ملخص
لماذا سمحت هيئة تحرير الشام بدخول قافلة مساعدات إنسانية إلى إدلب على رغم رفضها من قبل؟
أثار دخول قافلة مساعدات إنسانية إلى إدلب شمال غربي سوريا نحو مناطق تخضع لسيطرة الجماعات المسلحة عبر ممر داخلي خاضع لنفوذ القوات النظامية تساؤلات عن بداية تبدل المشهد العام بعد رفض هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) سابقاً المساعدات الإنسانية التي تأتي عبر معابر السلطات السورية عقب كارثة زلزال السادس من فبراير (شباط) الماضي، في وقت فتحت فيه دمشق أبواب معبرين لمرور المساعدات الإغاثية هما السلام والراعي.
ثمار التقارب
وتعد القافلة الأولى من نوعها منذ زلزال سوريا لكونها وصلت هذه المرة من مناطق تتبع للحكومة، إذ اعتبرها مراقبون في الشأن السوري تطوراً غير مسبوق وليونة تسري في جسم أكثر الفصائل المسلحة تشدداً اليوم.
وتحكم "تحرير الشام" سيطرتها على مساحة واسعة من محافظة إدلب تصل إلى النصف، وتحاذي محافظات مثل حماة واللاذقية وحلب، إضافة إلى كونها تضم نازحين يبلغ عددهم قرابة 3 ملايين شخص وصلوا بعد سقوط ريفي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي بيد جيش النظام، علاوة على الأعداد الضخمة التي وصلت من مختلف أرجاء المدن والمحافظات السورية خلال تسويات إخلاء المسلحين وعائلاتهم بعد محاصرة مناطق كانت تسيطر عليها المعارضة المسلحة، إذ يعد ما بعد عام 2016 تاريخ قلب موازين القوى حين تمكنت دمشق من استعادة سيطرتها بدعم من حليفيها الروسي والإيراني.
تحول ضمني
واعتبر المتحدث الرسمي باسم المصالحة الوطنية في سوريا عمر رحمون في حديث لـ "اندبندنت عربية" دخول القافلة الإغاثية والتي ضمت 10 شاحنات تطوراً لافتاً من جهة الجماعات المسلحة.
وقال رحمون "لا أستطيع الجزم بأن هيئة تحرير الشام منعت كل قوافل المساعدات التي أرسلتها المنظمات الدولية عبر مناطق سيطرة الدولة، بل هناك قوافل وصلت ومنعت بعضها، وهذا الأمر كان متذبذباً، فمرات كانت تمنع وأخرى تقبل بدخولها، ولكن في تقديري أن الهيئة تخضع للمخابرات التركية،" لافتاً إلى أن "مسار التفاوض التركي - السوري للتقارب قطع مشواراً لا بأس به".
وتابع المتحدث الرسمي قوله إنه "في المقابل لا تهدأ هيئة تحرير الشام عن حجز مساحة لها في دائرة الصراع السوري إلى اليوم، وذلك بالمحافظة على ما كسبته من أراض استراتيجية في الشمال، وبالتالي لن يكون من السهل بحسب مراقبين انتزاعها بتلك السهولة من الجماعة المسلحة حتى ولو من طريق الأتراك كما يظن مراقبون، مشدداً على أنه "من الخطأ التسليم باحتمال انسحاب الجولاني وجيشه بهذه البساطة لأن ذلك ربما يحدث بمفاوضات طويلة، أو من الممكن أن يتمرد على القرار التركي ولن يكون هناك سوى الحرب".
