أما قبل، فإن القارئ الذي لا يعتقد بنظرية المؤامرة، أي القارئ العقائدي، الذي مُرتكزه المصادرة على المطلوب، ذلك القارئ سيرفض المكتوب من العنوان، لأن هناك افتراضاً لا عقلانياً، يستبعد من الفعل البشري السرية والدسيسة، ما مقتضاه أقضوا حوائجكم بالكتمان، وأيضاً استعملوا ما تغلبون به. هذا ما تقتضيه الحياة، في أبسط معانيها، بات أغلوطة فلسفية، وحتى تهمة سياسية، أما القول إن السياسة، هي الغاية تبرر الوسيلة، أي هي فن الممكن، فهي كما الحرب خدعة، غدت بديهيات كهذه، تصنف بالجنون.
وإن نظريات مثل ما بعد الاستعمار، وضع ركائزها مفكرون عدة مثل ادوارد سعيد، جرت مصادرتها ووضعها في سلة قمامة ما بعد التاريخ، كما فُعل مع الفكر الماركسي جملة، بعد انهيار وسقوط إمبراطورية الاتحاد السوفياتي!، وأمست مقالة في كتيب، في حجم كف اليد، عُرفت بنظرية (نهاية التاريخ)، إنجيلاً جديداً، يوصم غير المعتقد بها بالتحريفي والمرتد. وهذا ليس حرفياً بطبيعة الحال، لكنه الأيديولوجية المهيمنة البديلة، التي تلبس لبوس ما بعد الحداثة، فتُصادر العقل، لتخيفه بالوقوع، في الشرك المزعوم، بالثنائية أو الديالكتيك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
والحقيقة المغيبة أن الحرب الباردة، أي الحرب الكبرى الثالثة، كانت حرباً تلبس لبوس الأيديولوجية، وأنها في جانبها الساخن كانت حروباً بالوكالة، خاضتها الإمبريالية، بقوات محلية في مستعمراتها السابقة، ما كنيت بالعالم الثالث، هذا الاصطلاح ما وضع في متاحف الكتب. وإذا كانت الحرب الباردة، كما يبدو قد طويت، فإن أوزارها قد تفاقمت، حيث الحروب بالوكالة زادت، وإن تغير شكلها.
فالليبرالية المتطرفة، باعتبار أنها ربة (نهاية التاريخ)، وثنها تنافسية السوق، ومن هذا تتجلى الحروب التي تتوالد بالوكالة، تحت مسمى جديد، عرف منذ أمد ولأمد مفتوح، بمحاربة الإرهاب الدولي، ما يشبه البصلة، قشور لا لبّ لها، فقشرة إرهابية، وثانية نص إرهابية، فثالثة لا إرهابية. هكذا الدول الكبرى، تحدد كما تشاء، اللب المستحيل للبصلة، وحيث أن لا دولة كبرى، في عصر الإمبرياليات، من دون حرب كبرى، فإن الحرب الحالية، حرب ضد الإرهاب الدولي، ما لا ماهية له.
أما بعد
فأثناء وضع اللمسات النهائية، لسيناريو الحرب الباردة، ظهر ممثل نجم على الشاشات الأميركية، عرف بـ (القاعدة)، ما نجم نجومها (بن لادن)، تفاصيل هذا السيناريو، تمشهد على الشاشات الصغيرة، عبر الأقمار الاصطناعية، بُثت صباحاً مساء للصغار قبل الكبار، تحت عنوان، حرب دينية ضد إمبراطورية الإلحاد. وعلى المستوى الفكري والبحثي، لطخت أوراق، ووضعت أسفار، حول (الصحوة الإسلامية)، ممن معها كالفيلسوف الفرنسي (ميشيل فوكو، 1926-1984)، من عَمّد ثورة الملالي الفرس!، ومن آخرين كثيرين ضدها. وفي بدء السيناريو ظهر (بن لادن) كرامبو خير مطلق، وعند ختامه كرامبو شر مطلق، وشاهد هذا الفيلم الأميركي، غالبية سكان الكرة الأرضية، وطالعوا، وحفظوا حتى تفاصيله، المملة والركيكة والمكررة، والمعتادة في التاريخ الأميركي.
