ملخص
دعا نواب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إلى الإسراع في تعيين بديل عنه مع قرب انتهاء ولايته معتبرين أنه لا يجوز أن ينسحب مفهوم تصريف الأعمال على السلطة النقدية الأعلى في البلاد
كثرت التكهنات والسيناريوهات حول "خليفة" حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي تنتهي ولايته في 31 يوليو (تموز) الجاري، إذ أعاد بيان نواب الحاكم الأربعة خلط الأوراق من جديد، الأمر الذي وضع عراقيل في وجه السيناريو الأكثر ترجيحاً وملاءمة لقانون النقد والتسليف، عبر تولي نائب الحاكم الأول وسيم منصوري المنصب لحين انتخاب رئيس جديد للبلاد وتشكيل حكومة جديدة وتعيين حاكم أصيل.
وكان نواب حاكم مصرف لبنان قد طالبوا بتعيين حاكم جديد، "في أقرب وقت"، و"إلا سنضطر إلى اتخاذ الإجراء الذي نراه مناسباً للمصلحة العامة"، الأمر الذي فهم بأنه رفض "جماعي" لتولي مهام الحاكم وتلويح بالاستقالة من مواقعهم.
وأضاف البيان "بما أن المصارف المركزية ترسم سياساتها النقدية بالتوافق مع سياسة الدولة العامة، والتي هي للأسف غير متجانسة في الوضع الراهن للدولة اللبنانية، وفي غياب خطة شاملة وواضحة لإعادة التوازن المالي والمصرفي وتحقيق توازن في موازنة الدولة، مما يسمح للمصرف المركزي بوضع الأسس النقدية والمالية لإعادة الثقة، لا يجوز أن ينسحب مفهوم تصريف الأعمال على السلطة النقدية الأعلى في الدولة".
وفتح بيان نواب الحاكم الجدل واسعاً على آلية انتقال رأس السلطة المالية في البلاد، إذ تجمع معظم القوى السياسية على عدم قدرة حكومة تصريف الأعمال الحالية تعيين حاكم جديد، وعلى رغم وجود بعض "الفتاوى" القانونية تبرز قضية إجماع ثلثي أعضائها، وهو أمر غير متوفر حالياً، مما يسقط فرضية تعيين حاكم جديد وفق المادة 18 من قانون النقد والتسليف، إذ يقترح وزير المال على الحكومة تعيينه، إلا أن العرف درج على أن يقوم رئيس الجمهورية بتزكية تعيينه في مجلس الوزراء بأكثرية ثلثي أعضاء مجلس الوزراء على اعتبار أنه من الفئة الأولى التي تتطلب هذه الأكثرية الموثوقة للتعيين.
حارس قضائي
وفي حال استقال نواب الحاكم يسقط المجلس المركزي لمصرف لبنان بفقدان نصابه، وهو يضم حاكم المصرف رياض سلامة ونوابه الأربعة ولجنة الرقابة على المصارف ومفوض الحكومة لدى المصرف المركزي ومدير عام وزارة المالية ومدير عام وزارة الاقتصاد، مما يعني انهياراً للسلطة المالية في البلاد.
في المقابل يعتبر مرجع قانوني أنه في حال عدم انتقال الحاكمية إلى النائب الأول للحاكم، يتم حينه تعيين حارس قضائي أو مدير موقت كأمين على مصرف لبنان في هذه الفترة، معتبراً أن الأولوية في قضية تسيير أعمال مرفق أساسي في البلاد مثل مصرف لبنان تكون من حيث المبدأ إما لرئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود أو رئيس مجلس شورى الدولة القاضي فادي إلياس.
