ملخص
اتهمت أطراف ليبية السفير الأميركي باستنساخ صفقة النفط مقابل الغذاء في ليبيا بطرحه لآلية تديرها بلاده لتوزيع موارد النفط على الليبيين.
أشعلت تصريحات جديدة للسفير الأميركي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند في خصوص النفط فتيل أزمة بينه والسلطات في الشرق الليبي بعد أن حذرها من مغبة العودة لاستخدام ورقة النفط للضغط على الخصوم السياسيين في طرابلس، مما اعتبره البرلمان والحكومة التابعة له تدخلاً غير مقبول في الشأن الداخلي.
تصريحات نورلاند حول النفط تضمنت تسويقاً جديداً لمبادرته لتقاسم إيرادات النفط الليبي التي ينظر إليها معظم الليبيين بحساسية وتوجس ويشبهونها بصفقة "النفط مقابل الغذاء" السيئة السمعة التي أوصلت الشعب العراقي إلى حافة الجوع في الفترة التي تلت سقوط نظام صدام حسين عام 2003.
تحذير أميركي
ودعا نورلاند في تصريحاته التي أغضبت سلطات الشرق الليبي، "القادة الليبيين إلى وضع آلية شاملة للتحكم في الإيرادات النفطية كطريقة بناءة لمعالجة التظلمات حول توزيع عائدات النفط ولإرساء الشفافية من دون المخاطرة بسلامة اقتصاد ليبيا أو الطبيعة غير السياسية للمؤسسة الوطنية للنفط".
كما طالب "الفاعلين السياسيين الليبيين بالابتعاد عن التهديد بإغلاق النفط الذي من شأنه أن تكون له تداعيات مدمرة على الاقتصاد الليبي وستضر بكل الليبيين".
هذه التصريحات للسفير الأميركي قوبلت بحملة من الانتقادات وسلسلة من البيانات الرسمية الرافضة لها من البرلمان والحكومة التي تتبعه في بنغازي، إذ اعتبرت "تدخلاً مرفوضاً في الشؤون الداخلية للبلاد".
رئيس لجنة الطاقة في مجلس النواب عيسى محمد العريبي قال في بيان إن "ما يهم السفير الأميركي هو تدفق النفط والغاز، ولا ينظر إلى معاناة أهل برقة وفزان وبعض مناطق طرابلس ولا ينظر إلى فساد الحكومة المنتهية الولاية"، في إشارة إلى حكومة عبدالحميد الدبيبة في طرابلس،
مضيفاً أن "إغلاق النفط شأن ليبي ونرفض التدخل فيه، كما نؤكد التوزيع العادل للثروة بين كل الليبيين".
هجوم العريبي على السفير الأميركي أيده بيان أصدره 76 عضواً في مجلس النواب أعلنوا ضمنه "تأييد قرار الحكومة الليبية بالحجز الإداري على إيرادات النفط، وإجراءات رئيس الوزراء في الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب، دفاعاً عن قوت الليبيين ولكبح جماح الفساد المتفشي في موارد الدولة الليبية الذي توج بالحجز الإداري على إيرادات النفط بحكم من السلطة القضائية المستقلة".
ورفض النواب "التدخل في أحكام القضاء أو تسييسه بعدما حكمت السلطة القضائية باسم الشعب بحراسة القضاء على إيرادات الدولة".
انتقاد حكومي حاد
واستخدم رئيس وزراء الحكومة المكلفة من البرلمان أسامة حماد لهجة أكثر حدة للرد على تصريحات نورلاند، متهماً إياه بـ"الانحياز لطرف سياسي واحد في البلاد"، وطالب في سلسلة من التغريدات على حسابه في "تويتر" المبعوث الأميركي الخاص إلى ليبيا بـ"احترام سيادة القضاء الليبي وعدم التدخل بالانحياز لأي طرف كان وعدم تغليب المصالح الخارجية على مصالح الشعب الليبي وحقوقه وعدم إلقاء التصريحات الإعلامية من دون معرفة أو دراية بحقيقة الأمور لأن ذلك يعتبر تدخلاً سافراً في شؤون الدولة الليبية".
ورأى أن "تصريحات المسؤول الأميركي مبنية على دعم طرف واحد مستفيد من إهدار أموال الشعب، في ظل عدم وجود آلية صحيحة وشفافة لإدارة عائدات وإيرادات النفط والغاز".
