كغيرها من محافظات الجمهورية اليمنية، شهدت محافظة الجوف، حرباً شرسة بين القوات الحكومية وميليشيا الحوثي المدعومة من إيران. وخلال السنوات الأربع الماضية، نجحت الحكومة في استعادة قرابة 80 في المئة من الجوف، بينما لا تزال العمليات مستمرة لتحرير بقية المناطق.
وخلال هذه الفترة، شهدت الجوف، استقراراً ملحوظاً، مكّن السلطات من ممارسة دورها، واستعادة زمام المبادرة، واتجهت المحافظة تدريجاً إلى منطقة جاذبة للمستثمرين، بحسب إفادة محافظها اللواء أمين العكيمي الذي عبّر في حديث إلى "اندبندنت عربية" عن ارتياحه إلى الوضع الأمني التي يتحسّن باستمرار.
وقال "على الرغم من وجود الحوثي في بعض المناطق، ولكن تجاوب المواطنين فاق التوقعات. ففي ظل الحرب، اعتقدنا بأن تكون هناك اختلالات وخلايا نائمة، لكن التعاون الأمني في أوساط المواطنين كان ممتازاً، ونحن نفكّر في إقامة دورات أمنية ومركز تدريبي. وهذه الورش التدريبية من شأنها أن تؤدي إلى نقلة نوعية في الأمن".
أما عن الخدمات والمشاريع التنموية، فأوضح أنّ "الخطوة المتميزة التي نبني عليها الآمال الكبيرة هي في التعليم. بعد افتتاح كلية التعليم العالي في المحافظة، يوجد الآن قرابة ألف طالب، ونتوقع إقبالاً أكثر في العام المقبل. وزاد الطلاب العام الحالي بنحو50 في المئة عن العام الماضي.
وعندما بدأنا بالمشاريع وشق الطرقات، أبدى المواطنون خشيتهم على أراضيهم. الآن تغيرت اقتناعات الناس، وأصبحوا يطالبون بالمشاريع والطرقات والتنمية. وهناك عشرات التجار الذين بدأوا بشراء العقارات وخطّطوا لإنشاء مدن سكنية وأسواق.
فمثلاً، عندنا مستثمر كبير من أكبر المستثمرين في المحافظة، يمتلك تصميماً لتخزين الخضار والفواكه، وهذا سينقل الجوف زراعياً نقلة كبيرة، وسيُفتَتح قريباً سوق للذهب، وعدد من التجار سيشرَعون بعدد من الاستثمارات المختلفة".
وعلى صعيد القضاء، أكد العكيمي أن "الجهاز استطاع حل مئات القضايا في فترة وجيزة بعد التحرير، والنيابة تلعب دورها في هذه المحافظة التي كانت تُحكم سابقاً بالأعراف والعادات القبلية"، مضيفاً "كلهم احتكموا إلى القضاء والنيابة بشكل عجيب. في الماضي، كنا نعتبر ذلك مستحيلاً. أصبح القاضي يبتّ القضايا الشرعية بكل سهولة، ويتجول في مناطق النزاع بسهولة، ومن دون أي تشديد أمني. المكاتب الخدمية تمارس عملها، الجوازات والأحوال المدنية ستُفتتح قريباً، فالمبنى جاهز والكادر جاهز، والجمارك عندنا تعمل بكل فعالية".
نعود إلى التعليم، "يتعبنا فقط النقص في الكتب المدرسية، وقد طالبنا من الجهات المختصة توفيرها، لكنها تأخرت ونحن على استعداد لطباعة جزء منها".
ولا يخفي العكيمي الوجود السكاني في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، والمحاذية لصعدة وعمران، "لكن كل الذين يدعمون الشرعية وفدوا إلى المناطق المحررة".
لا تفاهمات
أما عسكرياً، فنفى المحافظ في "وجود تفاهمات بين الجيش والحوثيين في الجوف". وقال إن الحوثيين يتقاتلون في ما بينهم ولا يمكنهم أن يتقبّلوا أحداً غيرهم، فلو قبل الحوثي بأحد، لما وصلت البلاد إلى وصلت إليه. القيادة في الجوف سواء العسكرية أو المدنية، تعمل تحت لواء الدولة الشرعية بزعامة الرئيس المشير عبده ربه منصور هادي ونائبه، وفي ظل التحالف العربي ولا يمكن أن تُقدِم محافظة الجوف على شيء خارج إطار الشرعية". ولكن المحافظة لديها مشكلة كبيرة مع الألغام، فكيف السبيل إلى المعالجة؟
"لا توجد أعداد وإحصاءات وأرقام ثابتة عن الألغام والضحايا في الجوف. الميليشيات زرعت الألغام بأعداد كبيرة، ولقد رأيت بعيني ألغاماً مزروعة فوق الشجر وفي ظل الشجر.
