في بادرة لم تشهد الصحافة اللبنانية والعربية نظيراً لها، صدرت صحيفة "دايلي ستار" الناطقة بالإنكليزية في بيروت، في عدد ورقي خالٍ من المقالات والصور، بل لوّنت صفحاته كلها بالأسود وحده. ووضعت الجريدة عبارة مفردة في كل صفحة، بما في ذلك صفحتها الأولى. واتّخذت الجمل طابعاً صادماً، فكانت كل منها تلخيصاً مكثفاً لأحد الوقائع التي تؤلم اللبناني في حياته، وتهدد الوطن والمواطن. وكذلك وضعت الجُمل الإصبع على عصب الأزمات المتواترة والمتشابكة التي تكاد تصبح استعصاءً وطنياً، إضافة إلى أنها تضرب في عمق النسيج الاجتماعي والوطني. ولم يفتْ الجمل المقتضبة أن تصرخ في وجه القابضين على زمام السلطة، سواء في المؤسسات الرسمية أو خارجها، بما فيها قوى "الأمر الواقع". وبصورة إجمالية، رسمت "دايلي ستار" في 12 جملة، صورة لوضع أقل ما يقال فيه أنه أدخل بلاد الأرز في أزمة وجودية متوترة ومتفاقمة إلى حدّ أن عقول وقلوب كثيرة باتت تتحدث عن العيش على حافة هاوية حرب ربما تنفلت شياطينها، في وقت لم تختف فيه من الذاكرات الفردية والجماعية المآسي المروعة للحروب المتطاولة التي عانى لبنان وأهلوه نيرانها عقوداً، وكانوا يتألمون بصمت من جمراتها الكامنة غير المنطفئة التي تكاد لا تخبو شرارتها الفجائية إلا لتشتعل مجدداً، فترتجف العقول والقلوب خوفاً من حرب يجب أن ينجو منها الحاضر والمستقبل.
وفي وقت مماثل من السنة الماضية، أقدمت صحيفة "النهار" اللبنانية العريقة على مبادرة لا تخلو من الشبه مع ما فعلته "دايلي ستار". إذ أصدرت "النهار" عدداً من جريدتها كان "أبيض" تماماً، بمعنى أنه خلا من الكلام والصور والمقالات والتحليلات. في ذلك العدد، لم يظهر على الصفحات شيء سوى البياض الذي يشبه كفن الموتى. وآنذاك، أرادت "النهار" إطلاق إنذار عن المأزق الوجودي الذي يعانيه الإعلام الورقي في لبنان والعالم العربي، والذي يهدّد باندثار صحافة الورق كلياً.
وفيما يلي ترجمة تلك الجمل المجللة بالسواد، وقد كُتِبت في منتصف كل صفحة باللغة الإنجليزية، وفق الترتيب التالي:
لبنان (مانشيت الصفحة الاولى، ومكتوبة ببنط عريض)
وتتالت الجمل التالية :
حكومة مشلولة
و تصاعد يومي في الخطاب الطائفي
والنفايات تتراكم في الشوارع بصورة مطّردة
والتلوث في مستويات مثيرة للقلق
والبطالة عند مستوى 25%
والسلاح غير الشرعي يسود البلاد
ما يزيد على 1.5 مليون لاجئ في البلاد
والدين العام يقترب من 100 مليار دولار
والأعمال مهدّدة بالإفلاس
العملة الوطنية مُهدّدة
استيقظوا قبل فوات الأوان (الصفحة الأخيرة تحت صورة لشجرة أرز في الجبل)
