ملخص
حتى في صفوف المعارضة الإسرائيلية التي ما زالت تخوض معركة "الإصلاح القضائي" ضد نتنياهو، اعتبر بعضهم أن العملية ناجحة
لا تزال تداعيات عملية "بيت وحديقة" التي نفذها الجيش الإسرائيلي في مدينة جنين بالضفة الغربية متفاعلة ليس بين الإسرائيليين والفلسطينيين فحسب، بل على مستوى المجتمع الدولي أيضاً، وما بين الكشف عن مزيد من الفظائع التي خلفها الجيش الإسرائيلي في مخيم جنين وتضرر المدنيين الأبرياء والمبادرات لإعادة تحسين المخيم ودعم سكانه، تدور معركة سياسية داخلية في إسرائيل لتحقيق مكاسب شعبية بين أطراف النزاع السياسي في الحكومة والمعارضة.
رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي نجح عبر الحملة الإعلامية الواسعة التي رافقت العملية واستمرت بعد انسحاب الجيش، وقام بها مسؤولون في المؤسستين العسكرية والسياسية، تمكن من قلب المعادلة السياسية الداخلية، فبعد تراجع شعبيته بما لا يتوقعه أحد ووصول الفارق بينه ومنافسه وزير الأمن السابق بيني غانتس إلى سبعة مقاعد عادت عملية جنين لتنعش شعبيته ومكانته، بل عاد ليتفاخر بأنه الشخص القادر على ضمان أمن إسرائيل والإسرائيليين.
فقد اقتنعت الغالبية في إسرائيل بأن قرار نتنياهو تنفيذ العملية في جنين كان "قراراً شجاعاً"، إذ إن المضي قدماً فيه أسهم في تعزيز أمن الاسرائيليين، واعتبر 60 في المئة منهم أن العملية في مخيم جنين نجحت في زيادة الشعور بالأمن لدى الإسرائيليين، فيما رأى 32 في المئة أن ترميم الردع الذي تحقق ليس كبيراً.
في المقابل يعتقد الفلسطينيون بأن العملية العسكرية أسهمت في تعزيز قوة المسلحين الفلسطينيين، ليس فقط في جنين ومخيمها وإنما في الضفة الغربية ككل، إلا أن مكانة السلطة الفلسطينية تراجعت، الأمر الذي بات يقلق إسرائيل التي بادر مسؤولون فيها إلى وضع خطة لتنفيذها خلال الفترة المقبلة لضمان تعزيز مكانة رام الله مقابل إضعاف الفصائل المسلحة.
الأمن وليس الردع
عند انطلاق عملية "بيت وحديقة" طرح المسؤولون الإسرائيليون أهدافاً عدة للعملية وفي مركزها الحفاظ على الردع الإسرائيلي وذلك بعد إطلاق صاروخ من جنين نحو إسرائيل، لكن استطلاعات الرأي أظهرت تزايد شعور الإسرائيليين بعدم ضمان الردع بما فيه الكفاية غير أنهم اعتبروا في الوقت ذاته أن نوعية العملية واستخدام المعدات القتالية المختلفة أسهما في الشعور بالأمان، وهذا الجانب الذي ركز عليه نتنياهو، ليس فقط من خلال التصريحات التي أطلقها شخصياً إنما أيضاً من خلال نواب ووزراء من حزبه الليكود أو من قبل مسؤولين أمنيين يوافقونه الرأي.
واشارت المعطيات الفورية بعد عملية جنين إلى نجاح الحملة الدعائية التي استخدمها رئيس الوزراء والتي وصفها بعضهم بالحملة النفسية.
فقبل ثلاثة أسابيع من العملية كانت شعبية نتنياهو في تراجع مستمر مع تكثيف حملة الاحتجاج والتظاهرات ضد سياسة حكومته وخطة "الإصلاح القضائي"، وتغلب عليه غانتس في معظم استطلاعات الرأي بفارق وصل إلى سبعة مقاعد، إذ حصل غانتس على 32 مقعداً، وفق استطلاع للرأي، مقابل 25 لنتنياهو.
