ملخص
شكاوى متتالية من المحاصصة في اختيار الوزراء والمناصب العليا بموريتانيا بينما يضع مراقبون خريطة طريق لتمثيل مبني على الكفاءة والوطنية.
يقفز سؤال المحاصصة الإثنية والقبلية والجهوية إلى الواجهة في موريتانيا مع كل حكومة جديدة يعلن عنها في نواكشوط، وهذا ما حدث بالفعل هذه المرة، حين أعلن الثلاثاء الماضي عن رابع حكومة معينة بالبلاد في عهد الرئيس محمد الشيخ الغزواني.
طالع الموريتانيون أسماء وزراء جدد جاء معظمهم من القبائل نفسها التي غادر أبناؤها، كما تم تعيين وزراء من أعراق مختلفة ضماناً لتمثيلهم في حكومة يرى أبناء هذا البلد أنها ينبغي أن تشكل فسيفساء المجتمع الموريتاني المتعدد.
لكن السؤال الذي ظل عالقاً من دون إجابة من النخب الموريتانية ـ حول المحاصصة التي أصبحت عرفاً سياسياً منذ نشأة الدولة في ستينيات القرن الماضي ـ هو هل يحرم هذا العرف قطاعات الدولة من تعيين وزراء وموظفين ساميين لعدم مطابقاتهم معايير المحاصصات المتبعة عند صناع القرار في البلاد؟
حل موقت
ينظر بعض المراقبين إلى مبدأ المحاصصة كحل موقت لإشراك مختلف الكفاءات في مجتمع متعدد الأعراق والشرائح كموريتانيا. وهنا يرى منسق تقرير المركز الموريتاني للدراسات والبحوث الاستراتيجية مختار نافع أن "المحاصصة ليست مبدأ سليماً، سواء كانت على أي أساس، لا في موريتانيا ولا في أي بلد آخر إلا في حالات الضرورة القصوى مثل إنهاء الحروب على أن تكون حلاً موقتاً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتفق الوزير السابق، رئيس حزب البناء والتقدم، محمد بربص مع هذا الطرح بقوله إن "المحاصصة حل ظرفي وربما يزول عندما تتكافأ الفرص للجميع، كما أنها إشراك لطاقات لها وعليها أن تسهم في بناء هذا الوطن وأن ترى فيه نفسها".
ويرى رئيس الحزب أنه "إذا كان الهدف منها هو إشراك الجميع فلا ضير في الأمر مع السعي في التناوب بين الأشخاص".
إلا أن تطبيق هذا المبدأ من طرف صاحب القرار قد يعتريه بعض الشطط بحسب البعض، كما يشير إلى ذلك نافع، إذ يعتبر أن "المحاصصة غير المقننة وغير العادلة" أيضاً، المتبعة في تشكيل الحكومات في موريتانيا أثرت في اختيار الكفاءات، فالتوزير يعتمد فيه كون الشخص ينتمي إلى مجموعة معينة أكثر من كونه ذا كفاءة".
ويضرب منسق تقرير المركز الموريتاني للدراسات والبحوث الاستراتيجية المثل بالتعديلات في حكومات الرئيس الحالي "رأينا كل وزير خرج دخل مقابله ابن عمه والحكومة الأخيرة مثال واضح".
بينما يعتبر الوزير السابق محمد بربص مبدأ المحاصصة "ضرورة تبيح الممتنع وقد يبيح الظرف ما يمنعه الشرع إلا أن الإقلاع عن التدوير (في إشارة إلى إعادة تعيين المسؤولين السابقين) يقلص ذلك التأثير ويحد نسبته".
بينما يرى رئيس ميثاق لحراطين (العبيد السابقين في موريتانيا) للحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية، يرب نافع، أن "المحاصصة الآن هي المعمول بها حالياً في موريتانيا، وتتسم بالغبن الكبير والجلي والذي من خلاله يظهر أن المكون الوحيد المهيمن في البلاد هو مكون البيظان (الموريتانيين من أصول عربية) تليهم المكونات من أصول أفريقية كالفلان والسوننكي، ثم يأتي الحراطون والولوف المنحدرة من أصول أفريقية".
وصفة علاج
عبر سنوات من النقاش بين مختلف النخب الموريتانية لم يهتد موجهو الرأي العام الموريتاني إلى وصفة علاج لمعضل فكري وتنموي وسياسي يتخبطون فيه منذ عقود.
ويقدم منسق تقرير المركز الموريتاني للدراسات والبحوث الاستراتيجية مختار نافع حلاً من وجهة نظره يرتكز على "إبعاد القوى التقليدية وجماعات النفوذ المالي والعسكري عن الحياة السياسية وتركها للأحزاب والقوى السياسية، وترسيخ حياة ديمقراطية يكون اختيار الشعب فيها هو الطريق لتشكيل الحكومات".
بينما يرى الوزير السابق بربص أنه "لمعالجة هذا الأمر لا بد من سياسات تشغيل ممنهجة منظمة تطاول القطاع العام والخاص، والتوعية اللازمة للإحساس بتكافؤ المناصب والعمل على تقليص الهوة بين الرواتب بما يتناسب مع الموضوعية والإنتاج".
ويطالب رئيس ميثاق لحراطين بتحديد تصنيف شريحة لحراطين، إذ يرى البعض أنهم جزء من شريحة البيظان. ويضيف "إذا كان الجواب نعم وهذا ليس عيباً، يجب إشراكهم في حصتهم، وإذا كانوا غير ذلك فهم مجرد أداة للاستغلال الشكلي، وعندها يكون الأمر غير مقبول".
وتطرح قضية المحاصصة مشكلات تنموية واجتماعية يشير إليها نافع بقوله "بعض الأطر الأكفاء لم يستطيعوا الحصول على مناصب تناسب مستواهم وأداءهم الذي يقدمونه للوطن، حتى إنها أدت إلى هجرة الأدمغة إلى الخارج لأنهم لم يجدوا هنا ما يناسب مستوياتهم وكفاءاتهم بل يرأسهم آخرون ينتسبون لعلية القوم وأسرة كبيرة".
ويدعو إلى "اعتماد الشفافية والخبرات في المعرفة ووضع الوطن معياراً بعيداً من القبيلة والجهوية والفئوية التي هي الآن مسؤولة عن فساد كل شيء دون الاستفادة من أي شيء".
وسبق أن نظمت الأنظمة المتعاقبة على الحكم في موريتانيا حوارات سياسية عدة لتقنين آليات الحكم وضبط المعايير القانونية لتولى المناصب السامية في الدولة. ويطالب ساسة وقادة رأي ومجتمع بتنظيم حوارات مجتمعية لإعادة النظر في واقع التعيينات والنفاذ إلى دوائر صنع القرار.