ملخص
دعوة للمؤسسات التونسية والبنوك إلى الاهتمام بهذا القطاع والتشجيع على الاستثمار فيه
تعد تونس من البلدان التي تملك ثروات هائلة من الرمل المميز الذي أسهم في تشييد العمارة الحديثة والمعاصرة، علاوة على الحضارات القديمة التي مرت على البلاد التونسية التي استخدمت الرمل والجبس، إلى جانب جزء من الحضارة الأوروبية المطلة على البحر الأبيض المتوسط.
وتمتد المساحات الرملية على أراض شاسعة في عدد من المناطق التونسية، إلا أنها تعتبر "ثروة مهملة" في وقت تحتاج فيه البلاد إلى كل ثرواتها من أجل نهضتها وتجاوز أزمتها الاقتصادية والاجتماعية.
ويعتبر الخبراء أن الرمال ثروة طبيعية لا تقل قيمة عن بقية المكونات الثمينة التي يمكن استخراجها من الرمال، وهي السيليكا أو الرمل السيليسي (رمال الكوارتز)، التي تقفز قيمتها المادية بعد تحويلها من مادة خام رخيصة الثمن إلى مستوى بعض الثروات الطبيعية كالفوسفات وغيرها.
الرمال ثروة لا ندرك قيمتها
ويستخدم رمل السيليكا في عديد من المجالات الصناعية والتقنية والطبية، كصنع اللاقطات الشمسية (الخلايا الفوتو ضوئية) والألياف البصرية وغيرها من الأجهزة والمواد الصناعية التي ترتكز عليها التكنولوجيات المتقدمة.
وأكد أستاذ التنمية المستدامة في الجامعة التونسية عادل الهنتاتي في تصريح خاص أن "قيمة الرمل تزداد كلما انخفضت نسبة الشوائب فيه، ويرى أن الرمال ثروة لمن يدرك قيمتها، وأن تونس لها مدخرات مهمة من هذه المادة".
وتساءل الهنتاتي عن عدم استثمار تونس في هذا القطاع على رغم قيمته المضافة، داعياً مؤسسات البحث العلمي إلى تعميق البحث حول المواد غير المنجمية ذات القيمة العالية.
تصدير الرمل خام وتوريد البلور
والمفارقة أن "تونس تستورد البلور بالعملة الصعبة، بينما تصدر الرمل الخام عبر عدد من الشركات الأجنبية بأثمان زهيدة"، بحسب ما يؤكد حسن الرحيلي الأستاذ المختص في التصرف في الموارد في الجامعة التونسية.
ويضيف أن "تونس غنية جداً بأنواع مختلفة من الرمال بينها نوع يسمى الكوارتز، وهو موجود في منطقة الوسلاتية في محافظة القيروان (وسط)، وفي بوعرادة من محافظة سليانة (شمال)، وأيضاً في جبل عرباطة في محافظة قفصة (جنوب)"، مشيراً إلى أنها "رمال ذات جودة عالية، تستفيد منها شركات أجنبية وتقوم بتصديرها بعد معالجتها".
ويلفت أستاذ التصرف في الموارد إلى أن "البلور يستخرج من الرمل، كما يستخدم الرمل في صناعة اللوحات الشمسية، وفي صناعات أخرى عدة"، مؤكداً أن "الرمل مادة حيوية يمكن للدولة التونسية تثمينها واستثمارها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويرى الرحيلي أن "هذه المادة غنية ومهمة في الدورة الاقتصادية، وتونس تتوفر على كميات كبيرة منها، إلا أنه يستخدم أغلبها في قطاع البناء".
ويعتقد المختص في التصرف في الموارد أن "الرمل ثروة مهدورة في تونس، ويمكن استخدامه في عديد المجالات كالسيراميك والتزويق وصناعات أخرى".
منع تصدير الرمل
وتستغل مقاطع الرمال الشركات الأجنبية ولا توجد شركات تونسية تثمن هذه المادة، ودعا حسن الرحيلي "المؤسسات التونسية والبنوك إلى الاهتمام بهذا القطاع والتشجيع على الاستثمار فيه لقيمته المضافة".
ويلفت إلى أن "عديداً من المواد تصدر خاماً ولا تثمن على المستوى الوطني"، داعياً مؤسسات الدولة إلى التوجه تدريجاً نحو الاستغناء عن توريد البلور، وبعث مؤسسة وطنية لتثمين الرمل واستخراج البلور ومواد أخرى.
ويقترح الرحيلي "إصدار قرار يمنع تصدير الرمل التونسي وتخصيصه للاستثمار الوطني".
إتلاف للذهب
كذلك أكد مخطط التنمية وجود إشكالات عدة تخص الاستثمار في قطاع الرمال والمواد غير المنجمية، ومنها الإشكالات العقارية لأن أغلب المقاطع توجد على أراض مشتركة، ويصعب الفصل في النزاعات العقارية وتحديد المالكين الحقيقيين للأرض، علاوة على تقادم الإطار القانوني الذي لا يشجع على الاستثمار في هذا القطاع.
ويجري الديوان الوطني للمناجم التابع لوزارة الصناعة والطاقة والمناجم بحوثاً ودراسات عدة حول عدد من المقاطع والمواقع الغنية بالموارد الطبيعية لإبراز قيمتها ومعرفة المخزون الذي تحتويه باعتماد آليات علمية دقيقة، ثم يقدمها إلى وزارة الإشراف التي تضع السياسات العامة لاستغلال المواد المنجمية وغير المنجمية.
وكانت وزيرة الطاقة والمناجم السابقة هالة شيخ روحو قالت في تصريح إعلامي إن "رمل السيليكا والجبس من أهم ثرواتنا الطبيعية المهدورة، وإن استعمالها في البناء بمثابة إتلاف للذهب".
ضريبة أوقفت نشاط مصانع التصدير
ويذكر أن قانون المالية الأخير لعام 2023 أحدث ضريبة قيمتها 100 دينار (33 دولاراً) على كل تصدير بحجم طن واحد من المواد المنجمية، وهو ما دفع بمصانع تصدير وتكرير الرمال إلى إيقاف نشاطها وتسريح 1500 عامل.
وتنتج هذه المصانع 45 ألف طن خام سنوياً من الرمال تصدر إلى إيطاليا عبر ميناء مدينة سوسة، الذي يعتبر المنفذ البحري الوحيد لرمل تونس في اتجاه العالم. وتصدر هذه المادة الطبيعية بسعر 60 ديناراً (20 دولاراً) للطن الواحد، وهي تسعيرة لا ترقى لمستوى أسعار الرمل في العالم وبخاصة الأنواع الجيدة منه، بحسب خبراء.