في المقابل، يتم تداول مخرج يرتكز على التمديد الإداري الموقت لسلامة عبر مرسوم يوقع عليه وزير المالية يوسف الخليل، تحت عنوان استمرار عمل المرفق العام وعدم قدرة الحكومة تعيين حاكم جديد، علماً أنه تتم دراسة خيار استقالة نواب الحاكم واستباق أي إجراء قضائي بتدخل لوزير المال يضع بموجبه المصرف المركزي في تصرف وزارة المال، ويكلف رياض سلامة ونوابه المستقيلين تسيير المرفق العام حتى تعيين حاكم جديد.
مثلث شيعي
وتشير المعلومات إلى أنه بالشكل صدر البيان عن نواب الحاكم الأربعة، إلا أن الحقيقة هي أن رئيس مجلس النواب نبيه بري له دور في إصداره، كونه يخشى تسلم النائب الأول وسيم منصوري الحاكمية وهو محسوب عليه سياسياً، فيصبح الثلاثي المالي من الحاكمية إلى مصرف لبنان وصولاً إلى المدعي العام المالي، جميعهم من الطائفة الشيعية ومقربون منه، إلا أن أوساطاً مقربة من بري تنفي تدخله في قضية البيان.
إضافة إلى ذلك، تشير بعض الأوساط، إلى تلقي بري أجواءً أميركية غير مرحبة بأن يتولى المنصب، ولو موقتاً، شخصية مقربة من "الثنائي الشيعي" (حزب الله وحركة أمل)، الأمر الذي قد يؤدي إلى رد فعل أميركي يؤثر سلباً في الوضع المالي بالبلاد، إذ يخشى بري سقوط الجميع في لعبة التوازن بين القوانين والضوابط الأميركية ومطالب "حزب الله" ودوره في النظام المالي، والتي أتقنها سلامة طيلة السنوات الماضية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مقاومة صندوق النقد
وفي هذا السياق، رفض عضو كتلة "تجدد" النائب فؤاد مخزومي أي تمديد لحاكم مصرف لبنان تحت أية ذريعة كانت، معتبراً أن الحديث عن تمديد إداري لحين انتخاب رئيس للجمهورية بقرار من وزير المال يشكل مخالفة والتفافاً على القانون، مؤكداً أن "سياسة فرض الأمر الواقع التي يمارسها نواب الحاكم مرفوضة وغير مقبولة بتاتاً، وتصب في مصلحة المنظومة لتكريس سياسة الأمر الواقع".
وأشار إلى أنه لمس خلال جولته مع الوفد النيابي على عدد من العواصم الغربية، وآخرها برلين، الاستعداد للدعم بشرط تنفيذ الإصلاحات والتوقيع مع صندوق النقد والبنك الدولي، ووضع الوفد المسؤولين الغربيين الذين التقاهم في عواصم القرار في تفاصيل خريطة الطريق التي أعدها، والجاهزة لأن تكون مشاريع قوانين قابلة للإقرار والتنفيذ، وقد أقر الجميع أن من شأن تنفيذها النهوض بلبنان.
ورأى أن "بيان نواب حاكم مصرف لبنان يعد تواطؤاً وهرباً من المسؤولية"، مشيراً إلى أن "الجميع يعلم أن ولاية حاكم مصرف لبنان ستنتهي في 31 يوليو"، وسأل "ألم يتفاجأ اليوم نواب الحاكم بخلو موقعه كي يطلبوا تعيين بديل أو التمديد له في ظل حكومة تصريف أعمال لا صلاحيات لها؟".
وقال إن المادة 25 من قانون النقد والتسليف تنص صراحة على أنه "في حال شغور منصب الحاكم، يتولى نائب الحاكم الأول مهام الحاكم ريثما يعين حاكماً جديداً"، لافتاً إلى أن "لدينا تجربة سابقة حين عين نائب الحاكم جوزيف أوغورليان حاكماً أول بالوكالة من عام 1976 وحتى 1978 بعد استقالة الرئيس إلياس سركيس من منصبه كحاكم للمركزي".