واقعة...
قد يكون الكثيرون لم يعرفوا، حادثة مهمة في التاريخ الأميركي، وإن كانت لا تُذكر في تاريخ المنطقة العربية، فإن ما يذكر بها مقطع، يحتويه نشيد مشاة البحرية الأميركية، التي تسيطر على المياه الدافئة والباردة في العالم، يقول "من قاعات مونتيزوما (قصر بالعاصمة المكسيك)، إلى شواطئ طرابلس نخوض معارك بلادنا، في الجو والأرض والبحر".
وقد جاء ذلك ناتج حرب السنوات الأربع، بين أيالة طرابلس الغرب والولايات المتحدة (1801–1805)، على إثر غضب حاكم طرابلس آنذاك، يوسف القره مانللي، مما عده مماطلة من قبل الولايات المتحدة، في دفع أتاوة مناسبة، نظير مرور سفنها في المتوسط بسلام، وهو واقع كان سائداً، وتواصل في المنطقة منذ القرن السادس عشر حتى التاسع عشر، ما دفعه إلى المبادرة بإعلان الحرب.
الولايات المتحدة بدورها، ردت بتوجيه أسطول يتكون من أربع سفن حربية، في طليعتها الفرقاطة "يو أس أس فيلادلفيا" التي تحمل 44 مدفعاً، نحو السواحل الليبية ثأراً للإهانة التي وجهها إليها باشا طرابلس.
وأعلن حينها الرئيس الأميركي توماس جيفرسون، أن الهدف من هذه الحملة البحرية، يتمثل في تلقين "هذا العثماني الأبله، درساً لن ينساه في فنون القتال، وسنجعله نصراً مدوياً، ندشن به حقبة جديدة لأسطولنا"، لكن (فيلادلفيا) جرى أسرها، واستمرت الحرب تجر ذيولها لأربع سنوات، ولم يقف الأميركيون عند هذا الحد، فحاولوا بالتوازي مع العمليات العسكرية البحرية، إزاحة يوسف باشا القره مانللي، وذلك باستمالة شقيقه الأكبر أحمد باشا المقيم في مصر، وهي مهمة تولاها وليم أيتون، قنصل الولايات المتحدة في تونس، الذي جَرّد لهذا الهدف، حملة برية من المرتزقة، انطلقت من مصر، وتمكنت من احتلال مدينة درنة شرق ليبيا، لتصبح أول منطقة تحتلها الولايات المتحدة منذ استقلالها.
وخبر...
تأتي النشرات المتتالية، للحكومة الأميركية، لتخبرنا على لسان الرئيس ترمب، أنه قد جرى دحر داعش، وتحقق النصر الأخير، كهزيمة نكراء للإرهاب الدولي، بينما الرئيس السابق أوباما، كان أخبرنا أن داعش، كي تهزم، بحاجة لـ 40 حولاً. وقد أشار تقرير صدر عن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، إلى أن تنظيم "داعش" الإرهابي، أعاد ترتيب صفوفه، ليظهر من جديد في سوريا، مستغلاً الانسحاب الأميركي، والتقرير أكد أيضاً، أن التنظيم عزز من قدراته المسلحة في العراق. وقال مفتّش عام في وزارة الدفاع الأميركية، في تقرير الثلاثاء (السادس من أغسطس (آب) 2019)، إنّ تنظيم داعش، "يُعاود الظهور" في سوريا، مع سحب الولايات المتحدة قوّاتها من البلاد، مؤكداً أنه "عزّز قدراته" في العراق.
وأكدت تقارير أخرى، أن الخليفة البغدادي، زعيم التنظيم الدولة السماوية، قد اتخذ من الصحراء الليبية، الملاذ الأخير.