ملخص
تجددت الاشتباكات في بلدة سبيطلة بعد مقتل شاب، واتهم الأهالي أمنيين بإطلاق النار
تعيش تونس على وقع أيام عصيبة مع تصاعد أزمة المهاجرين القادمين من دول أفريقيا جنوب الصحراء، وغذى تجدد الاشتباكات بين الشرطة ومحتجين في بلدة سبيطلة من ولاية القصرين، بعد مقتل شاب، الانقسام السياسي، وفي الشارع أيضاً، بين من يرى أن هذه الأزمات مدبرة لإرباك السلطة بقيادة الرئيس قيس سعيد وآخرين يحملون السلطة نفسها مسؤولية هذه الأزمات.
والرئيس سعيد نفسه حذر، قبل يومين، خلال زيارته مقر وزارة الداخلية من أن "هناك من يحاول تأجيج الأوضاع ويقف من وراء الستار ولا مجال للتسامح مع هؤلاء" من دون أن يذكر الأطراف المعنية، وذلك في وقت تم فيه تنقل مئات المهاجرين من جنسيات أفريقية من ولاية صفاقس الساحلية إلى مناطق مثل سوسة والعاصمة.
والخميس الماضي تجددت الاشتباكات في بلدة سبيطلة بعد مقتل شاب، واتهم الأهالي أمنيين بإطلاق النار الأمر الذي نفته السلطات المحلية، الأمر الذي يقود إلى تزايد الضغط على السلطة التي تجد نفسها مشتتة بين فرض الأمن ومعالجة ملف المهاجرين في الداخل والتفاوض، في الوقت عينه، مع الأوروبيين في شأنهم.
مؤامرات
واستعان عديد من الأحزاب السياسية الموالية للرئيس سعيد بنظرية المؤامرة في تفسير أحداث سبيطلة وموجة الهجرة غير النظامية. وقال القيادي في "حركة الشعب" هيكل المكي إن "ما يحدث في سبيطلة دبر بليل، ما يحدث ليس عفوياً خصوصاً بعد بث خطابات تدعو إلى العنف، منها خطابات بثت في إذاعات وتدعو إلى تصفية أمنيين أصلاً". وتابع المكي في تصريحات بثتها وسائل إعلام محلية "مهما كان حجم المأساة بوفاة شاب تونسي، فإن هذا لا يشرعن تجريم مؤسسة أمنية بأكملها، المسؤول عن إطلاق النار أو قتل الشاب يتحمل مسؤوليته سواء كان أمنياً أو لا، لكن تهديد أمن البلاد برمته أمر غير معقول".
من جانبه، قال الناطق الرسمي باسم "حزب التيار الشعبي" المؤيد للرئيس، سعيد محسن النابتي "يجب الفصل بين المسارات لأن هناك اضطرابات تحدث بشكل دوري في تونس مثل ما يحدث في سبيطلة، لكن هناك طبعاً أزمة أخرى موجودة ولا يمكن نكرانها في قضية المهاجرين الأفارقة".
وأوضح النابتي أنه "إلى حد الآن هذه أحداث معزولة وتقع يومياً في وضع اقتصادي هش في مناطق يسيطر عليها التهريب، وفي وضع يتسم بالاحتقان على خلفية أزمة المهاجرين، وأيضاً الأزمة المالية، من الطبيعي أن تحدث بعض الأحداث ولا أعتقد أن الأمور ستصل حد الانفجار الاجتماعي". وشدد على أن "الدولة مدعوة، في المقابل، إلى سياسة ناجعة وعلاقة واضحة بالمهاجرين، ويجب اختيار المصطلحات والتحليلات وعدم التعاطي مع المهاجرين وكأنهم مجرمون بل بالعكس هم ضحايا".
