Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مدن المغرب القديمة محط التقاء الحضارات المختلفة

غالباً ما تكون محاطة بأسوار عالية لتميزها عن بقية أرجاء المنطقة

مدن المغرب العتيقة تعبق بحكايا التاريخ والهندسة الأوروبية (موقع مؤسسة المحافظة على تراث الرباط)

ملخص

عملت السلطات في الفترة الأخيرة على إعادة ترميم حصون وأبواب عدد من المدن العتيقة والتي عادة ما يطلق على كل واحد من أبوابها اسم خاص

تختزن العديد من المدن المغربية التاريخية مثل فاس والرباط وسلا والدار البيضاء والصويرة ومراكش وغيرها، معالم أثرية وأسواراً عريقة وكنوزاً تراثية تشكل ما يسمى "مدناً قديمة أو مدناً عتيقة"، كانت تشكل النواة الرئيسة لهذه الحواضر التاريخية، وسُجلت جميعها في قائمة "يونسكو" للتراث العالمي.

وتتميز المدينة العتيقة في المغرب بما تزخر به من مكنونات تاريخية عدة، وغالباً ما تكون محاطة بأسوار عالية لتميزها عن بقية أرجاء المدينة، كما أنها تضم حوانيت لبيع المنتجات التقليدية، ومحلات للحرف اليدوية المختلفة، وفضاءات أخرى لا توجد سوى في هذه المدن القديمة.

حرف يدوية

وفي قلب مدينة فاس، التي تلقب بالعاصمة الروحية للمملكة، تقبع المدينة العتيقة أو ما يطلق عليها أهل فاس "فاس البالي"، وهي فضاء جغرافي فسيح يجذب الزوار والسياح على حد سواء بفضل تصميمات الأحياء العتيقة وعبقها التاريخي.

وتنطق أحياء ودروب المدينة القديمة لفاس، المتسمة بضيقها الشديد حتى أنه يصعب على السيارة أن تمر بها، بكلام من التاريخ العريق للدول التي حكمت المغرب، وعلى رأسها الدولة الإدريسية التي اتخذت من فاس عاصمة إدارية لها.

وتشتهر المدينة القديمة لفاس بحرفها اليدوية التقليدية التي تجذب السياح الأجانب والمغاربة أيضاً، وبالأخص حرفة دباغة الجلود، وصناعة "البلغة" الفاسية، وهي نعل جلدي تقليدي مغربي، علاوة على رحبة الصفارين التي فيها تصنع وتباع الأواني النحاسية والأباريق بمختلف الأشكال والأحجام.

وتفيد أرقام غير رسمية بأن المدينة القديمة لفاس تضم آلاف البنايات التاريخية، من ضمنها 11 مدرسة دينية، وأكثر من 80 ضريحاً، و180 مسجداً، وعشرات الورشات المختصة بالصناعة التقليدية، ومحلات النسيج والأواني المعدنية والخياطة وغيرها.

ملتقى حضاري

المدينة القديمة لمراكش بدورها تعد قبلة لآلاف وبل ملايين السياح كل سنة، فهي تمتاز بأجوائها التاريخية التي تحكي مجد الدول السابقة، خصوصاً الدولة المرابطية، عندما أسسها القائد يوسف بن تاشفين عام 1062، كما أن هذه المدينة القديمة استطاعت أن تجد لها موطئ قدم في قائمة "يونسكو" منذ عام 1958.

ومن المعالم التي تلفت انتباه الزائر إلى المدينة القديمة لمراكش، المحاطة بسور أحمر تاريخي، مسجد الكتبية الشهير الذي بني في عهد الدولة الموحدية، و"البازارات" المنتشرة التي تغري السياح الأجانب، علاوة على الحوانيت الضيقة، فضلاً عن الأبواب العتيقة مثل باب السمارين وباب النجارين وباب السماطين.

من جهتها، تشكل المدينة القديمة لمدينة الصويرة، أو التي تعرف باسم "موكادور"، المدرجة في لائحة اليونسكو للتراث العالمي منذ عام 2001، نموذجاً جميلاً للمدينة المغربية العتيقة، بأشكالها الهندسية التي تعود إلى قرون خلت، والتي تمتزج فيها التصاميم الإسلامية الأصيلة والتصاميم الأوروبية للقرن الـ17 بالخصوص.

وليست المدينة العتيقة لطنجة باستثناء عن المدن سالفة الذكر، فالمدينة القديمة لطنجة شمال المغرب تمتاز بكونها محط التقاء الحضارات والدول المختلفة، من رومان وبيزنطيين ووندال وعرب في قديم الزمن، علاوة على مرور الإسبان والبرتغاليين والفرنسيين أيضاً خلال العصر الحديث.