قسم اليمين
من ناحيته، أكد عضو لجنة المال والموازنة في البرلمان اللبناني النائب غسان حاصباني، أن "تلويح نواب حاكم مصرف لبنان بالاعتكاف وعدم ممارسة مهامهم يتناقض مع مبدأ تسيير المرفق العام، فإنهم ملزمون متابعة عملهم وعليهم مسؤولية شخصية، تحت طائلة الملاحقة القانونية، التي قد تصل إلى السجن"، موضحاً أن "موقف نواب الحاكم يترجم موقف مرجعياتهم السياسية والطائفية التي عينتهم، والذين لا يريدون تحمل مسؤولية المرحلة المقبلة".
الظروف الاستثنائية
بدوره، كشف رئيس مؤسسة "جوستيسيا" الحقوقية بول مرقص عن وجود عدة مخارج قانونية لتلافي الشغور في منصب حاكم مصرف لبنان، في ظل تهديد نوابه بالاستقالة، إذ يعتبر أن عمل حكومة تصريف الأعمال يقتصر على اتخاذ القرارات الضرورية اللازمة وبالحد الأدنى لاستمرار المرافق العامة، وما معناه أن التعيينات الإدارية لا تقع في المبدأ ضمن صلاحياتها، إلا أنه في الظروف الاقتصادية والمالية والنقدية في البلاد، وهي ظروف حادة واستثنائية جداً وتنبئ بانهيار شامل وسريع، وبالنظر إلى قرب انتهاء ولاية الحاكم وتحذير نوابه من عدم انتخاب حاكم جديد، الأمر الذي سيؤدي إلى ضرر كبير على المرفق العام النقدي والمصرفي، فإن هذه الضرورة الملحة، يمكن الاستناد إليها لتعيين حاكم جديد قياساً على تجارب حديثة حصلت مع حكومة رئيس الوزراء نجيب ميقاتي السابقة في 2013 مع تعيين رئيس وأعضاء هيئة الإشراف على الانتخابات.
وفي قراءة لأبعاد البيان الذي أصدره نواب الحاكم الأربعة، أكد مرقص أنه بمثابة إجراء يكسبهم خطوط دفاع استباقية استدراكاً لأي مسؤوليات ستقع عليهم مع الإطالة في فترة الشغور الرئاسي وتصريف الأعمال والاستنكاف عن تعيين حاكم جديد للمصرف المركزي، موضحاً أن عبارة الإجراء المناسب الذي يمكن أن يتخذوه، فهو ليس بالضرورة أن يكون حتمياً، ولكنه يمكن أن يكون استقالة فردية أو جماعية.
أضاف "هذا ليس بالأمر السهل بسبب المسؤولية الملقاة عليهم حتى عند تقديم استقالتهم في هذا الظرف والحاد والاستثنائي بسبب المرحلة والظروف النقدية والمصرفية غير المسبوقة التي تمر بها البلاد، مما يجعل البقاء عليهم مكلفاً، والاستمرار في المنصب مكلفاً، كما ستكون الاستقالة أيضاً مكلفة".
الاحتياط المتلاشي
بدوره، رأى المحلل الاقتصادي إيلي يشوعي أن هدف البيان الصادر من نواب الحاكم الأربعة قد يكون للضغط كما يمكن أن يكون جدياً، "وهذا ما يخيفني، ففي حال كان رفض نواب الحاكم ناتجاً من معرفتهم بوضع الاحتياط المتلاشي فهذا أمر خطر، وسندخل بالفراغ". وأكد أن "بإمكان حكومة تصريف الأعمال تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان وتعيين نوابه، فلا شيء يمنع ذلك دستورياً، بخاصة أن هذا المنصب لا يدخل في ملاك الدولة اللبنانية، وهو عبارة عن تعيين بالتعاقد"، مضيفاً "تبقى رمزية القسم أمام رئيس الجمهورية التي يمكن أن تؤجل لاحقاً حين يتم انتخاب الرئيس"، مشدداً على أن الحل الأسهل يكون بتسليم الحاكمية إلى نائب الحاكم الأول.