وقال حماد "عندما لوحنا بتجميد الإيرادات النفطية ووضعناها تحت الحراسة القضائية، قصدنا بذلك أنه في حال عدم التزام المؤسسات المعنية في طرابلس تنفيذ أحكام وقرارات القضاء للحفاظ على قوت الليبيين الذي وقع تحت تصرف حكومة منتهية الولاية تبدده بالمجان".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتتهم الحكومة المدعومة من البرلمان، حكومة الوحدة في العاصمة طرابلس بإهدار المال العام وباستغلال عوائد النفط في شراء الولاءات بالداخل والخارج من أجل البقاء في السلطة، وتطالب بالحجز الإداري على أموال النفط المودعة في حسابات مؤسسة النفط والمصرف المركزي والمصرف الليبي الخارجي.
وقالت الحكومة المكلفة من البرلمان في بيان الشهر الماضي إنها "استكملت إجراءات الحجز الإداري على إيرادات النفط لعام 2022 وما بعده التي تزيد على 130 مليار دينار (27 مليار دولار) استناداً إلى الإعلان الدستوري في مبدأ التوزيع العادل للثروة".
وتستحوذ الحكومة المعينة من مجلس النواب على أكثر من 65 في المئة من إنتاج ليبيا من النفط من مناطق تحت سيطرتها في شرق ليبيا وجنوبها.
حياد مؤسسة النفط
من جهتها اختارت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا النأي بنفسها عن الصراع المشتعل على الموارد النفطية، وقال المكتب القانوني في المؤسسة إن "عملية توزيع الإيرادات النفطية ليست من اختصاصات المؤسسة بحسب قانون إنشائها واختصاصها يقتصر على تنمية وتطوير القطاع النفطي فقط".
ورأى المكتب القانوني أن "الغرض من إدخال المؤسسة في عملية التوزيع هو انحرافها عن دورها الحقيقي والتورط في متاهات لا تتناسب مع اختصاصها الأساسي"، لافتاً إلى أن "المؤسسة ليس لديها حساب خاص لتلقي إيرادات النفط، بل تودع في حساب مصرف ليبيا الخارجي".
النفط مقابل الغذاء
المحلل السياسي عز الدين عقيل اعتبر أن الغرض الرئيس من تصريحات نورلاند هو الترويج من جديد لمشروعه الخاص بتقاسم إيرادات النفط.
وقال "بعد فترة بيات لئيم لامتصاص شدة المعارضة التي واجهها هذا المشروع، نورلاند يعود من جديد لتسويق آلية ’النفط مقابل الغذاء‘ الكارثية باسم عدالة التوزيع على الليبيين الذين هم آخر من يهتم هذا الشخص لأمرهم".
في المقابل حذر المحلل الاقتصادي سليمان الشحومي من عواقب خطرة لإيقاف ضخ النفط من جديد، مؤكداً أنه من "غير المقبول وغير المسموح أن يتم إيقاف النفط باعتباره يشكل مصدر الدخل الأساسي، ويعدّ المسهم الأكبر في الناتج القومي الإجمالي، بالتالي إيقافه بمثابة عملية انتحارية جماعية، فهذا الأمر تترتب عليه أخاطر كبيرة جداً".
وأشار إلى أن "إيقاف النفط يبدأ تأثيره من الناحية الفنية في مستوى حقول الإنتاج، فهناك مسائل تحتاج إلى ترتيبات فنية معقدة حتى يتم إيقاف التصدير، وتفريغ الخزانات وكذلك إيقاف عمل المضخات، وحتى بعد إعادة تشغيلها لن تكون بمستوى كفاءتها المعتادة، وتكرار عملية إيقاف النفط سيؤدي إلى تعقيدات فنية على مستوى القدرة على الإنتاج في الحقول".
كما حذر الشحومي من "هز الثقة بالسوق الليبية والصادرات الليبية بتكرار عمليات الإيقاف، ومن ثم إعراض كثير من المشترين عن شراء النفط الليبي، أو اللجوء إلى مسألة خفض في السعر بسبب عدم الانتظام".
وخلص إلى أنه "من الناحية الاقتصادية المالية على البلاد، فإن تعثر الإنتاج ينعكس سلباً على توافر الإنفاق العام، بالتالي ستعجز الحكومة عن تلبية النفقات ويكون هناك ضغط كبير جداً على مصرف ليبيا المركزي لتلبية نفقات الحكومة عبر الدين العام وسينعكس كل ذلك على ميزان المدفوعات الليبي".