كلنا سمع تلك الكلمات. تأكد أنك تمضي وقتك مع أشخاص ينسجمون مع ما ترغب أن تكونه حياتك (الأفضل أن يكونوا "أفضل" منك كي ترتقي معهم). إنه أمر مؤثر. إنه محمّل بشحنة من التحريض.
لكنه ليس صحيحاً تماماً.
في الأقل، ليس صحيحاً بالطريقة التي تظنها. إذ يصح القول إنّك تتأثر بالأشخاص المحيطين بك، لكن ذلك التأثير لا يتوقّف عند الأشخاص الخمسة الذين تقضي معظم أوقاتك معهم. يتأتى التأثير من مصادر أوسع انتشاراً، وتشي البحوث بأنه يشمل حتى أشخاص لم تقابلهم.
إذ تفحّصت أولى الدراسات عن مدى التأثير الاجتماعي، البيانات التي تضمّنتها "دراسة فرمنغهام للقلب"، التي تعتبر إحدى أشمل الدراسات وأوسعها في المدى الزمني في التاريخ. ويعود سبب التدقيق في تلك البيانات إلى إدراك البحّاثة أنها تتعلّق بأمور أوسع من صحة القلب. إذ وثّقت دراسة فرمنغهام كل مناحي الأحوال الصحية للمشاركين، وكذلك طرحت عليهم أسئلة عن المناحي الديموغرافية والعائلية والاجتماعية، بما فيها العلاقة مع الأصدقاء.
جرى تحليل تلك البيانات كلها من منظور تأثير العائلة والأصدقاء أمر سهل نسبيّاً ويمكن قياسه موضوعيّاً، ألا وهو السُمنَة. ووفقاً للنتائج، إذا كان لديك صديق يعاني السُمنَة ترتفع إمكانية إصابتك بها بقرابة 45 في المئة خلال فترة تتراوح بين سنتين و4 سنوات. وثمة أمر أشد إثارة يتمثّل في توصّل التحليل إلى أنه إذا كان صديق صديقك يعاني السُمنّة، فسترتفع إمكانية إصابتك بها بحوالى 20 في المئة حتى لو لم تتعرف إلى ذلك الصديق لصديقك. وإذا أصيب صديق صديق صديقك بالسُمنَة، فسترتفع إمكانية إصابتك بها بحوالى 10 في المئة. إذاً، أصدقاؤك يجعلونك بديناً، وكذلك يفعل أصدقاؤهم وأصدقاء أصدقائهم.
ولأن دراسة فرمنغهام شملت مدى زمنياً مقداره ثلاثون سنة، استطاع المشرفون عليها إظهار علاقة سببيّة مباشرة بين أصدقاء المرء (وأصدقاء الأصدقاء) والزيادة في الوزن. وفيما سعى البحّاثة إلى تفسيرات متنوّعة، فإن العنصر الأكثر ترجيحاً تمثّل في المعايير والقيم. إذا كان صديقك أو صديقه بديناً، فإن ذلك يبدّل مفهومك عن الوزن المقبول، بالتالي تتغيّر سلوكياتك وفقاً لذلك.
ولا يتوقف الأمر عند البدانة. إذ أظهر تحليل لبيانات جاءت من متابعة العيّنة الواسعة التي شملتها الدراسة الأولى، وجود علاقة مماثلة مع التدخين ومعدّلاته. وباستخدام شبكة المعلومات الاجتماعية التي استُخدِمَتْ في "دراسة فرمنغهام للقلب"، توصّل البحّاثة إلى أنه إذا كان صديقك مُدخّناً، فستزيد قابليتك للتدخين بحوالى 61 في المئة. وإذا كان صديق صديقك من المدخنين، يزداد ميلك إلى التدخين بحوالى 29 في المئة. وإذا كان صديق صديق صديقك مُدخّناً، فلسوف تزيد إمكانية أن تصبح مُدخّناً بحوالى 11 في المئة.
ولعل المنحى الأشد دلالة كان السعادة. إذ برهن البحّاثة على الأصدقاء السعداء يجعلونك أكثر سعادة، ولعل ذلك بحد ذاته ليس مُفاجئاً. لكن، إذا كان أصدقاء أصدقاء أصدقائك سعداء في حياتهم، ترتفع إمكانية أن تغدو سعيداً بحوالى 6 في المئة. ربما لا تبدو نسبة الستة في المئة أمراً وازناً، لكن تذكّر أن ثمة دراسات بيّنت أنه إذا أعطيتك 10 آلاف دولار، فلن ترتفع سعادتك إلا بنسبة 2 في المئة!
يشكّل أصدقاؤك مستقبلك فعليّاً. ويتأتى من ذلك أنه يتوجّب عليك التدقيق في الأشخاص الذين تصرف معظم أوقاتك معهم. يتوجّب عليك أن تتفحص شبكة علاقاتك كلها، وتفكر في طريقة تأثيرها في حياتك. يتوجّب عليك أن تفكر في أنك مُحاط بشبكة أوسع يكونّها محيطك الاجتماعي. إذاً، ألقِ نظرةً متفحصة على ما يحيط بك، وتأكد من أنك تحيا في محيط مناسب.