Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فن الفسيفساء يزدهر في غزة

بعد غياب لقرون يعود إلى الحياة من جديد ليجسد التراث الثقافي الفلسطيني ودائرة الفنون: نحتاج إليه

لم يشهد فن الفسيفساء، الذي يعود إلى العصر البيزنطي، أي اهتمام حتى اختفى تماماً لكنه عاد من جديد (اندبندنت عربية- مريم أبو دقة)

ملخص

يوصل رسائل بألوان زاهية وكلما تقدم به الزمن يزداد جماله... ماذا تعرف عن فن الفسيفساء في غزة؟

وسط كومة من الحجارة الصغيرة، التقطت لمى بأطراف أصابعها حبة خزف، ونظرت إليها بتمعن شديد لتتأكد من درجة لونها قبل أن تركبها في مساحتها المحددة لها على لوحة فنية كبيرة وكأنها تلعب "البازل"، لقد كانت الفتاة تبني لوحة فسيفساء لعصفور الشمس الفلسطيني.

بتركيز عال تحاول لمى البحث عن قطع الخزف المناسبة لزاوية منقار العصفور، تنظر إلى اللوحة أمامها مرات عدة، ثم تنقل عينيها إلى كومة الحجارة، ومن أسفل القصاصات تلتقط قطعة وتنقلها إلى اللوحة، تقلبها في أكثر من اتجاه، وتديرها مرة للأعلى وأخرى للأسفل، تقول "ليست مناسبة" في ما تبدو عليها علامات الضجر.

عصفور الشمس ينطلق

أوقفت لمى عملها التماساً لبعض الراحة، وفتحت نافذة المشغل الفني تراقب العصافير وتستمع إلى زقزقتها، ولم تمض الفتاة وقتاً طويلاً على تلك الحال حتى عادت تستأنف البحث عن إحدى قطع الخزف المفقودة في اللوحة الماثلة أمامها، وفجأة رفعت صوتها "ها هي، وجدتها".

 

تنفست لمى الصعداء وابتسمت "الآن العمل أسهل، سأقوم برص قطع الخزف وفق التدرج اللوني، فمن المفترض أن تجهز اللوحة اليوم"، منذ نحو شهر تعمل الفتاة برفقة نحو 15 زميلة لها على صناعة لوحة الفسيفساء الفنية هذه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من إحدى زوايا المشغل الفني جلبت لمى عبوة الغراء الأبيض، وأخذت تمرر اللاصق بواسطة فرشاة دهانات على طول اللوحة الفنية استعداداً لرص حبات الخزف كالبنيان، تقول الفتاة "العمل متعب وشاق ويحتاج جهداً لكنه ممتع، فالفسيفساء من الفنون النادرة حالياً لكن له قيمة تراثية وأثرية قديمة".

في الواقع يعد فن الفسيفساء، الذي يعتمد على صناعة صورة من تجميع قطع صغيرة من الزجاج أو الحصى أو المواد الأخرى الملونة، أقدم فنون التصوير، ويعود إلى العصر البيزنطي، وفي غزة لم يشهد أي حراك أو اهتمام به حتى اختفى تماماً، لكنه عاد من جديد بعد أن بدأ فنانون في صناعة لوحات جمالية بألوان زاهية وفق قواعد هذا الفن، تعلق في أماكن عامة أو في بيوت السكان.

بوتيرة أسرع بدأت لمى في تركيب القطع، فهي تحاول أن تنجز اللوحة لتشرع في صناعة أخرى جديدة، تشير إلى أن الفسيفساء يضفي طابعاً روحانياً عندما ينعكس النور على الخزف، حيث يشعر المتأمل بالراحة وصفاء الذهن وينفصل عن الواقع ولو للحظات.

 

 

تحب لمى مشروع الفسيفساء الذي تعمل عليه بإشراف من جمعية الثقافة والفكر الحر (مؤسسة غير حكومية مهتمة بالفنون وتعمل مع المجتمع الدولي)، لأنه يعد أحد الفنون التي لا تتلف، فاللوحات مصنوعة من مواد مقاومة لعوامل الطبيعة والتغيرات المناخية.

