ملخص
رغبة في تحسين صورتها لدى الرأي العام الاجتماعي وبعث رسالة قطيعة مع الممارسات السابقة
تشهد الأحزاب السياسية في الجزائر إجراء جديداً يستهدف صناعة سياسيين من جيل الشباب تحضيراً لتسلم المشعل من جهة وتحريك الرمال من تحت الطبقة السياسية بعد جمود غير معلن فرضته المرحلة من جهة أخرى.
ويتمثل الإجراء في أكاديميات التكوين السياسي لصنع القيادات الشبابية، غير أن التجارب السابقة مع الأكاديميات الصيفية تجعل أية خطوة تترنح بين النجاح والفشل.
من الجامعات الصيفية إلى الأكاديميات
ويبقى تأهيل قيادات شبابية هدف غالبية التشكيلات السياسية في الجزائر، لا سيما ذات المرجعيات السياسية والأيديولوجية الثابتة في المشهد، وهي بذلك تسعى إلى ضمان استمرار أفكار ومبادئ الحزب، ولعل الأحداث المتسارعة التي يشهدها العالم، إضافة إلى التحولات التي فرضتها التكنولوجيا والعولمة، أسباب جعلت المسؤولين السياسيين يفكرون في تمكين الشباب من خطط التفكير والتعامل مع تعقيدات الساحة.
وبينما تتحرك أحزاب بشكل دوري إلى مناسباتية عبر ندوات صحافية وفترات دراسية، تروح أخرى إلى تنظيم جامعات صيفية تتمحور برامجها بين مناقشة وتقييم النشاط السنوي وتكوين المناصرين الشباب.
السلطة حاضرة أيضاً
ويؤشر انتقال الأحزاب السياسية إلى نمط أكاديميات التكوين السياسي وإنشاء برامج لصنع القيادات الشبابية على تحول كبير في العمل الحزبي من خلال اختيار الاتجاه العلمي والبيداغوجي في آليات التنشئة السياسية للكوادر القيادية الشابة، مما يجعل الجامعات الصيفية تختزل أدوراها في طرح الانشغالات الحزبية ومناقشة الحلول والبحث عن التموقع في المشهد السياسي.
ولم تترك السلطة موقعها شاغراً في هذا الحراك الحزبي الحاصل، وأطلقت فضاءات عدة تسهم في التكوين السياسي موجهة بشكل خاص إلى الشباب، مثل "المجلس الأعلى للشباب" وكذا "المرصد الوطني للمجتمع المدني" الذي يوصف بأنه إطار للحوار والاقتراح، وغيرها من الهيئات التي تقوم بأدوار أكاديميات التكوين نفسها لدى التشكيلات السياسية.
أسباب منوعة
وفي السياق يرى الباحث بكلية العلوم الاجتماعية دحو بن مصطفى أنه في ما يخص الجامعات الصيفية فهذا تقليد كان سائداً خلال فترات الانفتاح السياسي في الجزائر بعد دستور عام 1989، وقد ابتكرته الأحزاب الاشتراكية من أجل التكوين السياسي، أما الجديد فهو أكاديميات التكوين وهي تجربة قامت بها أحزاب واستنسختها أخرى، لكن الفكرة الآن في طور التوسع والتعميم.
وأوضح أن أسباب اللجوء إلى أكاديميات التكوين منوعة ومتعددة ومتباينة، ومنها أن أحزاباً وجدت حرجاً في وجود منتخبين في المجالس الشعبية بما فيها البرلمان، لا يملكون مستوى جامعياً أو تعليماً عالياً ولا ثقافة سياسية ولا ثقافة الدولة، وهي من خلال هذه التجربة تحاول تثقيف منتخبيها بخاصة أن الدولة باشرت عملية التكوين للمجالس المحلية، وقد قرأت بعض التشكيلات ذلك على أنه "تجريح سياسي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع بن مصطفى أن التحضير للمحطات الانتخابية المقبلة بما فيها الرئاسيات والبرلمانيات، لا سيما أن القانون العضوي للانتخابات صار يشترط الثلث من حاملي الشهادات الجامعية، هي أيضاً من أسباب تأسيس أكاديميات التكوين.
وقال إنها خطوة استباقية لقانون الأحزاب الجديد المطروح على طاولة الحكومة والذي يشترط نسباً معينة في اللجان المركزية من الشباب والجامعيين، كما أنها رغبة بعض الأحزاب في تحسين صورتها لدى الرأي العام الاجتماعي، وبعث رسالة قطيعة مع الممارسات السابقة التي ضربت صدقيتها نتيجة وجود منتخَبين بمستويات ضعيفة في المجالس الشعبية. واعتبر أن من وراء الخطوة تشكيل كتل لها ولاء حزبي من أجل مواجهة ظاهرة التجوال السياسي، وختم أنها "ظاهرة لتطوير الكفاءات والآداء السياسي، لكن قد تكون مجرد واجهة للدفاع عن شرعية البقاء في المشهد أمام التحولات السريعة التي يشهدها المسرح السياسي منذ الحراك الشعبي".
الواقع أكبر من القاعدة
من جانبه يعتبر الحقوقي عابد نعمان أن التكوين السياسي هو أولاً "تكوين مناضل ليصبح في ما بعد إطاراً سياسياً كقوة معوّل عليها"، وقال إن "النضال لم يكن ولن يكون إشهاراً للهوية الحزبية فهي غنية عن التعريف، ولكنه معركة فرض فكر متواصل وترجمته في الواقع بحلقات متواصلة من أجل حل مشكلات الأفراد، ويبني سلطته وفق أيديولوجية معينة وتوجه معين".
كما أوضح أن ذلك يعتمد على مقومات نراها أساساً في تدريب الحزبي، ومنها امتلاك الوعي والمعرفة العلمية الدقيقة بمشكلات المجتمع، والقدرة على تحديد القضايا الدائمة منها والظرفية والمصيرية للشعب، ووجود رؤية في كل مجال وموقف من كل مسألة وبرنامج، والقدرة على قراءة الواقع داخل الحزب وخارجه وعلى صناعة الموقف السياسي والإقناع.
وأضاف، "بهذا نصل إلى صناعة مناصر حقيقي كبصمة حقيقية للحزب، ومنه وصلنا إلى أساس وجود الأكاديميات السياسية والجامعات الصيفية".
ويتساءل نعمان "لماذا الجامعات الصيفية والدورات التكوينية للأحزاب لا تزال من دون منتوج بشري؟" ويجيب " ببساطة لأن الواقع أكبر من القاعدة حينما نعلم أن عملية تنظيمها أصبحت مجرد عنوان لاستهلاك موازنة الحزب، ناهيك عن بيع المقاعد لأشخاص غرباء، ومنه أصبحت الجامعة الصيفية للحزب لقضاء عطلة صيفية سياحية بموازنة الحزب".
وقال إن تكوين المناصر من حيث الفكر والأداء مؤشر لعمل سياسي راق وبنّاء ومنتج له ضوابط وأخلاقيات، مشدداً على أن الغاية البعيدة في النهاية هي بناء مجتمع سياسي قادر على تغذية السلطة بالنخبة البشرية، مع البقاء طبعاً للأقوى طرحاً وعلماً وحكمة ومسؤولية.