ملخص
ندوات شاملة بين الأدب والسينما شاركت فيها وجوه عربية وسجال حول المخاوف الراهنة
تختتم في القاهرة غداً السبت الدورة الأولى لمهرجان "دواير" الثقافي، بعد عشرة أيام حفلت بنشاط ثقافي وفني متنوع، حقق الأهداف التي أعلنها منظمو المهرجان عند انطلاقه في الخامس من يوليو (تموز) الجاري. ينهي المهرجان الذي نظمته مكتبة تنمية بالتعاون مع مكتبة ديوان، برنامجه بعرض وتقديم للمبادرات الثقافية التي يدعمها مركز "إثراء" في السعودية بوصفه أحد الرعاة الرئيسيين للمهرجان، ويختتم بأمسية شعرية تشارك فيها الشاعرة فاطمة قنديل والشاعر محمود خيرالله.
طوال أيام انعقاده، حافظ المهرجان على إقبال جماهيري واسع، فتوافدت أعداد كبيرة لحضور الندوات وحفلات التوقيع وورش العمل التي اتسمت بالتنوع والحيوية، إلى جانب الإقبال على معرض للكتاب الذي شهد مشاركة أكثر من 25 دار نشر عربية ومصرية. واستطاع المهرجان تحقيق هدفه في تقديم برامج ثقافية كبرى في توقيت شاغر من معارض الكتاب العربية، وشهد أكثر من 25 حدثاً ثقافياً، منها 4 ورش عن الكتابة الإبداعية والسينمائية، وأكثر من 18 ندوة.
وازن البرنامج بين الرهان على أسماء لديها قيمة فنية رفيعة، وتحظى في الوقت نفسه بجماهيرية واسعة من أمثال إبراهيم عبدالمجيد وإيمان مرسال وميرال الطحاوي وبثينة العيسى وسنان أنطون وحمور زيادة، إلى جانب الاحتفال بمؤلفي الإصدارات الأكثر مبيعاً لدى مكتبتي تنمية أو ديوان. ونجحت أعمال المهرجان كذلك في ضمان تمثيل متنوع لكثير من الأصوات الإبداعية العربية من خارج مصر وهي خطوة مهمة لتجاوز المركزية المصرية.
سحر وسط البلد
نال المهرجان اهتماماً إعلامياً لافتاً لكونه مبادرة فريدة في التعاون بين مكتبتين ناجحتين متنافستين في محيط جغرافي واحد داخل نطاق وسط القاهرة الخديوية، ووجد ترحيباً لدى بعض المثقفين الذين اعتبروه "مناسبة ملائمة لاستعادة الحيز الثقافي الذي كانت تشغله في الماضي مواقع تقليدية مثل أتيليه القاهرة ومقهيين هما "ريش" و"زهرة البستان"، وكذلك الفضاءات التي كانت تميز القاهرة وتراجع حضورها لاعتبارات مختلفة خلال العقد الأخير. وقد لفت إلى ذلك الإعلامي عمرو خفاجي عند تقديمه الندوة الافتتاحية التي تركزت حول تاريخ النشاطات الثقافية في وسط المدينة، بينما ألح الناشر فريد زهران مدير دار المحروسة، على ضرورة تعزيز مساهمة المبادرات المستقلة وعمل مؤسسات المجتمع المدني.
وفي مقابل الأصوات التي تحمست للمهرجان، تجلت حزمة من الانتقادات (بعضها غير مقنع) على مواقع التواصل الاجتماعي، تركزت في معظمها على ما عده البعض إشارة لدخول المؤسسات الرأسمالية للسيطرة على الأنشطة الثقافية، اعتراضاً على وجود رعاة للمهرجان من بين بعض الشركات، وخص المنتقدون "شركة الإسماعيلية" التي تنشط في شراء عقارات وسط القاهرة بالذات، لكونها أتاحت دار عرض "سينما راديو" العريقة لاستضافة النشاطات.