قفزت لمى برفقة زميلاتها وهللن بصوت عال "انتهينا"، بعد خمس ساعات من تصفيف حبات الخزف أنجزت الفنانة لوحة عصفور الشمس الفلسطيني التي استغرقت نحو شهر كامل من العمل، لكنها لم تتوقف وعقدت اجتماعاً عاجلاً مع فريقها لصنع فسيفساء جديدة.

عالم فلسطين الملون

في العادة تختار لمى لوحات الفسيفساء من الثقافة والحياة الفلسطينية، وترسم المرأة بزيها التراثي، والرجل بسرواله الفلسطيني المعروف، وأحياناً تخرج عن ذلك الإطار وتصور نباتات تنمو في غزة أو حيوانات تعيش في الضفة الغربية، وقليلاً ما تركب صوراً لأشخاص.

لا تتعامل لمى مع الفسيفساء على أنها مجرد قطع مرصوصة، بل هي بناء فني يحتاج إلى كثير من المهارات، تشرح "في البداية نعقد جلسة عصف ذهني لنختار الصورة، ثم نحولها إلى رسمة بالإسكتش، وبعدها نخططها على لوحة كبيرة، وهذا العمل يحتاج إلى خبرة في علوم الهندسة والرياضيات".

بعد تفكير، اختارت الفتيات صورة سيدة يحيط بجبينها إكليل على شكل سلسلة، وعلى الفور شرعن في رسمها على ورقة، وبعد أن أعجبت الجميع أخذن في تحويلها إلى مساحات لونية من الأسود والبني والأحمر، وبعدها شرعن في تخطيطها على لوحة كبيرة. توضح لمى أن إنشاء مخطط الفسيفساء يستغرق أياماً كي يتم توزيع المساحات والألوان بالشكل الأمثل.

 

 

"هذه اللوحة بحاجة إلى جهد في تجميع والخزف"، تخبر لمى زميلاتها بأن هناك نقصاً في المواد الخام لصناعة لوحة جديدة، إذ تحصل على الخزف من بقايا المصانع والورش التي تستخدم السيراميك وتعمل على إعادة تدويره.

بعد تجميع السيراميك تعمل الفتيات على قصه على شكل مربعات صغيرة بواسطة أداة القصافة "الكماشة"، تشير لمى إلى أنهن يواجهن مشكلة عدم توفر تدرجات الألوان التي تتطلبها اللوحة الواحدة، فيلجأن إلى تغيير الألوان وتقليل التدرجات الموجودة.

يمكن أن تستخدم لمى مواد أخرى كالزجاج والحجر والمعادن في عملها الفني، لكنها تؤكد أن هذه المكونات ليست متوفرة بشكل دائم في غزة، كما أن كلفتها عالية ولا يسمح بتوريدها لهم عبر المعابر.

يقول الفنان التشكيلي محمد أبو لحية الذي يشرف على عمل الفتيات، إن "فن الفسيفساء القديم يعود إلى الحياة من جديد بشكل معاصر، ونهدف من خلال هذه اللوحات إلى تجسيد التراث الثقافي الفلسطيني، واخترنا هذا النوع لأنه فن قديم عرفته فلسطين، وهو موجود في أكثر من مكان أثري بها، إضافة إلى أنه جميل ويوصل رسائل بألوان زاهية، وكلما تقدم به الزمن يزداد جماله"، لافتاً إلى أن اللوحات ستوضع في أماكن عامة في غزة ليشاهدها السكان.

تقول أحلام الشاعر مديرة دائرة الفنون الثقافية في هيئة الشباب والثقافة (مؤسسة حكومية)، إن غزة بحاجة إلى هذا الفن لأهميته وقيمته التاريخية والمكانية، أسوة بباقي مناطق فلسطين التي تعرفه، مشيرة إلى أن الفسيفساء فن قريب من الناس لأن ألوانه وتدرجاته تجذب السكان، كما أنه يساعد على نشر الثقافة.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات