ملخص
تفاوضت الحكومة التونسية على اتفاق مبدئي للحصول على قرض قيمته 1.9 مليار دولار من صندوق النقد في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن المحادثات لوضع اللمسات النهائية توقفت منذ أشهر.
تواجه تونس أزمة شاملة في المالية العامة يمكن أن تزعزع استقرار البلاد مع آثار غير مباشرة قد يتردد صداها بمنطقة وسط البحر المتوسط، وعرضت دول أوروبية تقديم مساعدة بنحو مليار يورو (1.16 مليار دولار) لمحاولة إقناع تونس بالموافقة على برنامج لصندوق النقد الدولي، وكان يفترض وضع اللمسات النهائية على المقترح قبل اجتماع المجلس الأوروبي، لكن ذلك لم يحدث بعد.
يستعرض هذا التقرير أسباب أزمة تونس والصعوبات التي تواجهها للحصول على خطة إنقاذ أجنبية ويحاول الإجابة عن السؤال الصعب: إلى أين يمكن أن تتجه الأمور؟
ضربات متكررة
تعرض الاقتصاد التونسي لضربات متكررة منذ انتفاضة 2011 وأضرت هجمات دامية لمتشددين عام 2015 بقطاع السياحة الحيوي وتسببت جائحة "كوفيد" في 2020 في انكماش الاقتصاد 8.8 في المئة، كما دمر الجفاف الزراعة مما أدى إلى تفاقم العجز التجاري.
وعلى مدى العقد الماضي استمرت الائتلافات الحاكمة الهشة في تجنب اتخاذ قرارات صعبة، ويقول محللون إنها فشلت في التعامل مع مصالح تجارية قوية أعاقت المنافسة، فيما حاولت معالجة مشكلة البطالة من خلال زيادة التوظيف بالشركات الحكومية التي أصبحت غير مربحة.
عام 2021 قال صندوق النقد الدولي إن "فاتورة أجور الدولة تبلغ نحو 18 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي من بين أعلى المعدلات في العالم. بينما يمثل الدعم ثمانية في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وتمثل ديون الشركات الحكومية الخاسرة 40 في المئة منه، وسجل عجز الموازنة العام الماضي 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي فيما وصلت ديون الدولة إلى 77 في المئة منه، ومن المتوقع أن تبلغ حاجات الاقتراض الخارجي لهذا العام أكثر من 5 مليارات دولار".
الأخطار الآن
هناك بالفعل مؤشرات إلى التداعي منها اختفاء سلع أساسية مدعومة وأدوية من المتاجر بشكل دوري، مما يشير إلى مشكلات في تمويل الواردات. وخلال العام الماضي تأخر صرف أجور بعض موظفي الدولة، أما المدة التي يمكن أن تصمد فيها تونس، فمتروكة للتوقعات، في وقت معظم ديون الدولة مستحقة للبنوك التونسية، لكن الفرصة ضئيلة لإقراض الحكومة مزيداً من الدينارات.
وستقوض طباعة النقود لسداد الديون المستحقة للبنوك المحلية أو الوفاء بالتزامات أخرى العملة التونسية، مما قد يؤدي إلى تفاقم جميع المشكلات الأخرى، بينما تخشى الأسواق الدولية أن تتخلف تونس عن سداد الديون السيادية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وخفضت وكالة "فيتش" التصنيف الائتماني لتونس التي يجب أن تسدد أقساطاً كبيرة في وقت لاحق من هذا العام.
في غضون ذلك تضاءل احتياط العملات الأجنبية بنحو الربع، وهو ما يكفي لتغطية نفقات الواردات لمدة 91 يوماً مقارنة بـ 123 يوماً قبل عام، والنقطتان الوحيدتان المضيئتان هما تعافي قطاع السياحة ليدرّ مزيداً من العملة الصعبة على البلاد وانخفاض أسعار الطاقة العالمية مقارنة بالعام الماضي لتتراجع فاتورة الوقود المتوقعة.
الخطة المقترحة
تفاوضت الحكومة التونسية على اتفاق مبدئي للحصول على قرض قيمته 1.9 مليار دولار من صندوق النقد الدولي في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن المحادثات لوضع اللمسات النهائية توقفت منذ أشهر، واستند الاتفاق إلى التزامات بوضع أسس أكثر استدامة للنهوض بالشؤون المالية التونسية وطمأنة المانحين بإمكان سداد القروض، إلى جانب الإصلاحات التي تهدف إلى تنمية الاقتصاد.
واقترحت الحكومة توسيع القاعدة الضريبية وتنفيذ سياسات تستهدف مساعدة الفقراء لتحل محل الدعم الباهظ للوقود والغذاء وإعادة هيكلة الشركات الخاسرة المملوكة للدولة.
العراقيل أمام التغيير
بحسب ما ذكرت وكالة "رويترز" فقد استأثر الرئيس قيس سعيد بسلطات واسعة بعد تجميد البرلمان قبل عامين وحله في 2022 وعارض مقترحات حكومته واصفاً إياها بإملاءات من صندوق النقد، في حين لن يحظى قرار إلغاء الدعم بشعبية كبيرة وقال سعيد إنه يخشى تكرار الاضطرابات التي سقط فيها قتلى في الثمانينيات بسبب ارتفاع أسعار الخبز، وهي أحداث تعرف بـ"انتفاضة الخبز".
ويرفض الاتحاد العام التونسي للشغل القوي، الذي يقول إنه يضم مليون عضو ويمكنه عرقلة الاقتصاد من خلال الإضرابات، خفض الدعم أو خصخصة الشركات المملوكة للدولة، فيما لا يمكن التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد من دون موافقة سعيد ويريده المانحون أن يوافق عليه علناً لمنع تونس من محاولة التراجع عن الإصلاحات المتفق عليها بعد منحها الأموال.
وقال مسؤولون حكوميون إن تونس تحاول التفاوض على اتفاق معدل لا يشمل خفض الدعم، لكن ذلك قد يستغرق وقتاً طويلاً وقد تواجه البلاد صعوبة في إقناع المانحين بزيادة المساعدات.
تونس والحصول على القروض
ويوضح مانحون من الغرب ودول الخليج أن تقديم مساعدات ثنائية كبيرة يعتمد على إتمام تونس لاتفاق صندوق النقد.
ومع هذا تخشى الدول الأوروبية، لا سيما إيطاليا، أن يؤدي انهيار الاقتصاد التونسي إلى تبعات منها تصاعد موجة الهجرة وظهور تهديدات جديدة من متشددين.
وعرض الاتحاد الأوروبي دعماً بنحو مليار يورو (1.16 مليار دولار)، لكن يبدو أن معظمه مرتبط باتفاق صندوق النقد أو إصلاحات اقتصادية أخرى غير محددة.
ومن الممكن أن يتوافر حافز وقدرة على التدخل لدى جارتي تونس المصدرتين للنفط، الجزائر وليبيا، لكن ليس من الواضح على الإطلاق مقدار ما تستطيعان تقديمه. ويترك ذلك تونس في وضع تعتمد من خلاله على منح أصغر بكثير للمساعدة في تغطية واردات معينة أو مشاريع تنموية أو غير ذلك من المشكلات الملحة بمبالغ أقل بكثير من متطلبات الموازنة الإجمالية.