ملخص
زيادة هجمات المستوطنين على منازل الفلسطينيين بالضفة الغربية يهدد بمزيد من العنف والفوضى.
حزمت الفلسطينية ألفت عبدالحليم (40 سنة) أمتعتها وجهزت نفسها وعائلتها للعودة إلى الولايات المتحدة، فالمستوطنون الذين هاجموا بلدتها ترمسعيا بوسط الضفة الغربية نهاية يونيو (حزيران) الماضي عقب مقتل أربعة مستوطنين خلال عملية إطلاق نار نفذها فلسطينيان من قرية مجاورة، حولوا حلمها بإجازة صيفية هادئة وممتعة إلى كابوس مرعب، وهموا بحرق منزلها بمن فيه من أطفال.
ويعد هجوم المستوطنين على ترمسعيا الأعنف منذ بداية العام ومشابهاً لما جرى في بلدة حوارة نهاية فبراير (شباط) الماضي، إذ قدر مسؤولون فلسطينيون أن الهجوم أسفر عن خسائر فادحة قدرت بـ 10 ملايين دولار، شملت إحراق 30 منزلاً وتدمير أكثر من 60 مركبة وحرق مساحات واسعة من الأراضي الزراعية والمحاصيل الصيفية وقطع كثير من الأشجار.
وأثار الهجومان انتقادات أوروبية وأميركية واسعة لتل أبيب والجيش، واتهامات بالتقصير في منع هذه الهجمات والتواطؤ مع المستوطنين.
وأشار تقرير رسمي لهيئة "مقاومة الجدار والاستيطان" التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية إلى أن الاعتداءات التي نفذها المستوطنون خلال النصف الأول من عام 2023 بلغت 1148 اعتداء، تسببت في مقتل ثمانية فلسطينيين، في حين ذكرت المنظمة الإسرائيلية لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة (بتسيلم) أن ما يجري ليس فشلاً في تطبيق القانون، ولكنه "سياسة مصممة لإدامة التفوق اليهودي من طريق العنف المدني".
مبادرة فردية
ومع صدور جملة من ردود الفعل الحكومية الإسرائيلية المؤيدة لجرائم المستوطنين في الضفة الغربية ورفض بعض الوزراء إدانتها، بل ومنح الغطاء السياسي والحكومي لها، تزايدت المخاوف الفلسطينية من نشوء ميليشيات استيطانية تنفذ مذابح ضد الفلسطينيين، مما دفع نشطاء شباب وهيئات محلية إلى تشكيل لجان حراسة وحماية شعبية خصوصاً في القرى والبلدات القريبة من المستوطنات، تكون مهمتها السهر طوال الليل لحراسة مداخل القرى ورصد حركة المستوطنين وتنبيه السكان بوجود اقتحام والتصدي له عبر مكبرات الصوت ووسائل التواصل الاجتماعي.
ويشير المدير العام لدائرة العمل الشعبي في هيئة "مقاومة الجدار والاستيطان" عبدالله أبو رحمة إلى أن الهيئة تعمل على توفير كل ما يلزم لتلك اللجان بما يمكنها من الدفاع عن النفس وحماية المدنيين العزل، مضيفاً أنه "مع ارتفاع وتيرة اعتداءات المستوطنين بصورة وحشية على عدد من القرى أصبح وجود هذه اللجان ضرورة ملحة في كل القرى والبلدات القريبة من المستوطنات، وهي تلقى ترحيباً واسعاً من قبل مئات الفلسطينيين الذين أبدوا تجاوباً كبيراً لتشكيلها على نطاق واسع، والتناوب على ضمان استمراريتها لما لها من فعالية في كبح وصد أي هجوم محتمل من قبل المستوطنين".
ولأن الاعتداءات الممنهجة للمستوطنين لم تعد صغيرة وسرية كما في الماضي بل باتت سلسلة من عنف متصاعد ومنظم، يرى الناشط الفلسطيني صلاح الخواجا أن هجمات المستوطنين المتفرقة، خصوصاً عقب العمليات الفلسطينية، ستتحول خلال الأعوام المقبلة إلى ظاهرة سائدة ومتصاعدة، مما يتطلب تحركاً فلسطينياً سريعاً لحماية الناس.
حماية الجيش
وفي المقابل أبدى ناشطون شباب قابلتهم "اندبندنت عربية" تخوفهم من أن زيادة عدد المستوطنات والبؤر الاستيطانية وتوفير الجيش الحماية الكاملة للمستوطنين جعل الأهالي غير قادرين على لجم اعتداءاتهم وجرائمهم، ووفقاً لاتفاق وقعه ائتلاف حزبي "الليكود" و"القوة اليهودية"، تعتزم الحكومة الإسرائيلية الحالية شرعنة 65 بؤرة استيطانية في الضفة الغربية ومدّها بالمياه والكهرباء والبنية التحتية الخليوية وتعزيزها بتدابير أمنية.
