Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عواطف ويأس وغضب: لماذا انضممت إلى تظاهرات باريس برفقة ابنتي؟

أتت صوفيا إلى العاصمة الفرنسية للاحتفال بعيد ميلادها الـ18 ولكن عوضاً عن ذلك علقنا في مذبحة في ضواحي باريس... لن ننسى أبداً ما شهدناه

ملخص

رحلة سياحية لأم وابنتها تتحول إلى وقفة تضامن مع أم نائل من أجل المناداة بالعدالة.

كانت هذه الرحلة إلى باريس برفقة ابنتي المراهقة للاحتفال بعيدها الـ18 مليئة بكل الأمور التي بوسعكم توقعها وتخيلها. نزهات طويلة عبر معالم المدينة البارزة والتاريخية والاستمتاع بوجبات ما بين الإفطار والغداء المليئة بالمخبوزات الراقية الشهية وحلوى الكريب بالشوكولاته والبيض المخبوز.

انطلقنا في جولات أدبية على خطى أمثال جان بول سارتر وسيمون دو بوفوار وتنزهنا عبر حدائق رينوار وصعدنا البنية الحديدية المذهلة لبرج إيفل وأبحرنا في نهر السين مستمتعين بمشهد غروب الشمس فيما نمر بالقرب من كاتدرائية نوتردام وجسر بون نوف، بيد أن كل تلك الرفاهية المترفة تعارضت مع الأخبار المريعة التي انتشرت بصخب في باريس عن مقتل الشاب نائل  (17 سنة)، بشكل مأسوي على يد رجل أمن لعدم امتثاله لأوامر شرطة المرور في مدينة نانتير مساء يوم الثلاثاء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفيما شاهدنا برج إيفل مضاءً على شكل ماسة عملاقة كل ساعة خلال ليلتنا الثانية في مدينة الأنوار، اندلعت أعمال الشغب في منطقة تبعد 20 دقيقة بالقطار نحو الغرب من وسط الضجة السياحية المعتادة والمألوفة.

بصفتي أماً لثلاثة مراهقين شعرت بأنه من المستحيل عدم النزول إلى الشارع وضم أصواتنا ودعمنا للمتظاهرين. تحدثت مع ابنتي بهذا الشأن، وأرادت أن تكون هناك هي أيضاً، وأن تصرخ معهم وترفع الصوت للإعلان عما هو بديهي وواضح: لا ينبغي لأحد أن يحتاج إلى الحماية من الشرطة. رأينا ذلك مرات عديدة أيضاً في المملكة المتحدة، وخصوصاً ضد النساء. نشعر جميعنا بالغضب. لقد حان الوقت لرفع الصوت.

وبدا واضحاً بشكل كبير أن والدة نائل تحتاج إلى دعم الأمهات الأخريات. كنت سأشعر بالأمر نفسه لو كنت في مكانها، ولو كان ذلك يتعلق بأحد أبنائي. شعرت بأنه من المريع الاستمرار بالسياحة بلا مبالاة وتناول الكرواسان وعدم القيام بأي شيء.

لذلك، وجدنا أنفسنا، ابنتي وأنا، في نانتير. هنا، الشوارع لا تهدأ. تسود حالة غريبة ومتوترة تشبه الطقس العنيف الذي يوشك على الانفجار العاصف. المساحة المفتوحة الواسعة لحدائق ألعاب الأطفال والمقاعد المنتشرة كالمربعات على لوحة لعبة الشطرنج بين المجمعات السكنية الملونة ومحكمة العدل من ساحة نيلسون مانديلا بدت كلها خالية.

يصطحب الأهالي أولادهم ممسكين بأيديهم ويمشون معهم سيراً على الأقدام في وقت الغداء من مباني المدرسة في آخر الشارع المحاصر بالكامل والمطوق بعدد كبير من سيارات الشرطة – نحو 30 إلى 40 آلية – إضافة إلى رجال الشرطة الذين يحملون دروع مكافحة الشغب.

يعم جو واضح من "نحن" مقابل "هم"، إذ تقوم الشرطة التي تتجمع بكثافة ويرتدي عناصرها اللباس الواقي، بمنع الدخول إلى الشوارع والطرقات فيما يتناول عديد منهم طعام الغداء على صينيات داخل شاحنات الشرطة. وتحت الجسر الذي يربط مباني جامعية بمجمعات سكنية عائلية ومتاجر، كتبت عبارة "العدالة لنائل" بالطلاء الأحمر. أو بالأحرى، كانت مكتوبة، لأنه في غضون ساعة واحدة تم محو الكلمات وإزالتها.

لوهلة، يخلو المكان من أي صوت ما عدا صفارات الإنذار التي تعلو كأنين مرعب.

ولو كان باستطاعة تلك الصفارات أن تتكلم، أما كنا أملنا في أن تقول "نحن آسفون" أو "نحن أيضاً في حداد على روحه"؟ ولكنها ليست المشاعر التي كانت سائدة. فالمشاعر الطاغية كانت أشبه وأقرب إلى العدوانية وعدم الندم وفوق كل شيء بالقوة والنفوذ.

