ملخص
دول الجنوب طالبت بإصلاح مؤسسات النقد الدولية بينما حذر الرئيس الفرنسي من التسرع في إجراء تغييرات جذرية تؤدي إلى تفكيكها.
اختتمت القمة الدولية من أجل ميثاق مالي جديد أعمالها في باريس، بعد يومين من المشاورات والطاولات المستديرة، تناوب خلالها رؤساء أكثر من 40 دولة على تقديم اقتراحاتهم حول الطرق والوسائل لمواجهة التحديات التنموية، ومحاربة الفقر، وحماية البيئة، ومواجهة الآثار الناجمة عن التغير المناخي والكوارث، وإيجاد الأموال اللازمة لتنفيذ خطط التنمية.
دول الجنوب طالبت بإصلاح المؤسسات التي انبثقت عن مؤتمر النقد الدولي "بريتون وودز"، إثر الحرب العالمية الثانية ولم تعد اليوم ملائمة لتضاريس العالم الحالي الجيوبوليتكية، بينما حذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، من التسرع في إجراء إصلاحات جذرية تؤدي إلى تفكك هذه المؤسسات ومن ثم تعزيز الفجوة بين الدول، واقترح تغييرات تدريجية للحفاظ على ما هو موجود مع تحسين أداء هذه المؤسسات حتى تكون أكثر تمثيلاً للقوى الموجودة.
من جهته اعتبر المتخصص في الشأن الاقتصادي برتران بادريه الذي تولى إدارة طاولة حوار أن "على دول الغرب بذل الجهود من أجل تغيير المؤسسات المالية المتعددة الأطراف، حتى لو أفقدها ذلك جزءاً من تأثيرها لحساب أطراف كانوا في الماضي مهمشين".
وأشار المؤتمرون في ختام أعمال القمة إلى أهمية الخطة التي قدمها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، لتحفيز خطة أهداف التنمية المستدامة "إلى جانب مساهمات أخرى على غرار برنامج بريدجتون 2.0 وبرنامج أكرا- مراكش لمجموعة V20 ".
كما التزم المجتمعون التعهدات التي تدعم توافق باريس من أجل الشعوب ومن أجل حماية الكوكب، وتعمل على إحصاء الخطوات التي يتعين اتخاذها خلال المؤتمرات واللقاءات الدولية، من 2023 -2024 وقمة الـ20 في نيودلهي، وقمة الأمم المتحدة حول أهداف التنمية المستدامة، والجمعيات العمومية السنوية لكل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، في مراكش، وقمة المناخ 28 في دبي التي ستنعقد خلال نوفمبر (تشرين الثاني) وقمة نيروبي.
وخلصت مشاورات القمة إلى الاتفاق حول الوسائل التي تضمن استخدام الدين كأداة موثوقة لتمويل التنمية المستدامة وتخفيف عبء الدين عبر إعادة التفاوض وإعادة هيكلته بطريقة ملائمة، والتركيز على سد الديون في استثمارات تساعد على مقاومة الصدمات والكوارث.
خلال القمة أُعلن عن التوصل إلى إعادة هيكلة ديون زامبيا ما يشكل مرحلة تاريخية بحسب مصادر في القمة، وسيسمح لها ذلك بالحصول على تمويلات جديدة من صندوق النقد الدولي خلال يوليو (تموز) المقبل.
1.14 مليار يورو من ديون كوت ديفوار تتحول لـ"هبات"
في المقابل تم الاتفاق ما بين فرنسا وكوت ديفوار على تخفيض الدين ودفع عملية التنمية، وذلك عبر تحويل 1.14 مليار يورو من الدين إلى هبات لتمويل مشاريع مختلفة في التنمية من بينها 72.1 مليون ستستخدم في قطاع التعليم.
وفي هذا الإطار أطلقت كل من المملكة المتحدة وفرنسا والولايات المتحدة وإسبانيا وبارباد، والبنك الدولي، والبنك الأميركي للتنمية، نداء للدائنين من قطاعات مختلفة لاعتماد بند في اتفاقات الديون، يقضي بتجميدها لسنتين في حال الكوارث الطبيعية.
وكان أبرز ما توصلت إليه القمة الإعلان عن تخصيص صندوق النقد الدولي 100 مليار من حقوق الإصدارات الخاصة من عملة الصندوق، لمساعدة الشعوب في الدول الأكثر هشاشة، وذلك بفضل جهود الشركاء من مجموعة الـ20، من بينهم الصين والسعودية اللتان تعهدتا إعادة تخصيص 20 في المئة من حقوقها.
فرنسا أيضاً خطت خطوة مماثلة بإعلان الرئيس الفرنسي أن بلاده ستخصص 40 في المئة من حقوقها بالسحب الخاص الذي تم إنشاؤه خلال الجائحة، لنقلها إلى الدول الأكثر حاجة لها، لتكون بذلك البلد الذي خصص أكبر نسبة، وكانت فرنسا رفعت سابقاً هدفها من 20 في المئة إلى 30 في المئة.
وأعلنت القمة عن التوصل إلى تعهد بإنشاء صندوق للبيئة بقيمة 100 مليار دولار، إلى جانب الـ100 مليار التي أُعلن عنها في قمة باريس لمساعدة اقتصادات أفريقيا، بحيث تعمد بلدان قمة الـ20 لنقل نسبة من حقوقها من سندات السحب الخاصة الإضافية التي لا تستخدمها إلى الدول التي تحتاج إليها.