وبحسب إحصاءات النمو السكاني فإن عدد المستوطنين زاد من 342 ألفاً عام 2011 إلى 506 آلاف نهاية 2022، بمعدل زيادة سنوية وصل إلى 7.3 في المئة، وهو أعلى من معدل نمو السكان في إسرائيل والذي تم تقديره بنحو 7.1 في المئة خلال عام 2021.
أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حسين الشيخ طالب الفلسطينيين في تغريدة عبر "تويتر" بتسريع تشكيل لجان شعبية لحماية ممتلكاتهم والتصدي لإرهاب المستوطنين، فيما انتقد كبير ممثلي الاتحاد الأوروبي لدى الفلسطينيين سفين كون فون بورغسدورف إسرائيل لفشلها في الوفاء بالتزاماتها تجاه حماية الفلسطينيين، وقال، "لم تكن هناك محاولة أو جهد لوقف المستوطنين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووفقاً لما ذكرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية فإن "الجيش الإسرائيلي لم يحرك ساكناً تجاه اعتداءات المستوطنين المستمرة التي طالت عشرات الممتلكات الفلسطينية وتسببت في خسائر كبيرة".
من جهتها رصدت منظمة "يش دين" الإسرائيلية لحقوق الإنسان أن قوات الجيش الإسرائيلي كانت موجودة في مكان الحادثة لكنها لم تفعل شيئاً لوقف المستوطنين، وفي المقابل دان الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن الداخلي (شاباك) والشرطة الإسرائيلية هجمات المستوطنين بوصفها "إرهابا قومياً".
وكتب زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد في تغريدة أن "حرق منازل وسيارات الأبرياء عمل غير إنساني وليس يهودياً بالتأكيد، وينبغي على رئيس الوزراء نتنياهو إدانة هذا العار والتعامل معه بصرامة، فهذه وصمة أخلاقية وتهديد أمني".
دفاع عن النفس
وبالتزامن مع ترحيب عدد كبير من القرى الفلسطينية بفكرة تشكيل لجان حماية وحراسة لقراهم المعرضة لهجوم محتمل من المستوطنين، يبدي آخرون قلقهم الحقيقي من تزايد حمل المستوطنين السلاح واتساع دائرة العنف بين الجانبيين، بخاصة بعد أن صادق وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير على إجراءات تسرّع منح تصاريح حمله لليهود.
ووفقاً للتعليمات الجديدة فإنه يجوز لكل من بلغ 21 سنة فما فوق أن يقدم طلباً للحصول على رخصة حمل سلاح بعد أن كان الأمر يتطلب عمر 27 سنة كحد أدنى، وأفادت القناة 12 الإسرائيلية أنه سيتم تشجيع اليهود على حمل السلاح في الأماكن العامة "دفاعاً عن النفس"، وتقليص إجراءات إصدار الرخص وتقصير مدة البت بالطلب والمصادقة عليه.
ووفق ما أفادت صحيفة "إسرائيل اليوم" فستمكن هذه التسهيلات الجديدة منح رخص الأسلحة لـ 30 ألف إسرائيلي سنوياً، وأوضحت جمعية "حقوق المواطن" في إسرائيل أن التعليمات الجديدة بمثابة رخصة لقتل الفلسطينيين تحت ذريعة "مكافحة العمليات الفلسطينية".
وكان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أفاد بأن اعتداءات المستوطنين الموثقة ضد الفلسطينيين منذ بداية العام تسببت بنحو 160 إصابة جسدية، وأسفر أحدها عن مقتل فلسطيني.
صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية نقلت عن الناشطة اليمينية ورئيسة حركة "نحالا" الاستيطانية دانييلا فايس قولها "ليس لدي ولا كلمة واحدة أقولها للمستوطنين الذين دخلوا البلدات الفلسطينية وأحرقوا المنازل والسيارات، لماذا سأدعوهم إلى التوقف عما يقومون به، فهناك كثير من العائلات اليهودية لديها أسلحة، ولسنا بحاجة إلى الجيش هنا للقبض على المسلحين، فيمكننا كمستوطنين الاعتناء بأنفسنا".
بدوره قال رئيس هيئة "مقاومة الجدار والاستيطان" مؤيد شعبان إن "سلسلة الاعتداءات الجماعية التي نفذتها ميليشيات المستوطنين خلال الأسابيع الماضية على القرى الفلسطينية الآمنة دقت ناقوس الخطر حول طبيعة المرحلة المقبلة من الصراع، وهي مرحلة مهدت لها أطر الدولة الرسمية جيداً".
ويعتقد فلسطينيون أن عنف المستوطنين واستخدامهم المتزايد للسلاح يولد سخطاً شعبياً فلسطينياً وقد يدفع إلى مزيد من العمليات.
وبحسب مراقبين فإن تنامي الحجم الحزبي والتمثيلي للمستوطنين في الكنيست الإسرائيلي ووجود وزراء في الائتلاف الحكومي يمثلون مجتمع المستوطنين يجعل من الصعب على الحكومة الإسرائيلية أن تقمعهم بشكل صارم، كون ذلك قد يهدد تماسك الحكومة الائتلافية اليمينية.