الشرطة موجودة هنا وبقوة. وهي تسعى لأن يعرف الناس ذلك. بدأت مجموعة من الأشخاص والمراسلين الصحافيين تتجمع عند بوابات المحاكم. بدا الأشخاص صامتين بشكل مريب ومخيف إلى أن بدأت التظاهرة التي تشكلت في جادة بابلو بيكاسو.

سرعان ما تزايدت الأعداد وامتلأت بمشاعر اليأس المؤلمة والهتافات القوية الصادرة من حناجر آلاف الناس الذين رددوا الكلمات المكتوبة باللون الأحمر على الجسر "العدالة لنائل"Justice Pour Nahel.

من المستحيل ألا نهتف مع الجموع ونردد معها الهتافات فيما كنا نسير خلف الشاحنة التي تقل أسرة نائل وأصدقاءه وهم يرفعون لافتات تحمل اسم عزيزهم المرحوم. مشينا معهم، صفقنا وهتفنا معهم. بدا كل شيء مختلفاً تماماً عن المشهد الذي رأيناه في وسط باريس على بعد 11 كيلومتراً من هنا.

بصفتي أماً، وأنا هنا برفقة ابنتي صوفيا، وهي بعمر نائل نفسه، أتساءل إن كان صعد إلى برج إيفل، أو إن كان يحب البيض المخبوز وماذا أراد أن يفعل بحياته.

وأثناء وجودنا هنا تلقت ابنتي مكالمة هاتفية تبلغها بقبولها في الجامعة التي تأمل في ارتيادها العام المقبل. يجب أن تكون حياتها، وحياة جميع المراهقين مثلها، في يدها حصراً. ومع ذلك، تجدنا هنا، نسير مع آلاف الأشخاص الذين يدركون بأن الأمور لا تجري دائماً على هذا النحو.

لم نعد نتنزه على ضفاف نهر السين، بل نحن نشهد على أمر محوري أكثر ونشارك فيه: مطالبة بأمر بديهي وجوهري يبدو من المستحيل أنه يتوجب علينا المطالبة به. المطالبة بالعدالة.

رفعت لافتات كتبت عليها أسماء أشخاص آخرين قتلوا على يد الشرطة في فرنسا. بدا غضب الشبان ومجتمعات الأشخاص ذوي البشرة الملونة ملموساً بشكل مؤلم في نانتير.

كيف بوسع أي شخص الشعور بالأمل في عالم تزهق فيه أرواح الشباب بوحشية من دون سبب؟ تسود هنا رغبة قوية، وكذلك في أماكن أخرى، للإنصاف والعدالة ولحماية جميع أولادنا.

يصرخ المشاركون في التظاهرة "أكره الشرطة"، ويرفعون شعارات كتب عليها "احمونا من الشرطة". أمسكت بيد ابنتي بينما كنت أمشي وأنا أشاهد والدة نائل على سطح شاحنة النقل البيضاء فيما تصرخ من أجل تحقيق عدالة نعرف كلنا أنها لن تعيد ابنها إلى الحياة.

أصرخ من أجل المطالبة بالعدالة لنائل مع الجميع هنا في نانتير وأنا أدرك حق الإدراك بأن أياً من أولادنا لا يحظى بحماية حقيقية إلى أن يحظى بها الجميع سواسية.

فيما تتقدم التظاهرة في ظل طقس يونيو (حزيران) الباريسي الحار، تقوم بقطع كل طريق فيما تقترب من محاكم قصر العدل.

فجأة، يبدو الأشخاص الذين يصفقون ويهتفون ويصرخون وكأنهم لا يشبهون أبداً هذا الخط من سيارات الشرطة. نصرخ كلنا معبرين عن دعمنا فيما نشاهد مُنية، والدة نائل تقف على سطح شاحنة النقل خارج المحكمة وتحمل شعلة مضيئة في يدها.

تبدأ الشرطة بالتجمع لتشكل كتلة صلبة خلف الأسلاك الشائكة، يتغير الجو ويتحول إلى توتر شديد. أتذكر أنه أثناء إبحارنا في نهر السين مساء أمس، شاهدنا ابنتي وأنا قارباً سريعاً للشرطة على متنه رجال شرطة يضحكون على الملأ بينما يجتازون النهر بلا مبالاة بسرعة هائلة كالرصاصة.

وحينها، كما الآن، سألتني ابنتي بصوت منخفض لماذا يتصرفون هكذا، ولكنها أجابت بنفسها عن سؤالها: "لأنهم قادرون على ذلك".

بدأت الشرطة بإطلاق القنابل المسيلة للدموع على المتظاهرين. وامتلأت السماء بالدخان المتصاعد، وأخذ الناس يمسحون أعينهم بقمصانهم فيما غادرت نانتير بعينين حمراوين، من أجل سلامة ابنتي وأنا أدرك في قرارة نفسي أننا محظوظتان للغاية في وقت ليس الجميع فيه كذلك. غادرت وأنا أعرف أن هتافات "العدالة لنائل" ستتردد في أذني لفترة طويلة بعد مغادرتنا.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات