Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحكومة العراقية الجديدة تبحث عن "فرص جديدة"

هل الولايات المتحدة غزت بلاد الرافدين أم حررتها؟

صعد السوداني إلى الواجهة كمرشح أصرّ عليه الجناح "الإيراني" ودعمه (رويترز)

ملخص

أحرز العراق تقدماً كبيراً في الإصلاحات ثم إجراء الانتخابات المحلية نهاية العام

اتخذت حكومة محمد شياع السوداني في العراق البلاد مساراً جديداً بخطوات متتالية للإصلاح، وأحرزت تقدماً مهماً نحو القضاء على الفوضى، لكن الهيكل المجزأ والمعقد لن يسمح بأن تؤتي هذه الإصلاحات ثمارها.

هنا يوجد كثير من الأسئلة التي تطرح نفسها، هل فعلاً الأكراد "يهربون النفط العراقي؟" وهل الولايات المتحدة غزت العراق أم حررته؟

على عكس التوقعات، فإن حكومة السوداني، التي تشكلت بعد 13 شهراً من الانتخابات التي أجريت في 10 أكتوبر (تشرين الأول) 2022، ترسم صورة إصلاحية وتوافقية بعيدة من التعصب الطائفي ومتوافقة مع الغرب، إذ إن الخطوات التي اتخذتها حتى الآن تتبع استراتيجية سياسية تعطي الأولوية لسلام ورفاهية المواطنين بمشاريع موجهة نحو المستقبل، بدلاً من إبقاء البلاد عالقة في الماضي وسجن الظلام الأيديولوجي.

بعد مصطفى الكاظمي المعروف بأنه "غربي"، صعد السوداني إلى الواجهة كمرشح أصرّ عليه الجناح "الإيراني" ودعمه، ويجب ألا ننسى أنه عندما تم طرح اسم السوداني من قبل الجماعات الشيعية القريبة من إيران، في سبتمبر (أيلول) 2022، كان رد فعل مقتدى الصدر حاداً، الأمر الذي أسفر عن اشتباكات خلفت قتلى، ومن هنا يظهر أن السوداني ليس لديه خيار "الفشل" وأن صمت الشيعة الراديكاليين وحكومة طهران يجب أخذه في الاعتبار.

منذ أن تولى منصبه، في 27 أكتوبر 2022، فتح السوداني مفاوضات مع حكومة أربيل، ووقع معها اتفاقيات عدة مهمة، وأصبحت بغداد ترسل نحو 400 مليون دينار شهرياً (حوالى 305637.88 دولار) إلى إدارة أربيل لرواتب موظفي الخدمة المدنية، وعلى رغم أن المحكمة الاتحادية العراقية أصدرت قراراً يقضي بأن هذه الأموال "غير دستورية"، استمرت حكومة السوداني بإرسال هذه الأموال تحت مسميات أخرى.

واستطاعت الحكومة الجديدة الاتفاق مع السنة والأكراد على الميزانية، وأعدت مشروع قانون رفعته إلى مجلس النواب، هذه الميزانية، التي تمت الموافقة عليها بشكل مثير للجدل في البرلمان في 12 يونيو (حزيران)، هي معيار مهم للغاية من حيث إظهار الأرض المجزأة والمعقدة في هذا البلد، وعقدت اللجنة المالية النيابية 60 اجتماعاً حول الموازنة، وعقدت 180 اجتماعاً مع الحكومة بهذا الخصوص، وأخيراً تمت الموافقة على الميزانية في 12 يونيو بحضور 229 نائباً في البرلمان من أصل 329.

بالموافقة على الميزانية، أحرز العراق تقدماً كبيراً في الإصلاحات، ثم إجراء الانتخابات المحلية، نهاية العام، لكن كان على حكومته اتخاذ بعض الخطوات المتوقعة من أجل التخلص من صورة الفوضى، ومن بين الشروط التي لا غنى عنها في هذا الجانب هي إجراء الانتخابات في موعدها، وإخضاع القوات المسلحة للسلطة السياسية، وإعطاء الأولوية لمصالح المواطنين في السياسة الاقتصادية والخارجية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومع المرونة النسبية للفاعلين المحليين والأجانب في الفترة الأخيرة، دخل العراق في طريق الإصلاحات، إذ إن هدف "العراق المستقل"، الذي لم يتوصل إليه كاظمي، مطلوب تحقيقه مع السوداني، وفي هذا السياق، فإن الوعي بـ "المواطنة العراقية" سيصبح جاذباً ويهدف إلى تغطية إقليم كردستان أيضاً، كما أن السوداني، الذي يمنحه حتى أكثر الشيعة تطرفاً، شيكاً على بياض، متفائل للغاية تجاه مطالب إدارة أربيل، ويظهر موقفاً إيجابياً في المفاوضات معها، ويتعامل مع المشكلات من خلال نهج موجه نحو الحلول، الأمر الذي يجعل أربيل أقرب إليه.

