ملخص
معظم المحللين يعتقدون بأن عصر النمو الذهبي المكون من رقمين انتهى منذ فترة طويلة
يرزح نظام الصين المالي تحت ضغوط هائلة، فيما تعاني شركاتها وحكوماتها المحلية مديونية مرتفعة ويدفع التضخم وتراجع المدخرات أسراً عدة إلى الإحجام عن الاستهلاك ويبدو قطاع التكنولوجيا الضخم في البلاد في حال احتضار، مما يثير تساؤلات عن قصة الصين التي حيرت العقول وعصر المعجزة الاقتصادية وما إذا كان هذا العصر انتهى حالياً.
أدى التخلي المفاجئ للصين عن سياسة "صفر كوفيد" إلى زيادة الآمال في حدوث انتعاش حاد في النمو الاقتصادي مدفوعة بالطلب وتخفيف اختناقات العرض، ومع ذلك فقد قطاع الخدمات الزخم والتصنيع لا يزال يتلاشى وبطالة الشباب وصلت إلى مستوى قياسي مرتفع بنسبة 20.4 في المئة في مايو (أيار) الماضي في حين يواجه قطاعها العقاري مشكلات جديدة.
من المحتمل أن تشهد الصين بعض التعافي، لكن السؤال الأكبر هو إلى أين تتجه على المدى الطويل وما هو المرجح لمتوسط النمو الاقتصادي على مدى الأعوام الـ25 المقبلة؟، في وقت يعتقد معظم المحللين بأن عصر النمو الاقتصادي الذهبي المكون من رقمين انتهى منذ فترة طويلة.
في مستهل إجابته عن التساؤلات، يقول بنك "إتش دي أف سي"، أكبر بنوك القطاع الخاص في الهند، إن الأداء الاقتصادي للصين خيب الآمال في الآونة الأخيرة على خلاف التوقعات التي تبناها بنك الاستثمار الأميركي "غولدمان ساكس" حينما رجح عام 2011 أن بنك الاقتصاد الصيني سيتجاوز نظيره الأميركي عام 2025.
سيطرة الدولة
بدلاً من تحرير قوى السوق في قطاعات رئيسة مثل الصناعة، يركز الزعيم الصيني شي جينبينغ على توسيع سيطرة الدولة، وتصرف الطموحات العسكرية تركيز كبار مسؤوليه عن قصة الصين التي اعتاد عليها العالم بين منتصف الثمانينيات ومطلع الألفية من حيث نمو الناتج المحلي الإجمالي الهائل والهيمنة على التصنيع العالمي، مع تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر من الغرب، وهي أمور كانت نتيجة انفصال حاد عن الشيوعية.
في مذكرة حديثة، يذكر بنك "إتش دي أف سي" أن في فترة حكم الزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونغ بين 1949 و1978، أدت القوة العاملة المتزايدة إلى دفع النمو الاقتصادي، لكن ذلك تلاشى مع بدء تطبيق سياسة الطفل الواحد التي أسفرت عن بدء انكماش عدد السكان في منتصف العقد الماضي وانخفاض سريع في معدل الخصوبة على مدى العقد الماضي بمعدل 1.3 ولادة لكل امرأة فقط حتى عام 2020، وسط توقعات بتراجع القوة العاملة بمقدار 216 مليوناً بحلول عام 2050 وأن الأفراد ما فوق 65 سنة سيشكلون 30 في المئة من السكان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كانت فترة النمو الاقتصادي المذهل في الصين مدفوعة بشكل أساسي بالاستثمارات في البنية التحتية ومشاريع الإسكان، وبين عامي 1991 و2000 توسع الاقتصاد الصيني بمتوسط نمو سنوي 10.4 في المئة، وخلال هذه الفترة شكل الاستثمار 37 في المئة في المتوسط من الناتج المحلي الإجمالي، قبل أن يتباطئ إلى 6.8 في المئة في العقد التالي مع انخفاض العائدات على البنية التحتية والإسكان وتزايد عدد العاطلين من العمل.