لكن الصورة انقلبت بعد عملية جنين وبدأت قوة نتنياهو وحزبه الليكود تتعزز في مقابل تراجع المعسكر المعارض وضعفه وغانتس على وجه الخصوص. وبحسب استطلاع الرأي الأخير حصل نتنياهو على 29 مقعداً مقابل تراجع غانتس إلى 26 مقعداً، وكان هذا أول استطلاع رأي يتفوق فيه نتنياهو على غانتس منذ ثلاثة أشهر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المواد المشتعلة
جهود كثيرة بذلها الجيش الاسرائيلي، إعلامياً لإظهار نجاحاته في مخيم جنين وفي خطوة غير مسبوقة أجرى جولة للصحافيين هناك لتعداد نجاحاته من جهة وتبرير تنفيذه للعملية في ظل انتقادات واسعة ضده. بعض المراسلين العسكريين في إسرائيل وصفوا جنين بعد هذه الجولة بـ"عاصمة الإرهاب" وهناك من أشاد بقرار تنفيذ الحملة، وهذا الموقف تماشى مع معظم الإسرائيليين، حتى في صفوف المعارضة التي ما زالت تخوض معركة "الإصلاح القضائي" ضد نتنياهو، إذ اعتبر بعضها أن العملية ناجحة مع التأكيد على ضرورة تنفيذها.
في السياق لخص جهاز الأمن الإسرائيلي العملية بأنها ناجحة واعتبر مسؤولون فيه "صحيح أن العملية لن تقضي على الإرهاب الذي يصدر من مخيم جنين إنما ستسهم في تقليصه بشكل موقت وفي جوانب معينة ساعدت على تحسين الرد الإسرائيلي وفي أفضل الحالات هناك احتمال كامن لتقليص موقت للإرهاب الذي مصدره جنين، ربما من خلال تحسين معين للردع الإسرائيلي في أماكن أخرى".
ولم ينكر مسؤولون في الجيش أن "إضعاف مكانة جنين كمدينة لجوء للمطلوبين من قبل إسرائيل هو هدف مركزي لا يقل شأناً عن هدف تحقيق الردع الإسرائيلي"، ويأمل هؤلاء، أسوة بقادة "شاباك" (جهاز الأمن الداخلي) في أن تظهر الأيام المقبلة أن "هذه العملية أسهمت في خفض الإرهاب الصادر من جنين وتراجع المقاومة عند دخول الجيش إلى المخيم".
في المقابل يرى خبراء عسكريون أن هذه التوقعات والاحتمالات ستكون بعيدة المنال لقناعتهم بأن النيران ستشتعل من جديد وخلال فترة قريبة، واستبعد الخبير العسكري عاموس هرئيل "تحقيق آمال قادة الجيش وشاباك وتوقعاتهم" وقال "لا يمكن إخفاء الحقيقة البسيطة بأن العملية السياسية مع الفلسطينيين تعيش حال موت سريري منذ الحكومة السابقة برئاسة يائير لبيد ومع تشكيل الحكومة اليمينية المتطرفة الحالية تفاقم الوضع. فإضافة إلى القطيعة المطلقة مع قيادة السلطة الفلسطينية، توجد لدى الحكومة شهوة للاستيطان في أرجاء الضفة. وفي ظل غياب أي أفق سياسي للفلسطينيين فإن العنف سيستمر".
ويحذر هرئيل من ناحية أخرى من أن "عدم الاستقرار الداخلي في السلطة الفلسطينية سيسهم في استمرار المواجهة العنيفة مع إسرائيل، كما ستسهم في ذلك أعمال الشغب العنيفة للمستوطنين التي ازدادت بشكل كبير بعد العملية في عيلي قبل أسبوعين ومن هذه الناحية فإن كل المواد القابلة للاشتعال ستبقى في الصورة حتى بعد انتهاء العملية في جنين".