Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل ينتظر الشرق الأوسط سنوات من أزمة الغذاء؟

ندرة الأراضي الزراعية وشح المياه وضعف الأجور أمور تلقي بظلالها على إنتاج المحاصيل واستهلاك الغذاء في بلدان المنطقة

يتوقع ارتفاع فاتورة الاستيراد بنسبة 30 في المئة بحلول 2032 (أ ف ب)

ملخص

توقعات بنمو متوسط دخل الفرد في المنطقة 1.7 في المئة سنوياً فقط خلال العقد المقبل

إن كنت ممن يهتمون باستشراف مستقبل ما سيكون عليه بلدك الواقع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال السنوات القليلة المقبلة في شأن الغذاء إنتاجاً وأسعاراً، فإن السطور التالية تفصح عن كثير مما يتوقع حدوثه في قابل السنوات.

تبدو منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اليوم مثقلة بتحديات جمة أمام الأمن الغذائي في ظل بيئة من الموارد الطبيعية الهشة، وندرة الأراضي الصالحة للزراعة وشح المياه الآخذ في التفاقم، بما ينذر بتغيير الملامح الاقتصادية والاجتماعية لبلدان المنطقة خلال العقد المقبل.

قبل ثلاثة أعوام سقطت 19 دولة عربية من أصل 22 دون عتبة ندرة المياه المتجددة، فلا يكفي لسكانها سوى أقل من 1000 متر مكعب من المياه في العام، وتصنف المنطقة من بين أكثر المناطق عرضة لتغير المناخ، بسبب طبيعتها القاحلة ومواردها المائية المحدودة.

إلى جانب ذلك عانت بلدان المنطقة جائحة كورونا على نحو واسع بالنظر إلى تهالك البنى التحتية في قطاع الصحة الذي لم يستوعب الكارثة على نحو كاف، وما كادت لتستفيق من هذه الآثار حتى وجدت نفسها في مرمى تقلبات أسعار السلع العالمية، إثر اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية، كون غالبية هذه البلدان مستورداً صافياً للحبوب والطاقة.

تصورات قاتمة

لكن تقرير جديد لمنظمتي التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) والأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، بعنوان "التوقعات الزراعية 2023-2032" يلفت إلى تصورات قاتمة خلال السنوات التسع المقبلة، في ظل كون المنطقة من بين أكبر مستوردي الغذاء في العالم، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى صعوبة الإنتاج البيئة الناتجة من محدودية مواردها الطبيعية.


أمام النمو السكاني القوي من المتوقع أن تصبح المنطقة معتمدة بشكل متزايد على واردات المنتجات الغذائية خلال الفترة المقبلة، وفق التقرير فبحلول عام 2032 من المتوقع أن تحتل واردات المنطقة الصافية من المنتجات الغذائية المرتبة الثانية بعد منطقة شرق آسيا، ولكن على أساس نصيب الفرد الواحد ستكون الأكبر.

لدى المنطقة معدل تبعية متقدم وحاجة مرتفعة إلى الاستيراد، وبشكل خاص للحبوب والزيوت النباتية والسكر، كما عانت التحديات المتعلقة بالتجارة في الأعوام الثلاثة الماضية، بسبب المشكلات اللوجستية وارتفاع تكاليف الشحن الناجمة عن جائحة كورونا وأخيراً الحرب بين روسيا وأوكرانيا، إذ تعتمد بشكل كبير على البلدين المتحاربين بخاصة في إمدادات القمح.

أزمة غلاء المعيشة

تضطر المنطقة اليوم إلى الحصول على كميات كبيرة من الحبوب التي تفاقمت أسعارها بسبب انخفاض قيمة العملات المحلية في كثير من البلدان غير المصدرة للنفط، إلى جانب ارتفاع معدلات التضخم وأزمة غلاء المعيشة، ومع ذلك يتوقع التقرير استمرار مواجهة المنطقة تقلبات كبيرة على المدى القصير، ويمكن أن يكون لصدمات الأسعار تأثير كبير في رفاهية الأسر، في ظل استحواذ الأغذية الأساسية على 17 في المئة من إجمالي النفقات.

وبينما تسعى حكومات بعض هذه البلدان إلى محاولة الحد من الاعتماد على واردات الحبوب الرئيسة، لتلافي نقاط الضعف لديها وتجاوز التعرض إلى الاضطرابات عبر تحفيز الإنتاج، فإنها تواجه معضلة تنافس المحاصيل على نطاق محدود من المياه وهو ما يجعل من الاعتماد على الاستيراد أمر لا مفر منه، في حين لا يزال تغير المناخ يمثل تحدياً كبيراً، كما أن الصراع الجيوسياسي في المنطقة قد يعوق نمو الإنتاج.