فاتورة ضخمة للحكومات المحلية
واحدة من أهم مشكلات الصين اليوم، كما يراها البنك الهندي، فاتورة الإنفاق الضخمة للحكومات المحلية المسؤولة عن 89 في المئة من إجمالي الإنفاق الحكومي، بما في ذلك النفقات خارج الموازنة التي يتم تمويلها من خلال آليات التمويل الحكومية المحلية وبيع الأراضي والاستدانة، فمن الناحية النظرية تهدف الحكومة المركزية في بكين إلى تمويل العجز ولكن في الممارسة العملية منحت الحكومات المحلية صلاحيات كبيرة غير ممولة على نحو متزايد، حتى إنه بين عامي 2023 و2024 صعدت ديون الحكومات المحلية أربعة أضعاف لتمثل 39 في المئة من إجمالي ديون البلاد.
من بين مشكلات الاقتصاد الصيني اليوم، معدلات الادخار المنخفضة التي لا تدفع إلى الاستهلاك كمكون من مكونات النمو، فالصينيون امتلكوا على مدى العقود الماضية ارتفاعاً مذهلاً في معدل الادخار على خلفية زيادة مدخرات الأسرة، حتى أصبح لديهم أعلى معدل ادخار في العالم عام 2010، قبل أن تتراجع نسبته إلى 45 في المئة بحلول العام الماضي، وأمام تراجع مدخرات الأفراد والأسر فشلت بكين في تحويل اقتصادها إلى اقتصاد مدفوع بحركة الاستهلاك، كما يلفت تقرير "البنك"، لأسباب تتعلق أيضاً بارتفاع ديون الأسر إلى أكثر من 100 في المئة بحلول العام الماضي.
امتلك الصينيون مدخرات فائضة في الماضي وجهوها إلى الولايات المتحدة للاستفادة من العائد المرتفع في ظل انخفاض سعر الفائدة في الصين، في وقت تنفق السلطات على الأمان الاجتماعي كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي أقل بكثير مما تنفقه أسواق ناشئة عدة، مما يفسر احتفاظ الصينين بالمثل الشعبي المحلي "ادخر ليوم ممطر".
لا يبدو بنك "إتش دي أف سي" الهندي متفائلاً اليوم بالاقتصاد الصيني، فحتى العملة الصينية لم تصلح كبديل للدولار الأميركي، إذ إنه بعد الحرب الروسية- الأوكرانية والعقوبات التي فرضها "الناتو" على روسيا والتي تضمنت تقييد تجارة موسكو بالدولار تبنت بكين وعواصم أخرى مصطلح "إزالة الدولرة" بتقليل الاعتماد على الدولار الأميركي في التجارة، لكن مع ذلك يحتفظ الدولار بوضع العملة الاحتياطية، ومن غير المرجح أن يتخلى عن تلك الصفة لليوان المُدار في أجواء من عدم اليقين التنظيمي في الصين.
اليوان خارج المنافسة
قامت الولايات المتحدة بتسليح الدولار عبر فرض عقوبات مالية منسقة في أوقات النزاع والصراع، وآخرها على روسيا، مما جعل من الاقتصادات الناشئة أكثر عزوفاً عن المخاطرة ودفعها إلى البحث عن بدائل للعملة الأميركية، ففي أعقاب عدم اليقين الجيوسياسي وتقلبات الأسواق المالية والاضطراب الذي خلقه الوباء، قامت بنوك مركزية في هذه الأسواق بتنويع احتياطاتها من العملات الأجنبية إلى عملات غير تقليدية والذهب، ومع حجم الاقتصاد الصيني والتجارة، كان اليوان بطبيعة الحال أكثر العملات غير التقليدية المرغوبة.
تتزايد حصة اليوان باستمرار في المعاملات عبر الحدود، ومع ذلك، يقتصر هذا إلى حد كبير حتى الآن على المعاملات الثنائية التي تشمل الصين، وظلت المدفوعات باليوان بين الأطراف خارج الصين صغيرة وتشمل إلى حد كبير المعاملات على المدى القريب، فلا يزال الدولار الأميركي يمثل 59 في المئة من إجمالي احتياطات النقد الأجنبي العالمية على رغم انخفاض حصته السوقية على مدى العقد الماضي من 71 في المئة عام 2001 إلى 64 في المئة عام 2017، بينما يمثل اليوان الصيني 2.7 في المئة فقط حتى العام الماضي، كما يقول البنك الهندي.