لقد نجحنا في نزع الألغام على امتداد 100 كيلومتر. وعطّلنا 35 ألف لغم في العام الأول من الحرب، وهناك ألغام منتشرة بطريقة عشوائية وعندما ينزل المطر، تأتي السيول فتجرف الألغام إلى المزارع وهي بعيدة من الجبهة عشرات الكيلومترات، وقد نفقت عشرات المواشي والإبل بانفجار شبكات الألغام أثناء الرعي". ألا يوجد دور لمنظمات الإغاثة؟
المشاكل الإدارية
"قبل الانقلاب، كان ملف الجوف وصعدة ضمن مكتب واحد. وما زال الحوثي يسيطر على كل المنظمات الخيرية والإغاثية والتنموية والتعليمية، ولم ننل منها شيئاً. المنظمات منحازة إلى الحوثي. كل مجهود الحوثي الحربي يُدفع من المنظمات حتى في التربية والتثقيف. "اليونسيف" تدفع للحوثي نفقات لأكثر من 250 طفلاً بين عمر 9 سنوات و15 سنة. تدعمهم "اليونسيف" ثم يُرسلون إلى الجبهات وعندنا أسرى من المخيمات الصيفية التي تدعمها بعض المنظمات الخارجية".
وتحدّث العكيمي عن توق أبناء محافظته الجوف إلى الدولة، قائلاً "أبناء الجوف أرهقتهم الفوضى، ويبحثون عن الدولة، ويحملون الدولة على ظهورهم، ولذلك نعمل في المحافظة بميزانية عام 2014".
والعلاقة بين الجيش والقبائل علاقة أسرة، العسكري هو ابن القبيلة، المواطن ابن القبيلة، ورجل الدولة هو ابن القبيلة، ابن القبيلة هو جندي الجيش، جندي الأمن، وهو الضابط والمسؤول والجندي".
وكيف يقوّم العكيمي عمله كقائد عسكري ومحافظ في الوقت نفسه؟ "حب الوطن يجمع الكل، من أحب وطنه عمل ما استطاع. فحب الوطن في قلب العسكري وقلب الإداري".
النفط والسلام
خبراء اقتصاديون يتحدثون عن ثروة هائلة من النفط والغاز لا تزال في باطن الأرض، وهناك اتهامات للسلطات المتعاقبة بالتواطؤ مع قوى خارجية تعمل على عدم التنقيب، فكيف يجيب اللواء؟
"سننقب عن هذه الثروات، ولو وجدنا من يأتي لينقب عنها لحميناه حتى من الشمس وأشعتها. ونأمل أن نرى شركات التنقيب والمستثمرين ونحن سنتكفل بحمايتهم".
وبعد أكثر من أربع سنوات من الحرب، ماذا يقول العكيمي عن مبادرات السلام؟
"نحن نبحث عن الاستقرار، ولا نبحث عن الحرب. فإذا أتى السلام، نرحب به كما رحبنا بالحرب التي فُرضت علينا ولم نكن نريدها. ولكن إذا كان السلام على حساب طرف، فليس من صالحنا أن نقبله. أما إذا كان سلاماً شاملاً، فهذا ما نريده".
وعن طبيعة الوساطة التي قام بها في مأرب، قال "ذهبنا لطرد المتمردين وترميم الأوضاع. الاشتباكات كانت رسالة أمنية قوية لكل المحافظات في المناطق المحررة. أدّت الدولة واجبها في مكافحة المخربين وأُحيلت المسألة إلى القضاء، والأبرياء أعلنوا وقوفهم مع الدولة وكتبوا ووقعوا على أنهم جزء من النسيج الاجتماعي في مأرب، لهم ما لمأرب وعليهم ما على مأرب، وأنهم يدعمون الشرعية.
واقتنعت القبيلة بأنّ القضاء يجب أن يأخذ مجراه مع المخربين والمطلوبين أو غيرهم. نحن لا نريد دولتين، نحن الآن نقول نريد دولة. لكن لا نقول للقبلي اترك شهامتك أو كرامتك أو شجاعتك أو قيمك. نحن نريد أن نكون دولة، من دون دولة سنبقى دويلات، وقبائل متنازعة. فالقبلي يريد دولة وهو سيبقى قبلياً في القبيلة الحقيقية، القبيلة التي لا تخرج عن نطاق الدولة، والقبيلة هي مكارم الأخلاق. أما ما يُنسب إلى القبيلة وليس منها ويقوم به السفهاء، فهؤلاء لا يمثلون القبيلة ولا عاداتها.
عادات القبائل مكتوبة وموثقة في ما بينهم منذ زمن، لن تجد أنهم يتعاملون مع السارق أو قاطع الطريق أو قاتل النفس". ويختم اللواء العكيمي حديثه بمسحة تفاؤل، فهو يرى الجوف في صدارة المحافظات اليمنية بعد عشر سنوات، إن لم تكن أولى المدن اليمنية.