ملخص
سعر الدولار تخطى حاجز 1400 ريال للمرة الأولى
تواصل العملة اليمنية انهيارها التاريخي مع عجز حكومي عن السيطرة على القطاع المصرفي في البلاد، بعد أن تخطى سعر الدولار حاجز 1400 ريال للمرة الأولى، الأمر الذي يفاقم الظروف المعيشية الصعبة للملايين الذين أنهكتهم الحرب الدائرة منذ نحو سبعة أعوام.
وصلت قيمة الريال اليمني إلى مستويات انهيار قياسية خلال تعاملات أمس الإثنين، إذ وصل سعر صرف الدولار الأميركي الواحد إلى 1424 ريالاً، بزيادة قدرها 17 ريالاً على تعاملات أول من أمس السبت بحسب مصادر مصرفية في العاصمة الموقتة عدن.
وقال اقتصاديون إن الريال مرشح لفقدان مزيد من قدرته الشرائية أمام سلة العملات الأجنبية، مما ينذر بموجة ارتفاع جديدة لأسعار المواد الغذائية والضرورية في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية.
مع ما يسجله هذا الانخفاض المتتابع تتزايد التحذيرات المحلية والدولية من تفاقم الأزمة الاقتصادية في ظل أزمة إنسانية هي الأسوأ عالمياً، ووسط توقعات بمزيد من التدهور خلال الأيام المقبلة جراء غياب المعالجات الحكومية الفاعلة.
عجز وإخفاق
وتسعى حكومة معين عبدالملك إلى استئناف صادرات النفط أملاً في رفد خزانة الدولة بالعملة الصعبة للحد من التدهور الاقتصادي، إلا أن خبراء شككوا في مدى نجاحها على إحداث تعاف ملموس مع توقف التصدير وعوامل أخرى.
يقول الباحث الاقتصادي عبدالواحد العوبلي إن وقف تصدير النفط تسبب في خسارة البلد نحو مليار ونصف المليار دولار، في حين يتحمل البلد أعباء تسرب العملة الصعبة بسبب شراء المشتقات النفطية لتغطية النقص المحلي التي تبلغ نحو 3.4 مليار دولار، بحسب تقرير البنك المركزي الأخير، بالتالي يحصل انهيار متتابع في العملة المحلية.
وتوقف تصدير النفط اليمني منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بسبب هجمات شنتها ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران بطائرات مسيرة مفخخة استهدفت موانئ التصدير في محافظتي شبوة وحضرموت (شرق).
الصراع السياسي والفساد
عامل آخر يضيفه العوبلي يتمثل في تقصير الحكومة والمجلس الرئاسي في مهامهما وإخفاقهما في إدارة الأزمة الاقتصادية جراء انشغالهما بالصراع السياسي البيني، إضافة إلى الفساد الدائر ومن ضمنه صرف مليارات الدولارات على البعثات الدبلوماسية الكبيرة التي تتشكل بحسب محسوبيات الفساد على غير الاحتياج المنتشرة في أنحاء العالم.
ووفقاً لذلك فكل ما يحدث من زيادة في قيمة الدولار نتيجة طبيعية ومتوقع حدوث مزيد من الانهيار مستقبلاً.
معالجات منقوصة
وفي إطار معالجاتها لوقف هذا التدهور كانت الحكومة اليمنية قالت مطلع العام الحالي إنها اتخذت قرارات تقضي بإيقاف تراخيص مزاولة أعمال الصرافة لعدد من الشركات "غير ملتزمة قانون تنظيم القطاع".
وشددت على "أهمية اتخاذ كل الإجراءات الهادفة إلى منع الاختلالات والمضاربة في سعر الصرف والإضرار بحالة الاستقرار في السوق، وضرورة المتابعة الميدانية من البنك المركزي للتنفيذ وتقييم الوضع بشكل مستمر، والعمل على التطبيق الصارم لقانون شركات الصرافة، وما يتضمنه من إجراءات الفحص والتدقيق في العمليات المالية أولاً بأول".
غير أن الإجراءات الحكومية لم تثمر عن نتائج ملموسة توقف حالة الانهيار الاقتصادي المتلاحق في البلد المعذب بالحرب والصراعات في حين وصلت القيمة الشرائية للعملة اليمنية أدنى مستوياتها، نتيجة اعتماد البلاد على استيراد السلع الأساسية والكمالية بالعملة الصعبة التي تتم تغطية فارق قيمتها مع العملة المحلية برفع الأسعار، وهو ما يتسبب طردياً في موجات غلاء فاحشة في السلع الأساسية بالعاصمة الموقتة عدن، والمحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية، الأمر الذي يزيد المخاوف من شبح مجاعة تلوح في الأفق المعتم أكثر من أي وقت مضى.
ضغط متزايد
وتزامناً مع حملات إلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي عكست في مجملها الحالة الإنسانية المتفاقمة جراء الوضع المالي الصعب، تقف الحكومة الشرعية عاجزة عن اتخاذ معالجات تلامس المشكلة بعد أن فشلت في استئناف تصدير النفط وردع الضربات الحوثية التي تستهدف موانئ التصدير، وهو ما يشكل لها عامل ضغط إضافياً يضاف إلى انهيار الخدمات من جهة ويفاقم تباينها القائم مع "الانتقالي الجنوبي" يعززه عجزها عن السيطرة على القطاع المصرفي في البلاد، الأمر الذي يدفع إلى دخول الملايين موجة مجاعة جراء ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى مستوى لا يمكن لغالبية اليمنيين تحمله كون الأسواق اليمنية تعتمد في معظم سلعها على المستوردات الخارجية التي يتم توريدها بالنقد الأجنبي خصوصاً المواد الغذائية، فمع كل انخفاض لقيمة الدولار يباشر التجار رفع الأسعار التي تباع بالعملة المحلية لتعويض النقص في قيمة الريال أمام الدولار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بحسب بيانات اقتصادية صادرة عن وزارة التجارة اليمنية تستورد السوق نحو 80 في المئة مما تستهلكه، وبحسب خبراء اقتصاديين أدت الحرب الدائرة في البلاد منذ ثماني سنوات إلى تقليص حجم الإنتاج المحلي، ليتضاعف حجم الطلب على الاستيراد الخارجي لتغطية متطلبات السوق اليمنية إلى نحو 90 في المئة كحد أدنى.
سيطرة قمعية
وعلى خلاف الأمر من مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، تستقر العملة المحلية في مناطق سيطرة الحوثيين سواء في قيمة الصرف ولكن هذا الاستقرار لا يلامس أسعار السلع، بعد أن حافظ سعر الدولار الواحد على سعره عند حدود 600 ريال.
يرجع العوبلي ذلك إلى السيطرة الحوثية القمعية على السوق المصرفية التي هي في الأساس تابعة لهم، إضافة إلى ضعف الطلب على الدولار، وهو ما أسهم في بقاء قيمة العملة مستقراً وإن بشكل موقت.
وقال إن الحوثيين حافظوا على سعر الـ600 للدولار ليتسنى لهم الاستئثار بالفارق إلى حساباتهم الخاصة، وخلص إلى أن "هذا الاستقرار وهمي وغير حقيقي، لأنه لا ينعكس على أسعار المواد والبضائع التي يستهلكها المواطن".