حسابات "أستانا"
وإزاء ذلك تبدو القافلة الإغاثية ودخولها يوم الجمعة، 23 يونيو (حزيران) الجاري، أي بعد انتهاء اجتماع "أستانا" لنواب وزراء الخارجية في كل من تركيا وروسيا وإيران وسوريا خلالها جولتها الـ 20 والأخيرة يومي 20 و21 من يونيو ليست مصادفة بل ثمرة من ثمار "اجتماع أستانا"، وإن بدت القافلة الأممية رمزية لكنها تبقى تشكل تحولاً في طريقة التعاطي مع الحدود والمعابر الفاصلة مع السلطات الحكومية، والحاجة الماسة إليها بعد الخفض الدولي من الجهات المانحة لتمويل مشاريع الإغاثة الخاصة بالنازحين السوريين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار رحمون إلى أن ثمة تعويلاً على التقارب بين أنقرة ودمشق، وقطع أشواط في ملف انسحاب الأتراك وعودة النازحين، موضحاً أن جميعها في الغالب ستتحقق بشكل تدريجي عبر ضمانات روسية، وهذا "يفضي إلى فتح السفارات وعودة السفراء، وبالنتيجة عودة الأمور لما كانت عليه".
واستطرد متحدث المصالحة الوطنية قوله "لعل التفاهم السوري - التركي هو الذي دفع لقبول دخول هذه المساعدات، وربما يؤخذ الأمر إلى حاجة الهيئة وكثرة النازحين وحاجاتهم ولا أستطيع التفاؤل كثيراً، ولكن على الجانب الآخر منعت هيئة تحرير الشام وصول طلاب الإعدادية والثانوية من السفر والتوجه إلى مناطق سيطرة الدولة بغية تقديم امتحاناتهم هناك".
وجزم رحمون في الوقت ذاته أن التقارب الحاصل والمتسارع بين الجانبين التركي والسوري سيفضي إلى نتائج مهمة، معتبراً أن هيئة تحرير الشام يمكن أن ترضخ للإملاءات التركية كونها صنيعة مخابراتها، وفق قوله، متابعاً أن "هناك حاجات متزايدة في المخيمات والمتضررين من الزلزال، وبالتالي التقارب له تأثير في الأرض، لا سيما في إدلب سواء فتح طريق (إم4 - اللاذقية - حلب) أو ما يخص محور (سراقب - اللاذقية)".
حكم إدلب
في غضون ذلك يسود الهدوء الحذر أرجاء محافظة إدلب وخطوط التماس التي تتشاطرها مع القوات الحكومية، ويتوقع خبراء سياسيون تباطؤاً في الزج بعملية عسكرية، فلن تزج بها دمشق إلا بعد نفض يديها من التقارب مع إسطنبول، بينما الأولوية اليوم لإعادة مناطق في الشمال الشرقي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من قوات التحالف برئاسة الولايات المتحدة، ولن يتسع لها تشتيت نفسها بفتح جبهات في الوقت ذاته.
ومع هذا يحاول قائد هيئة تحرير الشام الملقب بأبو محمد الجولاني، وهو أحد أمراء جبهة النصرة سابقاً، ترتيب أوراق الهيئة لتكون مقبولة دولياً بعد أن وضعها المجتمع الدولي، بما فيها روسيا وأميركا، ضمن لوائح الإرهاب والمصنفة بالخطر، عبر سياسة ناعمة وتجهيز نخب سياسية من خلال مؤتمر للشخصيات المدنية، في حين كان الذراع العسكري هو الكلمة الفصل في حكم إدلب والسيطرة على موقعها الاقتصادي القريب من تركيا.
وفي المقابل تترقب الأوساط السياسية تحولاً معاكساً ومفاجئاً بعد تصعيد القصف الروسي على مناطق الشمال الغربي في إدلب مع ما يدور من حديث عن عمل عسكري مرتقب.
ويأتي كل ذلك وسط إعلان برنامج الغذاء العالمي خفض البرنامج للمساعدات الغذائية في سوريا، وسيطبق في كل المحافظات التي تخضع لمختلف أنواع السيطرة وستكون مقتصرة على 2.5 مليون شخص بعدما كان قرابة 5.5 مليون، وبعد استنزاف جميع الخيارات في ظل الموارد المحدودة، إذ أعطى البرنامج أولوية لـ 3 ملايين سوري غير قادرين على البقاء من أسبوع إلى آخر من دون مساعدة غذائية.