واعترض آخرون على شروط التسجيل الإلكتروني المسبق لحضور الندوات، فضلاً عن رفضهم لوجود تذكرة للدخول بقيمة تعادل قيمة نصف دولار تقريباً، ومن ثم تعامل البعض مع المهرجان كـ "سابقة رأسمالية". وتعزز هذا الانطباع نسبياً بسبب ارتفاع أسعار الكتب الواردة من خارج مصر أو المنشورة داخلها. ووجد اختيار النجمة منة شلبي لتكريمها منفردة خلال حفلة الافتتاح، اعتراضاً من بعض الأصوات مثل الناقدة عبلة الرويني، لأنها بعيدة من وجهة نظرهم، عن الفضاء الثقافي الذي استهدف المهرجان تعزيزه، ولم تنجح حيثيات تكريمها بصفتها "أكثر بطلات السينما سعياً لتجسيد شخصيات درامية مأخوذة عن أعمال أدبية"، في إقناع المنتقدين. وانتقد البعض كثرة الورش المخصصة لكتابة السيناريو والرواية لأنها "تدفع بغير المبدعين إلى المجال العام تعزيزاً لفكرة استهلاكية وليس أكثر".
تضامن ونجاح
من جهة أخرى، وجد المهرجان الكثير من مواقف التضامن من جهة مثقفين وناشرين، بغرض دعم جهود الناشر خالد لطفي مؤسس مكتبة تنمية، في استعادة حضوره داخل الأوساط الثقافية، عقب انتهاء محنة سجنه التي استمرت لخمس سنوات، إثر قيامه بنشر طبعة مصرية من كتاب "الملاك" للمؤلف الإسرائيلي يوري بار جوزيف الذي اتهم بإفشاء أسرار عسكرية، لا علم للناشر بها.
وأكد نجاح فكرة المهرجان الثقة في قدراته التسويقية ونجاحه فى حشد عدد كبير من الناس خلف فكرته التي أكدت أن القاهرة لا تزال واحداً من المراكز الرائدة للحياة الثقافية في العالم العربي، وبالتالي هناك ضرورة لإعادة الاعتبار لوسطها التجاري، واستمرار دورها كقلب نابض يواجه ما تشهده القاهرة من تغييرات حادة في هويتها البصرية. وعطفاً على هذا النجاح شهدت معظم ندوات المهرجان إقبالاً واسعاً، لا سيما الندوات التي قدمت بعض الكتاب الأكثر مبيعاً خلال الأعوام الأخيرة. ومن أبرزها الندوة التي خصصت للمؤلف الشاب أسامة عبد الرؤوف الشاذلي مؤلف رواية "أوراق شمعون المصري" التي أكد خلالها أن روايته كتبت في فترة اضطراب عاشها العالم العربي، لذلك كان عنوانها الأول "سنوات التيه"، ولفت إلى ما تحتاجه الرواية التاريخية من مقومات.
وكانت الندوة المخصصة لتناول قضية "الكتابة الذاتية"، واحدة من أنجح ندوات المهرجان وأكثرها جماهيرية، وشارك فيها كل من الروائية ميرال الطحاوي، والشاعرة إيمان مرسال، وأدارها الكاتب والمترجم محمد عبد النبي، وتجاوز حضورها حاجز الـ 500 شخص، ضمنهم عدد كبير من الكُتاب والمبدعين.
ورصدت إيمان مرسال فيها محددات تصنيف الكتابة الذاتية إلى كتابة غير تخيلية، وقالت ان "التصنيفات ما بين تخييلي وغير تخييلي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية، وكتب عنها الكثير من الكتاب". واعتبرت صاحبة "في أثر عنايات الزيات" أن أحد مميزات الأدب العربي القديم أن مفهومه حول الذاتي، كان أوسع كثيراً من المفهوم الذي تبنته الآداب الغربية، إذ كان مفهوم الأدب يضم الذاتي وإنتاج المعرفة في آن واحد، وأضافت: "كان لدينا في الأدب العربي شيء جميل لكن لم نستطع مشاركته مع العالم". ولفتت إلى أن الكتابة الذاتية ليست الكتابة عن الذات وحسب، فهي أكبر من ذلك، إذ يمكن العثور عليها في كتابات متنوعة".
