ملخص
دور الاتحاد الأفريقي قاصر تجاه الإنسان وأخطر ما يواجهه هو تجذر الثقة في آلياته ورموزه
تتوالى قمم الاتحاد الأفريقي ويبحث الإنسان الأفريقي عن أمر ملموس في صلب ما يعانيه من مشكلات ولا يجد، إذ لا يزال الواقع الأفريقي يعاني الحروب والجوع ومهددات المناخ وأزمات تتبادلها دول القارة، من دون ضمانات بتحقيق الاستقرار في ظل دور قاصر للاتحاد، سواء في تحرير الإنسان مما يواجه من مشكلات، فضلاً عن الانتقال به إلى واقع أفضل، فأين يظهر دور الاتحاد في قضايا الإنسان الأفريقي؟ وهل للاتحاد الأفريقي صدقية واستقلال حقيقيين في مواجهة قضايا دوله وشعوبه؟ وما الملموس للإنسان الأفريقي من منظمته؟
تتسم أدوار الاتحاد المباشرة وجهوده تجاه مشكلات القارة وقضاياها بالإخفاق مقارنة بالبعد الإعلامي وبؤر العلاقات والفرص المتاحة والعمر الحقيقي لنشأة منظمة الوحدة الأفريقية الحاضنة الأولى للاتحاد الأفريقي، ويبلغ مجمل العمر الآن 60 عاماً، ولا تزال قضايا مثل الإرهاب والصراعات الداخلية المسلحة والجوع والمشكلات الإقليمية من سياسية واقتصادية، تمثل تحديات إلى جانب قصور المنظمة عن الوقوف مع إنسانها لتشعره بالطمأنينة.
ليبيا مثالاً
وتشير بعض الدراسات إلى مشكلات بعينها مثل فشل الاتحاد الأفريقي في القيام بأدوار فاعلة في الحروب الأهلية في دول مثل مالي، المستعمرة الفرنسية التي حصلت على استقلالها منذ عام 1960، ولا تزال تشهد عدم استقرار منذ أكثر من ستة عقود بسبب الصراع بين إقليمي الشمال والجنوب وضعف السلطة السياسية.
وبينما يشار إلى إنجاز المنظمة الأفريقية في وقف الحرب الأهلية الرواندية بين عرقيتي الـ "هوتو" والـ "توتسي" عبر "اتفاق أروشا للسلام" والمصالحة الذي تم التوصل إليه عبر "منظمة الوحدة الأفريقية" في أغسطس (آب) 2000، لا تزال ليبيا تشكل مثالاً على الفشل بعد سقوط نظام معمر القذافي، الى جانب أزمات سياسية تعانيها شعوب دول مثل الكاميرون وأفريقيا الوسطى، والانفلات الأمني في دول الساحل والصحراء.
وكان عضو مجلس النواب الليبي عبدالسلام نصيه دعا "الاتحاد الأفريقي إلى إعادة حساباته لاستعادة دوره المفقود في ليبيا، والاستفادة من حال عدم التوافق الدولي والإقليمي حول الأزمة، بخاصة في ظل ما يمتلكه من قوة تصويت كبيرة داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة".
وقال في تصريحات صحافية "إن استمرار تراجع دور الاتحاد الأفريقي في مساعدة الليبيين على الخروج من أزمتهم زاد الهيمنة الغربية على الملف الليبي ووسع حجم التدخلات الراهنة من قبل البعثة الأممية ودول إقليمية"، مشدداً على "انعدام ثقة قطاع كبير من الليبيين في الاتحاد الأفريقي".
تغيير نوعي
وفي السياق أضيفت أخيراً إلى مشكلات الإنسان الأفريقي وفشل منظمته القارية مشكلة السودان الحديثة التي تسببت بمقتل 3 آلاف شخص تقريباً ونزوح 3 ملايين خارج ديارهم.
وترصد دراسة الباحث بمعهد البحوث والدراسات الأفريقية في جامعة القاهرة باسم رزق "عدم قدرة الاتحاد الأفريقي حتى على إحداث تغيير نوعي في أزمات مثل الوضع في دارفور، والتي تشكلت فيها قوة حفظ الأمن الأفريقية الخاصة التي يشار إليها اختصاراً باسم ’أميس‘ (AMIS) منذ عام 2004، كما تشهد دارفور حالياً تطهيراً عرقياً هو الأسوأ، وسط صمت مطبق من الاتحاد الأفريقي إلى جانب تجاهل الجهات دولية".
وخلال القرن الماضي شهد الصومال انهياراً أمنياً واقتصادياً، وإلى جانب ردود الفعل الدولية لم يحل الدور الضعيف للاتحاد من دون تمكن الإرهاب وانتشار أعمال قرصنة على الشواطئ الصومالية، ليعقب ذلك سيطرة حركة "الشباب" الإرهابية علي بؤر في العمق وتفرض واقعاً ضمن المشهد الصومالي الحالي، على رغم وجود بعثة تابعة للاتحاد في الصومال منذ عام 2003".
هذه النماذج المتباينة تشير إلى فشل في تحقيق الأمن الأفريقي، وهو المهمة الرئيسة التي من المفترض أن تكون على رأس أولويات المنظمة لضمان حماية إنسان القارة وتوفير البيئة الصالحة للعيش.
