ملخص
البنك الدولي يتوقع بلوغ 463 مليون أفريقي خط الفقر المدقع بنهاية العام
لم تكد البلدان الأفريقية تتعافى بعد من التداعيات الاجتماعية والاقتصادية لوباء كورونا، حتى وجدت اقتصاداتها في مواجهة آثار الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
لم يقتصر تأثير النزاع على الأمن الغذائي في أفريقيا، بل تجاوزه إلى تقليص نسب النمو الاقتصادي إلى أربعة في المئة بدل التوقعات السابقة بتحقيق 8.3 في المئة العام الماضي، بحسب تقرير حديث لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
وتزايدت حالات عدم اليقين في الأسواق المالية العالمية في شأن معظم بلدان جنوب الصحراء وشمال أفريقيا، وعطلت العقوبات التي فرضتها الدول الغربية على روسيا التدفقات التجارية بين روسيا وبلدان القارة السمراء.
وأدى النقص في الأسمدة إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، بسبب تداعياته على الإنتاج الزراعي، كما تسبب تزايد طلب بلدان القارة على القمح والزيت الروسي والأوكراني في اضطرابات في التزويد وارتفاع كلفة التوريد من أسواق بديلة، علاوة على ارتفاع أسعار النفط في السوق العالمية والزيادات المتتالية في سعر الوقود بالبلدان الأفريقية غير المصدرة للنفط وكلفة الإنتاج لجميع السلع.
واجتمعت هذه العوامل لتؤدي إلى تصاعد نسب التضخم بحكم ارتفاع أسعار النقل والغذاء التي مثلت 57 في المئة من مؤشر أسعار الاستهلاك في نيجيريا، و54 في المئة في غانا، إذ زادت أسعار الحبوب بنسبة 48 في المئة بدول أفريقيا جنوب الصحراء التي تتميز بكثافة سكانية عالية، بالنظر إلى اعتمادها على استيراد القمح بنسبة 85 في المئة منه من روسيا وأوكرانيا.
تضخم مرتفع
وفق تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، زادت معدلات تضخم المواد الأساسية الغذائية في أفريقيا على المتوسط العالمي بنسبة 12.6 في المئة، كما بلغت معدلات التضخم 15.7 في المئة في غانا، بسبب ارتفاع في أسعار الوقود وتراجع صرف العملة بنسبة 16 في المئة مقابل الدولار 2022، وزاد سعر وقود الديزل بنسبة 190 في المئة في نيجيريا أكبر منتجي النفط في القارة التي تعتمد على واردات النفط المكرر بسبب ندرة المصافي لديها.
وانخفضت قيمة العملة الإثيوبية لتصل إلى 82 مقابل الدولار في السوق غير الرسمية، مقابل 60 قبل الحرب، وارتفع التضخم في تنزانيا إلى 34 في المئة، وزادت كلفة النقل في ناميبيا بنسبة 20 في المئة، وتصاعدت أسعار المواد الغذائية في الكاميرون بنسبة 26 في المئة، وزادت كلفة الغذاء في السودان بنسبة 700 في المئة، بينما شهدت زيمبابوي تأجيج أزمة الغذاء لديها بسبب الجفاف إضافة إلى الاعتماد على القمح الأوكراني.
تبعية غذائية
وبالنظر إلى تواضع نسق المبادلات التجارية بين بلدان القارة الأفريقية وكل من روسيا وأوكرانيا يعد حجم تدفق الحبوب بين الطرفين مرتفعاً للغاية، وهذا ما اتضح بعد اندلاع المواجهة بين روسيا وأكرانيا وخفض الصادرات منهما.
وتمثل واردات القمح نحو نصف الحركة التجارية بين البلدان الأفريقية وأوكرانيا البالغة 4.5 مليار دولار عام 2021، كما تساوي 90 في المئة من مبادلاتها مع روسيا التي تبلغ أربعة مليارات دولار.
وتستورد مصر والجزائر والمغرب وليبيا وتونس ونيجيريا وإثيوبيا والسودان وجنوب أفريقيا القمح وعباد الشمس من روسيا وأكرانيا بنسبة 80 في المئة.
ويتوقع التقرير أن يصل استهلاك القمح في أفريقيا إلى 76.5 مليون طن بحلول عام 2025، وأن تلجأ البلدان إلى استيراد 48.3 مليون طن، ما يساوي 63.4 في المئة من الاستهلاك.
وتمثل الأغذية والحبوب أعلى نسبة استهلاك لدى سكان أفريقيا جنوب الصحراء، يليها الوقود، إذ تستورد كينيا نحو 30 في المئة من الحبوب من روسيا وأوكرانيا، وتتزود الكاميرون بـ44 في المئة من الأسمدة الروسية، بينما تمثل واردات القمح من روسيا 50 في المئة من إجمالي ما تتزود به الكونغو وتنزانيا والسنغال والكونغو الديمقراطية. وتستورد السنغال 65 في المئة من الحبوب من روسيا وأوكرانيا، بينما تستورد غانا 60 في المئة من واردات الحديد والصلب من أوكرانيا، مما أدى إلى إشكاليات لقطاع صناعة البناء.
تنامي المخاطر
وأدى الطلب على واردات الوقود المكرر في أفريقيا جنوب الصحراء إلى ارتفاع في كلفة الواردات بسبب النقص في قدرة التكرير المحلية وعدم توفر المصافي.