كما تم التطرق إلى ضريبة عالمية على التعاملات المالية والنقل البحري لكن هذه الأخيرة تستوجب اتفاقاً عالمياً يدخل في نطاق اختصاص منظمة التعاون والاقتصاد، وموضوع الضريبة على النقل البحري سيجري بحثها في بريطانيا، الشهر المقبل.
رئيس الوزراء الصيني، لي كيانغ اعتبر أن المؤتمر يأتي في محله. وشدد على أن بلاده تولي أهمية للحوكمة والتنمية، وأطلقت "مبادرة للأمن والتنمية والحضارة" وهي اليوم في قيد التحقيق، مشيراً إلى أن بلاده التي أخرجت 100 مليون شخص من الفقر، أسهمت بذلك في خفضه حول العالم، كما أنها تسعى إلى القضاء على خدمة الدين.
وشدد على أنه لا يجب النظر إلى الصين باعتبارها تمثل تهديداً بل كمساهم في الاقتصاد الدولي، منوهاً بأن بكين أسهمت بـ30 في المئة من النمو العالمي، وأن جهود بلاده لحماية البيئة تنبع من مبدأ الوحدة بين الإنسان والطبيعة، وهو مبدأ يشكل صلب الفلسفة الصينية.
الرئيس المصري يشكك
من جهته، شكك الرئيس المصري بالقدرة على تحقيق أهداف الـ200 مليار دولار، وبرر ذلك بالقول "ما أعلن عنه في قمة المناخ في 2015 لم يتحقق بعد، والإعلان عن مبالغ لا يعني الوصول إليها". وأشار إلى أن مبلغ الـ100 مليار دولار التي وعدت بها الدول المتقدمة كمساهمة منها من أجل الخطط المناخية، بقيت كوعود، متسائلاً "هل فعلاً التزمنا بهذه الوعود التي تم اتخاذها قبل سبعة أعوام؟"، مستدركاً، "الإعلانات يجب أن يتبعها تنفيذ"، منوهاً بأهمية تمويل مشاريع البنية التحتية في أفريقيا وألا يتم تقدم المساعدات كمبالغ مالية بل على شكل مساهمات في مشاريع تنموية".
لولا دا سيلفا، الرئيس البرازيلي، كان شديد اللهجة حين قال إن عمره لا يمنعه من أن يكون نشيطاً ومصمماً على بلوغ الأهداف، متعهداً أنه بحلول 2030 لن يتم قطع أي شجرة في غابة الأمازون، كما تساءل عن سبب وجوب اعتماد الدولار في المعاملات التجارية بين دول أميركا الجنوبية"، مؤكداً التزامه بتنفيذ الوعود التي سيتم اتخاذها في إطار فيدا (الصندوق الدولي للتنمية الزراعية) واعتماد 360 مليار دولار في مشاريع البنية التحتية في كل القارة.
في المقابل اعتبرت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، أن الدولار عملة مستقرة، وقليلة هي الدول القادرة على تأمين هذه الكميات من السيولة، وربطت الأمر بمبادئ الديمقراطية.
كما شدد المؤتمرون على الاقتراح الذي تم التطرق إليه حول أهمية الحصول على الأموال الخاصة في تمويلات التنمية، حيث أعلن عن مبدأ دولار لكل دولار، أي استثمار دولار من القطاع الخاص مقابل كل دولار تمنحه المؤسسات الدولية العامة.
منظمة "غلوبال سيتيزين" التي كانت من بين المنظمات المشاركة في المؤتمر، وتتابع ما تعلن عنه الدول في مجال البيئة وتمويل الدول النامية، اعتبرت أن الإقرار بوجوب تغيير وإصلاح المؤسسات، يشكل الخطوة الأولى نحو استعادة الثقة من دول الجنوب بالشمال بخاصة في ظل الوعود المتكررة التي ما زالت بانتظار التطبيق.
وتجدر الإشارة إلى تحسب الرئيس ماكرون لهذه الناحية، باقتراحه إيجاد آلية متابعة ومحاسبة لمراقبة كيفية تنفيذ القرارات التي خرجت بها قمة الميثاق المالي الجديد.
حوار الجنوب والشمال بدا واضحاً في مقاربة الرئيس الكولومبي غوستافو بترو الذي اعتبر أن فلسفة السوق والرأسمال، تقوم على ربط الاستثمار بربحيته ومردوده، "لكن الاستثمار بالبيئة يجب أن يتجاوز هذه الفلسفة، فالعالم في حاجة إلى خطة مارشال عالمية للاستثمار".
وأشار إلى أن هناك طرقاً عدة للتمويل حيث يمكن استبدال الدين الخارجي مقابل أعمال لصالح البيئة. ورأى أن التحول البيئي يجب أن يكون عادلاً وقابلاً للتنفيذ. وحدد حاجة الاستثمار في التحول البيئي بـ600 مليار دولار بالتعاون مع صناديق متعددة الأطراف على مدى 20 عاماً للوصول إلى اقتصادات ذات انبعاثات كربونية خفيفة، ما يعني 200 مليون سنوياً على مدى 20 عاماً.