انتقال السلطة
وعلى مستوى آخر تقول بعض الآراء إن الاتحاد الأفريقي حقق تطوراً تجاه مسألة انتقال السلطة في القارة الأفريقية في سبيل التخلص من أسلوب الانقلابات العسكرية الذي ظل سمة بارزة لكثير من الدول الأفريقية المستقلة، وترصد بعض المصادر أن دول القارة الأفريقية عانت 176 انقلاباً عسكرياً خلال العهد الحديث، وتمكن الاتحاد من البناء على التوجه المؤسس والمبني على "ميثاق لومي" عام 2002 لتفعيل الآليات اللازمة للضغط، ومحاصرة أي تحرك عسكري من قبل الجيوش الوطنية الأفريقية يسعى إلى الاستيلاء على السلطة عبر الانقلابات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن حتى هذا الإنجاز يراه آخرون ناقصاً في ظل عدم توفر ديناميكية استقلال حقيقي للاتحاد تحصنه من الضغوط والتدخلات الخارجية التي تحد من إرادته، ويقول أستاذ القانون الدولي بجامعة مامون حميدة بالخرطوم خالد عثمان طه إن "ما يوصف بالإنجاز في دحر الانقلابات تشوبه ازدواجية معايير"، ليعطي مثالاً على ذلك "بانقلابات عسكرية شهدتها دول أفريقية معروفة لم تتعرض للمساءلة أو العقاب، في حين أبطل مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي عضوية ومشاركة دول أخرى في جميع أنشطته، مثل السودان وغينيا كوناكري ودولة مالي وبوركينا فاسو، بسبب ما وصفه بالتعدي على الشرعية الديمقراطية".
وتكشف أوساط معينة إشكاليات حقيقية تشوب معالجات القضايا. ويصف الناشط السياسي إبراهيم محمد العجب دور الاتحاد في ظل الواقع الحالي "بالهزيل مقارنة بما يلاقيه الإنسان الأفريقي من مشكلات متنوعة"، مضيفاً أن "من أخطر ما يواجه الاتحاد الأفريقي من تهديد في ظل القصور الحالي هو تجذر الثقة بآلياته وأشخاصه، سواء نتيجة تقصير أو بوصم التحرك غير السديد".
أزمة الجوع
وعلى مستوى إنساني آخر تشكل كارثة الجوع قضية عالمية يتعرض لها الإنسان الأفريقي، وتشير منصة "المستقبل الأخضر لأبحاث البيئة وتغير المناخ" إلى "تعرض 20 مليون شخص في منطقة الساحل إلى انعدام الأمن الغذائي، وتنقل عن مسؤولين في الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية أن الوفيات في أفريقيا تتفاقم بسبب الجفاف نتيجة تغير المناخ والصراعات".
وبينما تتحدث نيات الاتحاد الأفريقي وخططه عن "دعم القدرة على تمويل الخطط القارية للتنمية ما بين الأعوام 2013 و2063" المطلوب لتموليها مئات مليارات الدولارات، يحذر نشطاء وخبراء من أن أفريقيا تواجه حالياً أزمة غذاء غير مسبوقة، وهناك حالة وفاة بسبب الجوع كل 36 ثانية في المتوسط، في كينيا وإثيوبيا والصومال والسودان، وفق تقارير حديثة مشتركة لكل من منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) ومنظمات غير حكومية مثل "كير" و"أوكسفام".
نادي الحكومات الأفريقية
وقال الباحث في الشؤون الأفريقية عباس محمد صالح إنه "مع تزايد الصراعات والأزمات واجه الاتحاد الأفريقي انتقادات حادة لفشله في إدارة بعض أبرز ملفات الصراع في القارة السمراء، كما واجه نقداً في محاباته الحكومات والأنظمة بدل الانحياز إلى مبادئه وقيمه التأسيسية التي قد تنطلق من الشعوب وترتكز عليها كهدف أسمى"، مضيفاً أنه "وبشكل أكثر تحديداً برزت هذه الانتقادات مجدداً مع عودة ظاهرة الانقلابات العسكرية والسيطرة على السلطة بالقوة، وكذلك الثورات الشعبية التي أطاحت بكثير من الأنظمة مما شكل تحدياً كبيراً لمؤسسات الاتحاد، وضرورة الموازنة بين احترام إرادة الشعوب والانحياز لمصلحة الأنظمة والحكومات".
وأشار إلى أنه "نتيجة لعدم التوفيق في ذلك تآكلت سمعة الاتحاد الأفريقي لدى الشعوب، لا سيما لدى الأجيال الصاعدة التي تشعر بفجوة واسعة بينها وبين الاتحاد، باعتباره مؤسسة فوقية لا تشعر هذه الأجيال بالانتماء إليها، بخلاف الأجيال التي عاصرت مرحلة تأسيس المنظمة وحقبة مناهضة الاستعمار التي عززت شعارات التضامن والوحدة تحت مظلة منظمة الوحدة الأفريقية، مما رسخ من شعبيتها لدى الشعوب في مختلف دول القارة".
وتابع، "علاوة على ذلك وفي عصر وسائل التواصل الاجتماعي وصعود الحركات الشعبية والجماهيرية المناهضة للحكومات القائمة حالياً وسائر أنظمة ما بعد الاستعمار، يواجه الاتحاد الأفريقي أيضاً تحديات من نوع مختلف تفرض عليه التحرر من كونه مجرد ناد للحكومات إلى مظلة تتماهى مع تطلعات ورغبات الشعوب".
وزاد، "وفي مواجهة النقد الحاد الذي يوجه للاتحاد بأنه اصبح فقط ناد للحكومات، وبالتالي لا يهتم بالشعوب بالقدر الكافي، تضمنت أجندة 2063 الطموحة اتخاذ سياسات وقرارات وبرامج ترتكز على الناس وليس فقط على الحكومات والدول".