أعلنت الحكومة الهندية إلغاء وضع الحكم الذاتي الدستوري لولاية جامو وكشمير شمال البلاد، بمرسوم رئاسي صدر الاثنين 5 أغسطس (آب)، في مسعى إلى دمج منطقتها الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة مع بقية أجزاء البلاد، في أكبر تحرّك بشأن المنطقة التي تشهد تمرداً انفصالياً وتطالب باكستان بالسيادة عليها.
وجاء القرار الرئاسي بعد ساعات من فرض حظر التجمّعات العامة وإغلاق المدارس والجامعات في المنطقة، وأثار إعلانه في البرلمان، من قبل وزير الداخلية أميت شاه، صرخات احتجاج من صفوف المعارضة.
إلغاء المادة 370
وبحسب نصّ أصدرته الحكومة، يدخل المرسوم الرئاسي "حيّز التنفيذ فوراً"، ويستبدل النصوص الدستورية الخاصة بجامو وكشمير، خصوصاً المادة 370 من الدستور الهندي، التي تنصّ على منح وضع خاص لهذه الولاية وتتيح للحكومة المركزية في نيودلهي سنّ التشريعات الخاصة بالدفاع والشؤون الخارجية والاتصالات في المنطقة، بينما يهتمّ البرلمان المحلي للولاية بالمسائل الأخرى.
وستعني هذه الخطوة أيضاً إلغاء الحظر الذي يمنع أناساً من خارج الولاية من شراء ممتلكات فيها، وسيلغي الوضع الخاص للوظائف الحكومية في الولاية، التي كانت مخصّصة لسكانها فقط، إضافة إلى إلغاء فرص الدراسة الجامعية الحصرية لسكان الولاية، التي كانت تهدف للحيلولة دون تدفّق أشخاص من بقية أنحاء الهند إلى المنطقة.
تنديد ورفض باكستاني
في المقابل، اعتبرت باكستان أن إلغاء الهند وضع الحكم الذاتي الدستوري لولاية كشمير خطوة "غير شرعية"، مؤكدةً أن المنطقة معترف بها دولياً كأرض متنازع عليها.
وقالت وزارة الخارجية الباكستانية، في بيان الاثنين، "تندّد باكستان بشدّة وترفض الإعلان" الصادر عن نيودلهي، مضيفةً "لا يمكن لأي إجراء أحادي الجانب من الحكومة الهندية أن يغيّر الوضع المتنازع عليه... وكجزء من هذا النزاع الدولي، ستفعل باكستان كل ما في وسعها للتصدّي للإجراءات غير الشرعية".
وشهدت عدة مناطق في باكستان احتجاجات، الاثنين، على قرار الهند إلغاء الوضع الخاص لإقليم كشمير. ففي مظفر أباد، عاصمة الشطر الذي تديره باكستان من كشمير على بعد نحو 45 كيلومتراً من الحدود المتنازع عليها بين البلدين، رفع عشرات المحتجين أعلاماً سوداء وأحرقوا إطارات السيارات وهم يهتفون "تسقط الهند".
كما خرجت احتجاجات في كل من العاصمة إسلام أباد وفي كراتشي المركز التجاري لباكستان.
مشروع قانون لتقسيم الولاية
بالتزامن، قدّمت حكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي للبرلمان مشروع قانون آخر لإعادة تقسيم ولاية جامو وكشمير، يقترح فصل منطقة لداخ الواقعة شرق كشمير وذات الغالبية البوذية عن الولاية، بينما تتحوّل المناطق المتبقية، والتي تضمّ سهول جامو الجنوبية ذات الغالبية الهندوسية ووادي سريناغار الشمالي ذات الغالبية المسلمة، إلى "إقليم اتحادي" وتخسر وضعها كولاية اتحادية.
وتأتي هذه المساعي من صلب تعهّد معسكر رئيس الوزراء القومي الهندوسي ناريندرا مودي، الذي أعيد انتخابه في مايو (أيار) لولاية ثانية، منذ زمن بإلغاء الوضع الخاص لكشمير، بسبب "إعاقته دمج المنطقة مع بقية مناطق الهند"، بحسب الحزب الحاكم.