يشير التقرير إلى أن الناتج المحلي الإجمالي المستمد من قطاع الزراعة والغابات وصيد الأسماك يشكل حالياً خمسة في المئة فقط من الاقتصاد، ومن المتوقع أن ينخفض إلى أربعة في المئة بحلول عام 2032، ويوضح أن مصر تستحوذ على 25 في المئة من صافي قيمة الإنتاج الزراعي والسمكي في المنطقة، مع نسبة 51 في المئة أخرى تعزى إلى بقية شمال أفريقيا.

لحوم أكثر أسماك أقل

من المتوقع أن ينمو إنتاج اللحوم في المنطقة بنحو 2.4 مليون طن بحلول عام 2032، ومعظمها مشتق من الدواجن التي تشكل 59 في المئة من إجمالي إنتاج البروتين، وبنسبة نمو 2.8 في المئة، لتصل الحصة السوقية إلى 62 في المئة بحلول 2032، بينما سيكون النمو المتوقع في إنتاج لحوم الأبقار والضأن أبطأ بنسبة 1.9 في المئة و1.5 في المئة على التوالي، مما يعكس المكاسب الإنتاجية المتوقعة في إنتاج اللحوم.

وبينما تبدو الصورة مشرقة في شأن الإنتاج الحيواني الأقوى في المنطقة بنسبة نمو 2.1 في المئة سنوياً مشكلاً 42 في المئة من إجمالي الإنتاج الغذائي بحلول 2032، لكن في المقابل سيحظى إنتاج الأسماك بنمو هش بنسبة 0.9 في المئة، عند مستوى أبطأ من العقد الماضي، بحصة متوقعة 20 في المئة بحلول 2032 من 21 في المئة حالياً.

 

على رغم أن ما يقرب من 70 في المئة من إجمالي الإنتاج السمكي يأتي من الصيد في المناطق الساحلية، لكن الأرصدة السمكية تحت الضغط، مما أدى إلى تباطؤ كبير خلال فترة التوقعات.

تتزايد أهمية قطاع الاستزراع المائي وتوسعت بأكثر من خمسة في المئة سنوياً على مدى العقد الماضي، مع مصر المساهم الرئيس في هذا النمو، لكنه هذا النوع من الإنتاج من المتوقع له أن يتباطأ خلال فترة التوقعات.

تذهب التوقعات إلى توسع بنسبة 0.5 في استخدام الأراضي الزراعية فقط على مدى السنوات الـ10 المقبلة، ويتركز التوسع في المناطق الأقل نمواً، وبخاصة السودان وموريتانيا، وما يقرب من نصف الأرض الإضافية مخصصة للمراعي.

تراجع مساحات الحبوب

في معظم بلدان المنطقة تعد الظروف غير مواتية لإنتاج المحاصيل على نطاق واسع، ومن المتوقع تخصيص أكثر من نصف إجمالي الأراضي الزراعية للحبوب بحلول عام 2032، مما يعكس انخفاضاً طفيفاً بنسبة اثنين في المئة عن المستويات الحالية.

تمثل الذرة والقمح الجزء الأكبر من إجمالي إنتاج الحبوب ويشكلان 63 و35 في المئة على التوالي من إجمالي الأراضي المزروعة بحلول عام 2032.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في ذروة التحديات اللوجستية والاقتصادية للوباء، تراجعت فاتورة الواردات الإجمالية للمنطقة بالقيمة الحقيقية، في عام 2020 مقارنة بعام 2019، وحققت بعدها زيادة متواضعة في عام 2021، وارتفاع بمقدار خمسة في المئة العام الماضي، كما يذكر تقرير "الفاو" على رغم مشكلات التجارة من منطقة البحر الأسود.

ومن المتوقع أن ترتفع الواردات أكثر، ولكن بنمو أبطأ بحلول عام 2023 بسبب استمرار ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية وضعف نمو الدخل.

بحلول عام 2032 يتوقع ارتفاع فاتورة الاستيراد بنسبة 30 في المئة، وبخاصة القمح (26 في المئة) والسكر (23 في المئة) والذرة (15 في المئة).

وبينما يتوقع تفاقم عدد سكان المنطقة بحلول 2032 تقريباً، فإن ثلثي السكان سيعيش في المناطق الحضرية، مما قد يشجع على استهلاك المنتجات ذات القيمة الأعلى، بما في ذلك اللحوم ومنتجات الألبان، والمنتجات التي غالباً ما تحتوي على كميات كبيرة من الزيت النباتي والسكر.

وأمام التوقعات بنمو متوسط دخل الفرد في المنطقة 1.7 في المئة سنوياً فقط خلال العقد المقبل، لا يرجح تقرير "الفاو" أن يشكل ذلك محركاً رئيساً للطلب على السلع، وهو أمر يثير القلق في منطقة توجد فيها أنظمة غذائية صحية لا يمكن تحملها لأكثر من نصف السكان.