ورأى النابتي أن "الأحزاب التي تصدر بيانات تتهم الشعب التونسي والأمن بالعنصرية، فهذا غير صحيح، لا توجد أي عنصرية في تونس وحتى عمليات الترحيل التي يتم الترويج لها غير صحيحة، والترحيل عملية صعبة ومعقدة لم تعرفها البلاد بعد، مما يعكس تجنياً وعدم فهم لمعنى الترحيل، هؤلاء يسعون إلى استغلال هذه الأزمات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما هيكل المكي فاعتبر أن "هناك جوقة غير وطنية في تونس تسعى إلى وسم البلاد بالعنصرية، هؤلاء يريدون تصفية الحسابات السياسية مع مسار الـ25 من يوليو (تموز) الذي يقوده سعيد بهذه الأزمة".
وانتقد عدد من أحزاب المعارضة مقاربة السلطة تجاه ملف المهاجرين غير النظاميين على غرار حزب "آفاق تونس"، الذي دعا السلطة إلى اعتماد الوضوح في نقل هؤلاء من محافظة صفاقس، معرباً عن استغرابه من استمرار تدفقهم عبر الحدود مع الجزائر.
كما استنكرت 23 منظمة غير حكومية "خطاب الكراهية والتحريض ضد المهاجرين غير النظاميين المنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي والذي يسهم في التعبئة ضد الفئات الأكثر ضعفاً ويؤجج السلوك العنيف ضدهم".
الدولة مهددة
وتحمل أوساط سياسية معارضة السلطة مسؤولية تصاعد الاحتجاجات قبل أيام من الاحتفال بمرور سنتين على وضع حد لمنظومة الحكم السابقة بقيادة "حركة النهضة الإسلامية"، مما مهد الطريق لاستفراد الرئيس قيس سعيد بمعظم الصلاحيات، وتمرير دستور جديد مركزاً غالبية الصلاحيات بيديه في 25 يوليو الماضي.
ودعا حزب "التيار الديمقراطي" المعارض، في بيان، إلى نبذ العنصرية وضبط النفس في صفاقس وخارجها وعدم الانسياق وراء الخطابات المجرمة قانونياً. وقال الحزب "نتضامن مع التونسيين الذين يدفعون اليوم ثمن تقاعس السلطة، وندين التصرفات العنصرية المروعة التي أقدم عليها عدد من التونسيين حيال المهاجرين على مرأى ومسمع من السلطات الأمنية"، في إشارة إلى فيديوهات انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر تعرض مهاجرين إلى الإيقاف من قبل المواطنين في صفاقس.
وفيما لم يتم التثبت من صحة هذه المقاطع، قال الناطق باسم الحرس الوطني في تونس إن "هذه الصور والفيديوهات أساءت لسمعة تونس، بعضها صحيح لكن البعض الآخر قديم وليس في تونس".
وقال الناشط السياسي سامي بن غازي إن "الدولة مهددة في تونس اليوم، نتائج هذه الأزمات ستكون وخيمة عليها في ظل حال الانفلات والتسيب في صفاقس وسبيطلة". أضاف أن "الخطاب العنصري في تونس غريب علينا، ومع ذلك هناك تسخير إمكانات وترويج له من قبل جهات، مما سيترك شروخاً في المجتمع تصعب معالجتها قبل عقود".
وعن حديث رئيس الجمهورية عن وجود أطراف تسعى إلى تأجيج الوضع في البلاد قال بن غازي "هذه ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها بمنطق المؤامرة وعن أطراف، في مسألة الاحتكار، وينسب الأمر في كل الأزمات السياسية إلى مجهول، لكن لا علم لنا من هذه الأطراف؟ وأين هي؟ وكيف تتعامل معها مؤسسات الدولة؟".
ورأى أنه "في ظل المسار السياسي الراهن لا وجود لأي مقاربة جديدة في التعاطي مع الأحداث، والخطاب الإعلامي والتواصلي مع الشعب والقوى السياسية والمدنية غائب".
توافد المهاجرين
وتشهد تونس منذ أشهر توافد مئات المهاجرين غير النظاميين من دول أفريقية تعرف أزمات اقتصادية وتفتقر إلى الاستقرار، ويستغل هؤلاء قرب تونس الجغرافي من أوروبا من أجل العبور إليها مما أدى إلى تكدس معظم هؤلاء في ولاية صفاقس.