ملخص
تقدر سلطة المياه في غزة عدد الآبار غير المرخصة بأكثر من 10 آلاف جميعها جرى حفرها بالسر وتشكل استنزافاً لمخزون المياه الذي يعاني نقصاً حاداً
لتغطية حاجة عائلته من المياه، لم يجد خليل حلاً سوى حفر بئر لاستخراج المياه الجوفية بطريقة غير مدروسة وعشوائية، إذ لم يحصل على موافقة من جهات الاختصاص لدراسة منطقته والسماح له بذلك.
يعاني خليل وجميع سكان غزة انقطاع المياه عن صنابير بيوتهم، فالبلديات تعمل على توصيل المياه للمواطنين لمدة سبع ساعات كل 72 ساعة، ويقول الرجل "عندما تصل المياه تكون لفترة قصيرة ولأن الكهرباء مقطوعة لا نستطيع رفعها إلى الخزانات".
الحل الوحيد
ولحل مشكلة المياه حفر خليل بئراً لتغذية بيته من المياه الجوفية ويقر بأنه نفذ ذلك بشكل عشوائي وبطريقة غير مدروسة، لكنه يقول "المهم تمكنت من الحصول على المياه بدلاً من انتظار توصيلات البلدية".
بالنسبة إلى سكان غزة يعد حفر الآبار الحل الوحيد أمامهم للحصول على المياه وهو قائم منذ عام 2006 وبات ظاهرة واسعة الانتشار، إذ يوجد في غزة نحو 30 ألف بئر، بحسب بيانات سلطة المياه وجودة البيئة.
ولا يقتصر حفر الآبار على المواطنين، بل تتنوع الجهات التي تقوم بذلك وتنقسم إلى زراعية ومنزلية وسياحية وتجارية وأيضاً هناك آبار للبلديات وجميعها تشكل تعدياً على الخزان الجوفي، ومعظمها يجري حفرها بطريقة عشوائية ومن دون تراخيص وبعيداً من أعين جهات الاختصاص.
ورداً على ذلك يقول خليل "نعاني نقص المياه، حتى الصالحة للشرب لا تصل إلى منازلنا، ونشتري المياه من البلدية بأسعار مرتفعة، فوفّرت لنا البئر المياه وارتحنا من دفع الأموال".
ولا يجد خليل أي سبب لمنع حفر الآبار ويعلل بأن البلدية تقوم بذلك، معرباً عن اعتقاده بأنه خفف الضغط على البلدية بفعلته، فهو لا يستخدم المياه التي تصل منها وفتح المجال أمام المنازل الأخرى للحصول عليها بشكل أفضل.
مياه غير مأمونة
صحيح أن خليل حصل على المياه، لكنها غير صحية وغير آمنة إذ تصله من دون فلترة أو معقمات، وحول ذلك يقول الباحث في علم المياه والبيئة نزار الوحيدي إن آبار المياه العشوائية في غزة تفتقد إلى أجهزة الفلترة، وبالتالي قد يسبب استخدامها أضراراً صحية.
ويضيف "في الغالب الآبار العشوائية تكون سطحية ووصل إليها التلوث، أما تلك التي تحفر قرب المناطق الزراعية على اعتبار أنها أكثر عذوبة، فتحمل خطورة أيضاً لأن متبقيات الأسمدة والمبيدات الكيماوية تصل إليها من خلال تسرب المياه من التربة إلى الخزان الجوفي".
نصيب سيئ
ليس عدم وصول المياه إلى بيوت سكان غزة السبب الوحيد في حفرهم الآبار الجوفية بطريقة عشوائية، بل أيضاً نقص نصيب الفرد من المياه يعد من الأسباب، إذ يحصل الشخص في القطاع على 21.6 ليتر في اليوم لجميع الاستخدامات بما فيها الشرب، وفقاً لبيانات جهاز الإحصاء الفلسطيني (مؤسسة حكومية).
ويعد نصيب الفرد في غزة من المياه أقل من معايير منظمة الصحة العالمية التي حددتها بحوالى 100 ليتر لمنطقة الشرق الأدنى، وأيضاً أقل من الرقم الذي أوردته بيانات البنك الدولي لمنطقة الأراضي الفلسطينية والذي على أساسه من المفترض أن يحصل الفرد على 169 ليتراً، وحصة المواطن في غزة الأضعف بالمقارنة مع الضفة الغربية حيث يحصل الفرد على 86 ليتراً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
القانون يسمح… لكن التعديات كبيرة
في أي حال، أجاز قانون المياه الفلسطيني حفر الآبار الارتوازية وسمح للمواطنين بذلك، لكنه في الوقت نفسه جعلها مرتبطة بشروط منها الحصول على إذن مسبق من سلطة المياه وفرض عقوبة على المخالفين بالحبس أو غرامة مالية لا تزيد على 7500 دولار.
وأخيراً تزايد حجم التجاوزات في ملف الآبار العشوائية، إذ تقدر سلطة المياه عدد الآبار غير المرخصة بأكثر من 10 آلاف، جميعها جرى حفرها بالسر وتشكل استنزافاً لمخزون المياه الذي يعاني نقصاً حاداً، وتستخرج 220 مليون متر مكعب سنوياً وتعوض الأمطار نصف الكمية فقط.
يؤكد رئيس المعهد الوطني للبيئة أحمد حلس أن الآبار العشوائية تسببت في نقص منسوب المياه الجوفية وجعلته يعاني ارتفاع معدل الملوحة والنيترات وتتسرب مياه البحر إلى باطن الأرض.
ولمعالجة المشكلة منعت سلطة المياه حفر الآبار في قطاع غزة وسط التراجع الشديد في مناسيب المياه الجوفية وجودتها وانتشار التعديات على الخزان الجوفي.
وينفي منسق المياه في بلدية غزة أنور الجندي وجود دور رقابي لبلديته على عمليات حفر الآبار غير المرخصة، مرجعاً تلك المسؤولية إلى سلطة المياه.
إقرار بالآثار لكن تفهم للحاجات
بدوره يقول القائم بأعمال رئيس سلطة المياه مازن البنا "لاحظنا تغولاً في حفر الآبار وباتت فوضى، وبسبب ذلك لدينا عجز في المخزون الجوفي يصل إلى 130 مليون متر مكعب سنوياً، فالمفقود من الأرض لا يعود بسهولة لأن الأمطار لا تعوض، ونتيجة لذلك أصبحت 97 في المئة من هذه المياه غير صالحة للشرب، وللأسف العقوبات لا تطبق كما يجب".
ويضيف "غزة تعتمد على الخزان الجوفي بنسبة 92 في المئة من حاجتها للمياه وتستخرج البلديات 40 في المئة من مجموع ما يستخرج من المخزون المائي الجوفي بهدف تزويد المواطنين".
وعلى رغم إقرار البنا بوجود عجز في المياه الجوفية، إلا أنه أقر باستمرار منح التراخيص لإنشاء آبار، مبرراً ذلك بالقول "في النهاية المزارع والمواطن يريدان المياه، وعندما تتقدم جهة بطلب ترخيص بئر لا بد من أن نتفهم حاجاتها".