تدابير أمنية مشدّدة
في وقت سابق الاثنين، فرضت السلطات الهندية حظراً على التجمّعات العامة وقطعت الاتصالات تماماً في وادي سريناغار، حيث يسمح للقوات العسكرية وشبه العسكرية التي نشرت بأعداد كبيرة بالوجود على الطرقات. وأغلقت كذلك المدارس في كبرى مدن الإقليم والمناطق المحيطة بها.
وأعلنت السلطات، في بيان، أنها فرضت "حظراً تاماً على التجمّعات والاجتماعات العامة" في سريناغار وضواحيها، وأمرت بإغلاق المدارس والجامعات في ولاية جامو حتى إشعار آخر، من دون أن توضح إلى متى ستبقى هذه القيود سارية المفعول.
"اعتداء على شعب الولاية"
وتعليقاً على هذه القرارات، حذّر الزعماء السياسيون في كشمير من أن إلغاء قانون الحكم الذاتي سيثير اضطرابات على نطاق واسع. واجتمعت الأحزاب الإقليمية، الأحد، وتعهّدت بالحفاظ على الوضع الخاص بالإقليم قائلةً إن أي تحرّك لانتزاع هذا الوضع المميّز سيكون بمثابة اعتداء على شعب الولاية.
وقالت رئيسة حكومة جامو وكشمير السابقة محبوبة مفتي، في تغريدة على تويتر، "هذا يوم أسود للديمقراطية في الهند... قرار الحكومة الهندية الأحادي الجانب بإلغاء المادة 370 غير شرعي وغير دستوري وسيجعل من الهند قوة احتلال في جامو وكشمير". أضافت "سيكون لذلك نتائج كارثية على شبه القارة (الهندية). نوايا الحكومة الهندية واضحة. يريدون السيطرة على أراضي جامو وكشمير من خلال ترهيب الشعب".
تعزيزات أمنية وتحذير من هجمات إرهابية
وتصاعدت حدّة التوتر على جانبي الحدود في كشمير منذ 10 أيام، إثر نشر نيودلهي 10 آلاف جندي على الأقلّ في الإقليم. وقال مصدر أمني، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن الهند أرسلت مذاك 70 ألف جندي إضافي، وهو عدد غير مسبوق. وذكرت تقارير وسائل الإعلام أن أوامر صدرت لـ 25 ألف جندي آخرين بالتوجّه إلى كشمير، حيث ينتشر أساساً 500 ألف عنصر من قوات الأمن الهندية.
السلطات الهندية في كشمير فرضت تدابير أمنية شملت الدعوة إلى تخزين الطعام والوقود، وذلك بسبب معلومات عن تهديدات إرهابية. وأثارت تلك الإجراءات الذعر بين السكان الذين اصطفوا في طوابير طويلة أمام محطات الوقود ومتاجر الطعام وأجهزة الصرف الآلي للحصول على المال. وسارع آلاف السياح والطلاب إلى مغادرة كشمير، السبت 3 أغسطس(آب)، بعد تحذير الحكومة الهندية من وقوع هجمات إرهابية.
نزاع هندي- باكستاني منذ عام 1947
وتتنازع الهند وباكستان، الدولتان النوويتان، من أجل السيطرة على كشمير منذ التقسيم عام 1947، وخاضتا حربين، من أصل ثلاث حروب دارت بينهما، بسبب هذه المنطقة. ويتبادل الجيشان الهندي والباكستاني يومياً تقريباً إطلاق قذائف الهاون على خط وقف إطلاق النار، الذي يقوم عملياً مقام الحدود بين شطري كشمير.
ويسود تمرّد انفصالي منذ عام 1989 في كشمير الهندية، أودى بحياة أكثر من 70 ألف شخص، معظمهم من المدنيين. وتتّهم الهند جارتها بدعم الجماعات المسلّحة في وادي سريناغار الشمالي، وهو ما تنفيه باكستان دائماً.