وترتب على الضغط على ميزان المدفوعات لبلدان أفريقيا جنوب الصحراء وشمال القارة كذلك إلى تراجع أسعار صرف العملات مقابل العملات الأجنبية، وبخاصة الدولار، مما زاد من المخاوف حول الديون السيادية.
وسجل عدد من البلدان تأخيراً في الخطط النقدية لمواجهة انزلاق العملات وتصاعد التضخم، وأجلت كل من دول كينيا ونيجيريا إصدار سندات في 2022، وعمدت ملاوي إلى خفض قيمة عملتها بنسبة 25 في المئة، دون التمكن من السيطرة على تآكل مخزون العملات الذي وصل إلى مستوى تغطية شهرين من الواردات.
ورافقت المصاعب تراجع مداخيل التجارة والموارد الذاتية، وبخاصة الضرائب في جميع البلدان، مما فاقم من مستويات المديونية وتخفيض التصنيف الائتماني على خلفية ارتفاع كلفة الاقتراض بالسوق المالية. وكشف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عن تراجع التصنيفات الائتمانية لست دول أفريقية مباشرة بعد اندلاع الحرب الروسية، وكلفها ذلك نحو 13 مليار دولار إضافية في مدفوعات أسعار الفائدة، مما مثل أعباءً جديدة على الإنفاق الحكومي. كما ضاعفت العملات الهزيلة من كلفة الواردات، وبدت البلدان الأكثر فقراً أعظم تضرراً إزاء عدم الاستقرار المالي بسبب كلفة الغذاء والنقل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتجه ارتفاع التضخم إلى إعاقة النمو في هذه البلدان، مما يهدد بتواصل الانكماش في الناتج المحلي، بل ذهبت وكالة الطاقة الدولية إلى أنه بحلول نهاية العام الحالي، قد لا يتمكن 30 مليون أفريقي من تحمل كلفة غاز طهي الطعام، وهو ما حذر منه أيضاً البنك الدولي متوقعاً بلوغ 463 مليون أفريقي خط الفقر المدقع بنهاية العام، كما فاقم الاعتماد المفرط على أدوات السياسة النقدية باللجوء إلى رفع أسعار الفائدة المخاوف، لما يمكن أن يؤدي من انعكاسات سلبية على الإنتاج.
ولجأت دول أفريقية إلى الزيادة في نسب الفائدة للضغط على التضخم ومواجهته، مثل بوتسوانا وغانا وكينيا وملاوي ونيجيريا وجنوب أفريقيا وتونس وأوغندا وبنين وبوركينا فاسو وكوت ديفوار وغينيا بيساو ومالي والنيجر والسنغال وتوغو.
قارة الفرص المهدرة
يرجح أن تؤدي الحرب الدائرة إلى مشكلات اقتصادية إضافية لبلدان القارة السمراء في حال استمرارها لمدة طويلة، وفق المتخصص في الشأن الاقتصادي محمد الناير في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، إذ يرى أن ذلك يرجع إلى عدم تعويل البلدان الأفريقية على إنتاجها الذاتي من الغذاء والسلع والاعتماد على التوريد، كما أن الاقتصادات الأفريقية لم تستثمر في أراضيها المترامية لتحقيق الأمن الغذائي علماً أن السودان بمفرده في حال استغلال المساحات الشاسعة لديه من شأنه توفير الحبوب لمعظم بلدان القارة، لكن تفتقر أفريقيا إلى تمويلات تمكنها من إطلاق مشاريع ضخمة تأمن الاكتفاء الذاتي، ما تحتاج إليه البلدان الأفريقية في الوقت الراهن هو ضخ رؤوس أموال للاستثمار في مشاريع تمكنها من الاعتماد على الموارد الطبيعية بهدف تأمين استهلاكها، ثم في مرحلة ثانية تطوير التجارة البينية بأسعار تفاضلية ما سيعود بالفائدة على اقتصادات المنطقة.
وأضاف "إن وفرت بعض البلدان الأفريقية بدائل للواردات الأوروبية من أوكرانيا وروسيا فقد شاب هذه الفرص نقائص تتعلق بغياب القيمة المضافة، ووفرت السنغال والنيجر وموزمبيق وتنزانيا الوقود بحكم احتوائها على احتياطات كبيرة من النفط، ولكنها ظلت في حاجة إلى استثمارات ضخمة لتكريرها، ولم يضمن توفر وسائل النقل زيادة التدفقات بغياب القدرة التقنية على زيادة الإنتاج ولعب دور محوري في السوق العالمية للطاقة".
وأشار المستشار والباحث بمركز الأداء الاستراتيجي بمدريد طارق إبراهيم إلى انخفاض النمو بالقارة في الوقت الذي اتجهت فيه التقديرات إلى تحقيق تحسن في مستويات الناتج المحلي بعد تخطي جائحة كورونا.
ويرى إبراهيم أن المخاوف تحيط بقطاع الاستثمار مع تراجع تدفق الاستثمارات، بخاصة في مجال المحروقات والتعدين والطاقة النووية والمتأتية أساساً من روسيا، بينما يعتقد أن هذه الحرب قد تتيح فرصاً لبعض الدول لتتموقع كبديل لممولي السوق العالمية بالغاز والنفط في ظل نقص الصادرات الروسية بالخصوص. ويذكر أن تراجع إنتاج هذه الأطراف والعقوبات المسلطة على روسيا مكن بعض البلدان المنتجة للنفط والغاز من تحقيق بعض المكتسبات، ومن أهمها ليبيا والجزائر، ومن شأن أفريقيا الاستثمار في القيمة المضافة للحصول على ثقة السوق والتموقع كبديل دائم.