ولأن طنجة شكلت على الدوام ملتقى حضارياً مبهراً لشتى الثقافات والعادات، فإن مدينتها القديمة شهدت مستقراً وعبوراً للعديد من الشخصيات الشهيرة في مجالات الثقافة والأدب والفنون، والذين كانوا يجدون في أزقة ومقاهي المدينة العتيقة مأوى ومحفزاً لهم على الإبداع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

رائحة التاريخ

وأما العاصمة الرباط، فمن وسط المدينة العصرية الحديثة بضجيجها وزحامها، انبثقت المدينة القديمة بأجوائها التقليدية ودروبها الضيقة وحوانيتها المنتشرة في جوانب الطرقات، وأسواقها التي تبيع كل شيء قد يخطر على بال زوارها.

ومن أشهر معالم المدينة القديمة للرباط تستقر "قصبة الأوداية" التي كانت في الأصل قلعة عسكرية في عهد الدولة المرابطية القوية خلال القرن 12 ميلادي، قبل أن تصبح هذه القلعة قاعدة للجيش المرابطي الذي حارب الإسبانيين في الأندلس.

وفي المدينة القدمية للعاصمة المغربية أيضاً سوق شهيرة باسم سوق الصباط، وتعني سوق الأحذية الجلدية، وفيها تباع جميع أنواع وأصناف الأحذية رجالية ونسائية التقليدية مثل "البلغة" للرجال و"الشربيل" للنساء، ولمختلف الأعمار، وإلى جانبه سوق الزرابي والسجادات ذات الحبكة النسائية البديعة بمختلف الألوان والأصناف والأحجام.

ولا يمكن الخروج من المدينة القديمة للرباط من دون العروج على "الملاح"، وهي منطقة كانت تقطن فيها العائلات اليهودية طيلة سنوات خلت، خصوصاً في فترة الحماية الفرنسية، وكانت تتعايش فيها مع الأسر المغربية المسلمة، وتضم معابد يهودية وزوايا ومعالم تاريخية أخرى.

وبخصوص المدينة القديمة للدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية للمملكة، فتقع قرب الميناء، وتحافظ على آثار الماضي المجيد والثقافي، وفق ما دبجه الموقع الرسمي لجماعة البيضاء، مورداً أن "المدينة العتيقة تجمع بين القنصليات والسفارات السابقة للدول الأوروبية، إضافة إلى العديد من المنشآت الدينية".

مخزون تاريخي وثقافي ومعماري

يقول الباحث محمد شقير في هذا الصدد، إن المدن العتيقة في مراكش وفاس التي بنيت منذ أكثر من 12 قرناً، والمدن القديمة في كل من الدار البيضاء والصويرة التي بنيت خلال القرنين الـ17 والـ18، تعتبر الروح الحضارية لهذه المدن ومخزونها التاريخي والثقافي والاجتماعي.

ويشرح شقير قائلاً "بموازاة هذه المدن العتيقة، بنيت المدن العصرية من قبل سلطات الحماية الفرنسية بهندستها الأوروبية وأحيائها العصرية، وبمقاهيها ودور السينما ومسارحها وأسواقها ومدارسها ومقراتها الإدارية والعسكرية".

وتابع المحلل ذاته بأنه في هذه المدن انطلقت خلايا الحركة الوطنية وتنظيمات المقاومة المسلحة لتشكل بعد الاستقلال المخزون المعماري بدروبها وأزقتها الضيقة وبناياتها المتقاربة، والمخزون التجاري والاقتصادي بحوانيتها التي تضم كل أنواع الحرف والتجارة".

واسترسل شقير بأن مدينة فاس العتيقة مثلاً تضم أحياء وفضاءات خاصة بكل حرفة، مثل الصفارين والدباغين والشماعين، إلى جانب أماكن خاصة لصناعة الحلوى التقليدية، أو بائعي كل أنواع الزيتون و"الخليع" (أكلة تقليدية مغربية)، إضافة إلى جامعة القرويين التي تعد من أقدم الجامعات في العالم.

ولفت إلى أن المدن العتيقة والقديمة تتمحور كلها حول القصبات التي كانت تعتبر مقر السلطة، إضافة إلى "المسجد الأعظم" الذي تقام فيه صلاة الجمعة والدعاء للسلطان، إضافة إلى المنازل والدور و"الرياضات" (منازل فسيحة) التي تتميز بهندستها الأندلسية من زليج ورخام وأبواب خشبية منقوشة إلى غير ذلك من المظاهر التراثية.

وذهب المتحدث إلى أن السلطات عملت في الفترة الأخيرة على إعادة ترميم حصون وأبواب عدد من المدن العتيقة، والتي عادة ما يطلق على كل واحد من أبوابها اسم خاص، من قبيل باب الخميس في مراكش، وباب الأحد وباب الرواح وباب السفراء في الرباط، وباب مراكش وباب السور الجديد وباب الديوانة بالدار البيضاء.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات