ملخص
المعارضة التونسية تنوي استحضار سيناريو انتخابات البرلمان التي شهدت عزوفاً شعبياً وسياسياً واسعاً في الاقتراع المحلي المقبل.
كشفت مصادر سياسية من المعارضة التونسية لـ"اندبندنت عربية" عزم عديد من هذه القوى، بما في ذلك تلك التي تنضوي تحت لواء "جبهة الخلاص الوطني"، مقاطعة الانتخابات المحلية التي تجهز لها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وذلك في استحضار لسيناريو انتخابات البرلمان التي شهدت عزوفا شعبياً وسياسياً واسعاً.
وأضافت المصادر أن المعارضة في تونس تسعى إلى الضغط على الرئيس قيس سعيد من أجل الذهاب إلى انتخابات عامة مبكرة، لكن حظوظ هذا الضغط تبدو ضئيلة، بحسب المصادر نفسها، لاسيما بعد تركيز البرلمان وإحراز الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تقدماً في التحضير الانتخابي المحلي بما في ذلك إعلان التقسيم الإداري الجديد للبلاد.
وهذه الانتخابات هي ثالث محطة سياسية بارزة في إطار مسار سياسي شامل أطلقه الرئيس قيس سعيد في الـ25 من يوليو (تموز) 2021 عندما أطاح بالبرلمان والحكومة المنتخبين، وبدأ العمل بالمراسيم الرئاسية في خطوة وصفها خصومه بـالانقلاب، لكنه أكد ضروريتها لتصحيح مسار انتفاضة شهدتها البلاد عام 2011.
مقاربة انتخابية
المصادر التي تحدثت شريطة عدم ذكرها، كشفت عن أن تركيز المعارضة ينصب على ضرورة التسريع بانتخابات عامة، وتركيز الهيئات القضائية على غرار المحكمة الدستورية، لكن نجاح هذه الضغوط يبقى صعب المنال في ظل نجاح الرئيس سعيد في فرض مقاربته للوضع السياسي في تونس.
وقال رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي إن "الجبهة قاطعت الاستفتاء والاستشارة الوطنية والانتخابات البرلمانية، كما قاطعها الرأي العام، لتؤكد الفشل الذريع لسياسات قيس سعيد".
وتابع الشابي القول إنه "بالنسبة إلى الاستحقاق المقبل فنحن نريد ونطالب بانتخابات عامة سابقة لأوانها سواء كانت برلمانية أم رئاسية أم محلية، وأيضاً تجديد الهيئات الدستورية وهذا لن يتحقق بسواها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشدد رئيس جبهة الخلاص الوطني على أنه "في كل الأحوال هناك ظروف يجب أن تتوفر لإجراء الانتخابات من بينها الشفافية وحياد الهيئة المشرفة على الاستحقاقات، وكذلك المساواة في تكافؤ الفرص سواء على مستوى الحرية أو غير ذلك، وهي ظروف منعدمة الآن صراحة".
وتتألف جبهة الخلاص الوطني من أحزاب سياسية عدة على غرار حركة النهضة (الذراع السياسية لتنظيم الإخوان المسلمين)، وحزب "قلب تونس"، وكذلك "حراك تونس الإرادة"، وحركة "أمل"، وهي جبهة قاطعت الاستفتاء الذي أفرز دستوراً جديداً أعاد البلاد للنظام الرئاسي القوي في يوليو 2022.
وفي الـ17 من ديسمبر (كانون الأول) 2022 شهد الدور الأول للانتخابات البرلمانية عزوفاً واسعاً من التونسيين بعد دعوة عديد من القوى السياسية المعارضة البارزة إلى مقاطعته وهو ما عد نصراً لها، لكنها خرجت ضعيفة منه، إذ باتت خارج المؤسسات المنتخبة وفي مقدمها مجلس النواب.
عزوف مرتقب
وبعد استكمال الدور الثاني من الانتخابات البرلمانية شهدت تونس موجة إيقافات سياسية استهدفت أبرز رموز المعارضة على غرار الأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي، وأمين الحزب الجمهوري عصام الشابي، وكذلك عضوي جبهة الخلاص جوهر بن مبارك وشيماء عيسى وغيرهم، وذلك على ذمة قضية تعرف بالتآمر على أمن الدولة، وهو ما زاد من متاعب المعارضة التي لم تعد قادرة على تحريك الشارع أصلاً.
ولم يحدد بعد موعد الانتخابات المحلية، لكن رئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر قال في وقت سابق إن الكلمة الفصل في شأن ذلك تعود لرئيس الجمهورية الذي أصدر قراراً بحل المجالس البلدية كافة البالغ عددها 350 مجلساً، وأقر في المقابل مرسوماً حول تنظيم العملية الانتخابية، مما دفع الهيئة إلى بدء تحضيرات مكثفة للاستحقاق المرتقب في هذه الصائفة الساخنة سياسياً في تونس.
ومن غير الواضح ما إذا ستنجح السلطات المختصة في تونس في كسر العزوف الشعبي عن الانتخابات خصوصاً بعد تسجيل أدنى نسبة مشاركة في الاستحقاق التشريعي التي بلغت 11.22 في المئة من مجموع 9.2 مليون ناخب، بحسب أرقام الهيئة.
مكتسبات واقعية
وفي السياق قال الباحث السياسي محمد ذويب إن "السيناريو لن يكون مختلفاً عن الانتخابات البرلمانية الأخيرة في الاستحقاق المحلي، فنسبة العزوف ستكون كبيرة جداً، وهذا لا شك فيه، لكن ذلك لن يغير شيئاً أيضاً في الواقع السياسي التونسي طالما أن الرئيس يمسك أطراف اللعبة بيديه".
وأضاف ذويب "مع معطى جديد في الواقع يتمثل في نجاح الرئيس قيس سعيد في استمالة القوى الخارجية إلى صفه، وبخاصة دول الاتحاد الأوروبي، وتفادي أي ضغط خارجي قد يمارس عليه، وهو ما من شأنه أن يجنبه أي انتقادات حول ضعف المشاركة المرتقب أو غير ذلك".
ومن الواضح أن المقاطعة المرتقبة لقوى المعارضة للانتخابات المحلية سيكون لها تداعيات عليها نفسها خصوصاً في ظل التشتت الذي يعصف بها، إذ لم تقدر غالبية مكونات هذه المعارضة على توحيد صفوفها أو الدخول في تحالفات طوال الأشهر الماضية، فعلى رغم اتفاقها على مناهضة تحركات الرئيس سعيد وخططه، إلا أن أجندات وإيديولوجيات قوى المعارضة تمنعها من الوصول إلى تقارب من شأنه خلط أوراق المعادلة السياسية.
عزلة سياسية
واعتبر ذويب أن "الانتخابات المحلية لها أهمية من الناحية السياسية أكثر من البرلمانية في النظام السياسي الجديد في تونس، ولذلك فإن غياب المعارضة عنها سيساهم في عزلتها أكثر مما هي عليه الآن، ويعطي فرصة أكبر للمستقلين لصنع القرار وملء الفراغ".
ولم تفلح قوى المعارضة في استغلال تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في تونس لفائدتها، إذ لا يزال الرئيس سعيد قادراً على اتخاذ قرارات مثيرة لكن من دون أن يلقى معارضة قادرة على عرقلته، وهو ما يجعل من مستقبل معارضيه السياسيين على المحك لاسيما بعد سجن أبرز قادتهم.
وستعني مقاطعة المعارضة التونسية المرتقبة للانتخابات المحلية ارتخاء قبضة "حركة النهضة الإسلامية" على البلديات بعد فوزها في الاستحقاق السابق الذي نظم في عام 2018 بنسبة 28 في المئة متفوقة على حزب "نداء تونس" الذي حل ثانياً بنسبة 20.85 في المئة.