في هذه المرحلة، هناك فرصة لإحياء اتفاق مشابه للاتفاق الذي تم التوصل إليه بين بغداد وأربيل في أول فترتين من حكم نوري المالكي بين عامي 2006 و2014، لأنه على رغم محاولات بعض الجماعات الشيعية الراديكالية تقويض أجواء المصالحة بين الحين والآخر، فإن الشيعة والسنة والأكراد لا يريدون التراجع عن النقطة التي وصلوا إليها، لأنه إذا تم كسر هذا الاتفاق، الذي تم التوصل إليه بعد مفاوضات طويلة، فإن كل شيء سينتهي من جديد، وإذا تم كسر الإجماع الحالي، فإن الصدر سيعود إلى الساحة مجدداً، كما أن الشيعة لا يستطيعون نقل رسالة الوحدة والمساواة إلى العالم من دون السنة والأكراد.

السوداني ينتهج سياسة التوازن بين إيران والغرب وتركيا ودول الخليج العربي، ويحاول إيصال رسالة مفادها بأنه لا ينخرط في أي سياسة أيديولوجية، وفي هذا السياق، أطلق مشروعاً ضخماً لربط ميناء البصرة بأوروبا عبر تركيا، وعلى رغم أنه من غير المعروف مدى نجاحه في تحقيق هذا المشروع، فإن مجرد الجرأة على القيام بذلك هو تطور يجب أن يؤخذ في الاعتبار.

في هذا المشروع، يستثمر العراق وقطر والبحرين والسعودية وعمان وغيرها نحو 17 مليار دولار، ولهذا الغرض عقد العراق مؤتمراً في بغداد وكانت هناك مشاركات رفيعة المستوى من دول الخليج العربي ودول الجوار، كما قام أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني بزيارة بغداد، الشهر الماضي، وستدعم قطر حكومة بغداد في استخراج وتشغيل الغاز الطبيعي في العراق، وحقيقة أن العراق يتخلص من التبعية الأجنبية في الطاقة والخدمات اللوجستية تعني أن نفوذ إيران سوف يتراجع.

في هذا الشأن، لا يمكن لإيران أن تتخذ موقفاً سلبياً لعدد من الأسباب التي ذكرناها أعلاه، لكن لا يُعرف إلى أي مدى ستسمح طهران، وحقيقة أن الميزانية هي ثلاث سنوات بدلاً من سنة واحدة تعني أن السوداني سيكون مرتاحاً للسياسات التي ستنفذها الحكومة، ولن يحكم على السوداني برغبات الأحزاب الشيعية في السياسات التي سينفذها لمدة ثلاث سنوات، ولن يكلف نفسه عناء الحصول على موافقة البرلمان على المشاريع التي سينفذها، وباختصار، فإن حقيقة أن الميزانية هي ثلاث سنوات هي عامل يريح يد الحكومة، وعلى رغم أن السوداني مدعوم من الشيعة المقربين من إيران، إلا أنه لا يعارض الوجود العسكري الأميركي في البلاد ويقول صراحة إنهم بحاجة إليه.

ونتيجة لكل ما ذكرناه، فإن لدى العراق فرصة كبيرة للإصلاحات، والأهم من ذلك فإن السوداني، الذي يتربع على كرسي رئاسة الوزراء يدرك ذلك، وفي حال لم تتغير التوازنات بشكل مختلف، ولا ترى إيران في إصلاحات العراق تهديداً لها، فقد تتغير بعض الأمور في هذا البلد، وينبغي ألا ننسى أن هناك مشكلات متراكمة يمكن أن تتحول إلى أزمة أو قنبلة جاهزة للانفجار في أي لحظة.

ملاحظة: الآراء الواردة في هذا المقال تخص الكاتب، ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لـ "اندبندنت تركية".

عن "اندبندنت تركية"

المزيد من تحلیل