ورأت ميرال الطحاوي أنها أدركت مبكراً أن الكتابة تحوي نوعاً من التعرية بشكل ما، لذلك حكت في بداياتها عن نشأتها. وقالت إنّ عندما بدأت التسعينيات، كان أوان ظهور عدد من الكاتبات اللاتي كتبن عن أنفسهن، وكان هناك احتفاء بهذه الكتابة. لكن بعد عقد من الزمن، بدأ التعامل بنوع من الاستهانة مع الكتابة الذاتية في مقابل الدفع بأنواع أخرى من الكتابة. وقالت الطحاوي: "التعبير عن الذات فاضح، ولكن اتضح لي بالخبرة أنها كلما حاولت الابتعاد عن الذات في الكتابة تنجذب أكثر كما المغناطيس". وفي السياق ذاته أكدت إيمان مرسال أن معظم الجدل الذي أثير حول كتابات ذاتية جاء من ناحية كاتبات، لافتة إلى أن المشكلة كانت نابعة من المشهد الثقافي نفسه وليس من خارجه".
وبالمثل شهدت الندوة التي حاضر فيها إبراهيم عبدالمجيد وعبلة الرويني وعزت القمحاوي وحمدي الجزار، إقبالاً واسعاً. وتحدث صاحب "لا أحد ينام في الإسكندرية" عن تجربته وكيف أنه أراد أن يتفرغ للكتابة وتجنب طوال حياته الكتابة الصحافية حتى لا يتأثر إبداعه. في حين ركزت الرويني على فكرة مسؤولية الكاتب تجاه جمهوره وتجاه الكتابة قبل أي شيء آخر، وقالت: "الاهتمام ليس بفعل الكتابة وإنما بمعنى الكتابة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكد القمحاوي أنه كلما انتهى من كتابة عمل جديد يشعر أنه فرغ تماماً من دون أن يحقق ما كان يراه. وبهذا الإحباط يبدأ العمل على كتاب جديد، مشيراً إلى أنه أدرك في وقت مبكر أن مهنة الصحافة التي امتهنها، بعيدة عن الكتابة بمعناها الإبداعي. لذلك حاول ترقية أسلوبه في الكتابة، إلى أن وصل إلى النص المتعدد الأجناس. واعتبر الروائي حمدي الجزار أن شغفه الأساسي لم يكن بالكتابة وإنما بفعلين آخرين هما القراءة والإطلاع، ثم المشي المستمر في أحياء القاهرة، وبفضل هذا الشغف اهتدى إلى الكتابة.
وأعطت الندوة التي قدم فيها سنان أنطون روايته الجديدة "خزامى" مثالاً لقدرة الكاتب على إثارة اهتمام الجمهور على رغم الأفكار العميقة التي تناولها. وركز أنطون على مفهوم الهوية انطلاقاً من تجربته في العيش في العراق ثم الاستقرار في الولايات المتحدة، وكيف قام مشروعه الإبداعي لدعم فكرة أصيلة للدفاع عن التنوع، مؤكداً أن رواياته تواجه قضية طمس الهويات. وعلى العكس من تميز ندوة سنان الأولى عانت ندوته الثانية التي دارت حول "ألف ليلة وليلة" من الطابع العمومي للعنوان، لذلك اجتهد أنطون في تتبع مسيرة النص الإشكالي في الثقافات العالمية. وتحدثت منصورة عز الدين عن "الهجنة الثقافية للنص"، التي تفسر الكثير من صور الافتتان به عالمياً.
وبخلاف الندوات الأدبية حظيت الندوات التي ركزت على قضايا فنية باهتمام كبير، فقد تم تخصيص ندوة حول واقع السينما العربية الجديدة حاضر فيها المخرج السعودي علي سعيد والناقد السعودي طارق الخواجي والمخرج المصري أحمد فوزي صالح. وأقيمت عدة ورش حول كتابة السيناريو التلفزيوني والسينمائي، شارك فيها محمد أمين راضي وهشام عبية، وقدمت الروائية بثينة العيسى ورشة لكتابة الرواية وجدت إقبالاً واسعاً.
ووجدت الندوات حول الموسيقى والغناء الكثير من الاهتمام في المهرجان، فقدمت فيروز كراوية ندوة حول كتابها "كل دا كان ليه" وقدمها الروائي أحمد القرملاوي. وقدم كريم جمال ندوة استعرض فيها كتابه "أم كلثوم وحفلات المجهود الحربي" الفائز بجائزة الدولة التشجيعية" وأدارها بكفاءة محمد دياب.