظم الأحيان من نومك مفزوعاً، تشعر أن هناك من يطاردونك، تختبىء منهم في أماكن عدة، ولكنهم يكتشفون أمرك بسهولة لتعاود الاختباء ويعاودوا الكرة". وتتكرر تيمة الرجل المهمَّش – وإن كان بصورة مختلفة – مع عامل الدليفري - في قصة "خمسة عشر يوماً" – الذي يوزع "الطلبات" وسط فيلات يسكنها أثرياء، فيبدو وكأنه مقدم على خوض ماراثون، فيسقط على الأرض، مغشياً عليه عند مدخل ذلك التجمع السكني، ويعلم بعد إفاقته أنه مصاب بـ"كورونا". ولغيابه خمسة عشر يوماً للعلاج، يتم فصله من العمل، لكن إرادته القوية تجعله يبدأ من جديد، فيقرر بيع الدراجة النارية ودفع ثمنها مقدماً لشراء "توك توك"، يحرره من العمل عند الآخرين.

الببلوماني الأخير

الهموم الاجتماعية إذاً  تيمة أساسية في هذه المجموعة بتجلياتها المختلفة. على أن الموضوعة المركزية التي أخذت المجموعة عنوانها منها هي الخشية من اندثار الكتب الورقية أمام النشر الألكتروني. فالببلوماني هو الشخص الذي يمتلك مكتبة كبيرة ويسيطر عليه الشره في امتلاك المزيد. بما يعني أن "الببلومانيا" هي هوس حب الكتب وجمعها على نحو متطرف. ويظهر هذا في قصة "الببلوماني الأخير" من خلال شخصية "الأستاذ محمود"، وهو أمين مكتبة عامة يعتبر نفسه أحد حراس المعرفة. يقول لـ"خالد"، الموظف الجديد في المكتبة: "العالم مهدد بالفناء، والكتاب هو المنقذ الوحيد، وهناك مافيا تسرق الكتب النادرة من المكتبات، ونحن حراس المعرفة". إن تخوف "الأستاذ محمود"، ليس من مجرد سرقة الكتب النادرة بل من إمكانية تحريفها عند طباعتها إلكترونياً، "فالتكنولوجيا الحديثة ستقضي من خلال الكتب الإلكترونية على الكتاب الورقي، وساعتها سينتهي دورنا، وربما يتم تحريف كل المعارف الإنسانية، ودور أمين المكتبة هو أن يحافظ على تلك المعارف وعلى الكتب الورقية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لهذا جعل "بدروم" البيت مخزناً للكتب، ووصل الأمرإلى أن يزوج ابنته الوحيدة لـ"خالد" لكي يأتمنه على هذا الكنز. ومن هنا كان صراع "محمود" مع الكاتب الكبير "بهاء" الذي أراد أن يكتب رواية عن الببلوماني الأخير، وهي مستوحاة من قصة حياته، ومع الناشر الذي يبيع بعض المخطوطات والكتب النادرة للأثرياء في العديد من الدول وليس مصر وحدها، ومع الناقد الذي يروج لهذا الكاتب. فيبدأ "محمود" في التخلص منهم واحداً وراء الآخر، إلى أن ينكشف سره فيقرر الانتحار قبل أن تصل إليه الشرطة. وقتل المؤلف – تحديداً- بعد اكتشاف زيف مقولاته يذكرنا برواية "اللص والكلاب" لنجيب محفوظ، حين اكتشف اللص زيف آراء الصحافي عن العدالة والاشتراكية. وأرى أن حوادث القتل المتتالية التي قام بها "محمود" وكل هذه الاستطرادات غير مبررة فنياً، وجعلت القصة الواحدة تبدو وكأنها قصتان .

المزرعة السعيدة

في مقابل هذه المعرفة التي يحرسها أمين المكتبة العامة، يهيمن الفكر الخرافي. تحكي قصة "المزرعة السعيدة" عن المهندس الزراعي "محمود أحمد حسن" الذي قرر بعد غربة دامت عشرين عاماً العودة إلى مصر ليبني أكبر مزرعة دواجن في جنوب البلاد. ثم يفاجأ باتصال أحد عمال المزرعة ليخبره أنهم "وجدوا بيضة مكتوب عليها لفظ الجلالة بشكل بارز". وبعد انتشار الخبر، "تحدث شيخ الجامع الكبير عن المعجزة الكبرى التي حدثت في هذه القرية المبارك شعبها". وأصبح كل من له حاجة يتبارك بلمس البيضة المقدسة ورؤيتها. ورغم نشر أحد الفنانين التشكيليين أنه هو من قام بالكتابة على البيضة، اعتراضاً منه على ما فعله أبناء البلدة من تشويه تمثال نحات قدير، وأحب أن يظهر لأهلها كم هم غارقون في الوهم والدجل والخرافات، فقد توالى ظهور بيضات أخرى مكتوب عليها لفظ الجلالة – بفعل فاعل – خارج البلدة، مما يعني أن قوة الخرافة أكثر تأثيراً وانتشاراً من صوت العقل والإيمان بقيمة الفن الذي يمثله النحات والفنان التشكيلي. والملاحظ – عموماً – على أغلب قصص هذه المجموعة هو استخدام ضمير المخاطب، وهو ضمير نادر الاستخدام في السرد الأدبي، ولكنه يستخدم  بكثرة في الأعمال المسرحية. لكن ذلك لم يمنع من استخدام ضمير المتكلم كما في قصة "رائحة الجوافة" على سبيل المثال، حيث يقول السارد: "منذ أن جئت إلى القاهرة وأنا أنتقل من عمل إلى عمل بوتيرة سريعة". وهكذا تتنوع التيمات الموضوعية والسمات الفنية في هذه المجموعة القصصية البديعة.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة