Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

موسم هروب المصريين من البحر

فنادق البحر الأحمر تسجل أرقاماً قياسية للأجانب لكن موجة "تيتان والأسعار" تقلق المواطنين

قطاع كبير من المصريين غير وجهته الصيفية وآخرون بدلوا جدول أنشطتهم تماماً (أ ف ب)

ملخص

مفارقة غير متوقعة يشهدها الموسم السياحي المصري حيث تمتلئ معظم الفنادق الفاخرة عن آخرها بنزلاء من خارج البلاد بينما المواطن العادي يعاني من ارتفاع الأسعار.

منذ الشتاء اعتاد ملايين المصريين البدء في خطة التحضير لرحلة الشاطئ السنوية، حيث يحلم محبو النزهات البحرية واللهو على المسطحات المائية بهذه الزيارة قبلها بأشهر وأسابيع، وينطلقون في إعداد العدة ووضع برنامج حافل، يتضمن بنوداً متنوعة بينها السباحة والجلوس على الشاطئ والتمتع بالشمس أو القيام بالمغامرات الترفيهية والاستكشافية وحضور الحفلات ومقابلة الأصدقاء وصنع ذكريات مختلفة بعيداً من أعباء العمل والدراسة.

وعلى رغم أنه جرت العادة أن تلك الرحلات دوماً ما ينغصها بعض المفاجآت التي لا تكون متوقعة مثل استحداث طريق جديد يربك المسافرين، أو عدم وجود حجوزات متاحة في الأماكن المفضلة وربما ظهور كائنات بحرية غير صديقة للإنسان في بعض الشواطئ، إلا أنه هذه السنة اجتمعت مجموعة عوامل جعلت البعض يفكر أكثر من مرة قبل التخطيط لنزهته الشاطئية هذا الموسم.

فالأخبار التي تأتي من المسطحات المائية كثيرة ومعظمها يثير الأسى والضيق والرعب أحياناً، وعلى رغم أن ذلك لم يثن المصيفين عن قرارهم بالسباحة والاستمتاع بالأجواء التي ينتظرونها من العام للعام، لكن في الأقل هناك قطاع كبير منهم غير وجهته وآخرون بدلوا جدول أنشطتهم تماماً؛ خوفاً من التعرض لأية أزمات هم في غنى عنها.

رعب "تيتان"

عدد من المصريين بالفعل قرروا التعامل مع موسم البحر هذا الصيف وفقاً لما تقوله نشرات الأخبار حتى لو كانوا جغرافياً بعيدين كل البعد من مناطق القلق، فالمهندس المعماري محمد إيهاب ألغى عدداً من بنود جدول زيارته المعتاد إلى مدينة الغردقة، وأبرزها خوض رحلة بحرية باستخدام الغواصة، حيث يختار دوماً المكوث في فندق بعينه خلال عشرة أيام من الصيف بالمدينة، بصحبة زوجته وأبنائهما الأربعة.

على مدى العامين الماضيين كانت الأسر تحرص على مشاركة رحلة الغواصة مع بعض الأشخاص للتمتع بمشهد الشعاب المرجانية والأسماك النادرة، والتي وصفها بأنها رحلة استثنائية تبهج الأطفال وتكمل تجربتهم الصيفية، ولكنه لا ينكر أنه هذا العام أصيب بالهلع بعد حادث غرق الغواصة تيتان في أعماق المحيط الأطلسي، والتي يقول إنها بالطبع كانت مؤمنة بأقصى قواعد السلامة ومع ذلك بحسب ما قرأ في الأنباء فقد انفجرت بسبب ضغط الماء.

على رغم الفارق الهائل بين الوضعين إلا أن إيهاب لم يمنع نفسه من الشعور بالاختناق لمجرد التفكير بأنه سوف يبقى تحت الماء في آلة مغلقة مثل الغواصة، مشيراً إلى أنه لن يكون مرتاحاً على رغم أن رحلة الغواصة بالغردقة تكون على بعد أمتار قليلة من سطح البحر وليس أربعة آلاف متر مثلما حدث في "تيتان" التي لقي من كانوا فيها حتفهم، في يونيو (حزيران) الماضي، وهم يستكشفون حطام السفينة الشهيرة "تيتانيك".

حوادث القروش

موقف المهندس الشاب وعائلته يبدو مبالغاً فيه ولكن التغطية الإعلامية الكبرى لحادث الغواصة، أثار الهلع في النفوس فمن دفعوا 250 ألف دولار للفرد ثمناً للرحلة كان مفترضاً أن تستمر عدة ساعات تفتت أجسادهم بسبب أخطاء في تقييم مدى قابلية الغواصة للتحرك في تلك الأعماق، ومن ثم كان من الطبيعي أن يصاب بالفزع من يسكن في النصف الثاني من الكرة الأرضية ويدفع فقط ما بين "20 إلى 30" دولاراً أميركياً للفرد مقابل الغوص لأعماق قليلة لمشاهدة أسماك ملونة، حتى لو كان لا يوجد أدنى مقارنة بين الموقفين.

واللافت أن تلك العائلة تأثرت خططها بمأساة "تيتان" ولم تأبه كثيراً بحادثة ظهور القرش على شواطئ الغردقة والذي التهم سائحاً روسياً، الشهر الماضي، واستدعت الواقعة إيقاف النشاطات البحرية بشكل موقت من قبل وزارة البيئة المصرية، وذلك في فصل جديد من تلك الحوادث المتكررة التي تطل بين عام وآخر على شواطئ البحر الأحمر، سواء في الغردقة أو سهل حشيش أو شرم الشيخ.

هذا الأمر يعلق عليه رئيس جمعية مستثمري نويبع المصرية، سامي سليمان، بقوله إن التغير في سلوك القروش من المفترض أنه بات أمراً مفهوماً لدى الجميع، مقللاً من أهمية تأثير تلك الحوادث على قرارات السائحين بشكل عام بخاصة الأجانب لأنهم يقابلون تلك الحوادث كثيراً ويعلمون أن أي شاطئ معرض لها نتيجة لتصرفات البشر التي بدورها تؤثر في سلوك المخلوقات البحرية.

ويرى أن البحر الأحمر مجرى مائي عالمي وتتأثر الكائنات الموجودة به بما يجري في الكوكب من تغيرات مناخية موسمية، لافتاً إلى أن أزمة القرش انتهت سريعاً وعادت الأمور إلى طبيعتها.

لحوم الحمير

إن لم تتأثر خطط من يذهبون إلى البحر الأحمر كثيراً، لكنهم في الأقل باتوا أكثر حذراً وبينهم سارة شكري التي اعتادت أن تستمتع بجولات غطس أثناء قضائها عطلتها الصيفية بمدينة الغردقة، لافتة إلى أنها اطلعت مطولاً على المناطق الأكثر مأمونية هذه السنة، كما ستتواجد بين مجموعات من الأصدقاء تحسباً لوقوع أي مكروه.

وتقول سارة إنها بشكل عام تحفظ عن ظهر قلب تعليمات السلامة ولكن هذه المرة سوف تجلس مع مدربها للوقوف على أية تحديثات.

الملاحظ هذا العام أن الأنباء الغريبة الواردة من محيط الشواطئ لا تتوقف، حيث اضطرت الممثلة والمذيعة المصرية إسعاد يونس، قبل أيام، إلى نفي امتلاكها منتجعاً فارهاً بالغردقة، وذلك على أثر تداول فيديو لمشاجرة عنيفة في أحد الفنادق هناك مع ادعاء ملكيتها له، وادعاء آخر بأن سبب الخلاف هو اكتشاف النزلاء أن الفندق يقدم لحوم حمير ضمن وجباته للنزلاء.

وعلى رغم نفي المركز الإعلامي لمحافظة البحر الأحمر في مصر، هذه المعلومة، إلا أن البلبلة كانت قد وقعت بالفعل لتطاول معها قائمة التوترات المتعلقة بالموسم السياحي الصيفي 2023 في البلاد.

وبمتابعة أسعار الحجوزات التي تستعرضها الفنادق والمنتجعات والوحدات المطلة على شاطئ البحر الأحمر، سواء في الجونة أو سهل حشيش أو دهب أو شرم الشيخ والغردقة، نجد ارتفاعاً ملحوظاً في التكاليف مقارنة بالعام الماضي، لتأتي الأسعار المتأثرة بطبيعة الحال بتعويم العملة وانخفاض قيمتها لتضيف عبئاً جديداً على ميزانية الأسرة المصرية التي ترغب في الهروب من درجة الحرارة وقضاء عدة أيام على الشاطئ، وذلك بخلاف الحوادث المتوالية التي تنال من موسم البحر السنوي محلياً ودولياً وبينها حوادث غرق قوارب اللاجئين التي سببت الذعر على أكثر من مستوى وراح ضحيتها الآلاف ممن فضلوا ركوب البحر على أمل الحصول على فرص معيشية منصفة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

انتعاش السياحة الخارجية

المتخصص السياحي المصري أحمد شبل يرى أن السياحة الداخلية تأثرت بشكل كبير للغاية بسبب الأزمة الاقتصادية والمتمثلة في ارتفاع معدل التضخم وانخفاض سعر الجنيه مقابل الدولار، مشيراً إلى أن أسعار الفنادق متوسطة المستوى زادت بنسبة تجاوزت الضعف، وتصل إلى الضعفين في الفنادق المميزة، مما أدى بدوره إلى انخفاض كبير بين أعداد المصريين المقبلين على السفر إلى المنتجعات السياحية، بخاصة تلك التي تقع على البحر الأحمر، موضحاً أن المؤثر الأول في حركة السياحة الداخلية ليس حادثة القرش وإنما الكلفة.

المفارقة أن الإقبال يتزايد من قبل السياح الأجانب من جنسيات متعددة، إذ يستفيد الزائرون من فرق سعر العملة، وأيضاً من الوجهات السياحة المتعددة في مصر سواء تاريخية أو دينية أو ثقافية، علاوة على تنوع الشواطئ وتميزها.

ويصف "شبل" العام السياحي الحالي بالنسبة للزائرين من دول أخرى بأنه استثنائياً لأنه وفقاً للأرقام تخطت الإيرادات موسم 2010 والذي دائماً ما يتم الاستشهاد به كأحد أفضل مواسم السياحة الخارجية في مصر عبر تاريخها، ومع انتعاش حركة السياحة من وجهات مختلفة إلى مصر، تكاد تكون نسبة الرواج في جميع المناطق السياحية عند أعلى مستوى لها منذ أزمة سقوط الطائرة الروسية في شبه جزيرة سيناء عام 2015.

وتابع "نسبة الإشغال في فنادق شرم الشيخ والغردقة وغيرها على مستوى البلاد تكاد تفوق 95 في المئة، وذلك بسبب ازدياد أعداد الوفود السياحية بشكل كبير، بخاصة من دول لم تكن أساسية على خريطة السياحة بمصر، وبينها بلاد المغرب العربي ولبنان والأردن وتركيا، إضافة إلى الجنسيات المعتادة مثل البريطانيين والإيطاليين الذين تقارب أعدادهم الحالية ما كان قبل كورونا، إلا أن السوق الروسية والأوكرانية متأثرتان بشكل كبير بسبب الحرب الدائرة بينهما وكانا يعتبران من الضيوف الرئيسين في الموسم السياحي الصيفي في مصر".

أسعار باهظة

أما في ما يتعلق بشواطئ البحر المتوسط في مصر، فالشكوى من ارتفاع الأسعار القياسي لا تتوقف، وعلى رغم أن ما يسمى شعبياً بـ"الساحل الشرير" والمقصود به مجموعة من المناطق الواقعة غرب مدينة الإسكندرية وهي تضم رأس الحكمة وسيدي عبدالرحمن والعلمين وغيرها، وهي من الأساس معروفة بارتفاع أسعارها وبأنها مقصد الطبقة الثرية، لكن مع التضخم الاقتصادي هذه السنة حتى أفراد هذه الطبقة لا يتوقفون عن الشكوى.

وصل سعر زجاجة المياه في عدد من الشواطئ هناك إلى 200 و250 جنيهاً مصرياً (من سبع إلى ثماني دولارات أميركية)، أي قرابة 25 ضعفاً لسعرها في الأسواق العادية، وعلى رغم أن الإقبال لا يزال كبيراً إلا أن هناك من قلص أيام مكوثه هناك وبدلاً من اعتبارها رحلة استجمام طويلة تستمر طوال أشهر الصيف أصبحت بالنسبة للبعض مجرد أسبوعين أو شهر على الأكثر.

هنا علق عدد من مشاهير الفن والإعلام المصريين على مستوى زيادة الأسعار هذه السنة، والتي تعتبر بالنسبة لهم كبيرة وغير منطقية وأثرت في نمط حياتهم هناك وبينهم المذيع تامر أمين والممثل إسلام إبراهيم والممثلة جوري بكر، فشاطئ البحر المتوسط بشقيه الطيب والشرير يعتبران مقصداً كلاسيكياً للمصيفين في مصر، ولكن هذه السنة تتعدد الشجون المثارة حوله، لأنه حتى الفنادق والوحدات السكنية الموقتة التي تصنف بأنها متوسطة شهدت زيادة ضخمة في الأسعار وكذلك السلع الاستهلاكية والمأكولات.

بالتالي فإن اتخاذ قرار بالذهاب إلى المصيف في موسم البحر هذه المرة يحتاج إلى كثير من التفكير لتوفيق الميزانية، وهو الأمر الذي علقت عليه إحدى عضوات مجموعة نسائية على "فيسبوك" خاصة بتدبير شؤون المنزل أنها بلغة الأرقام يمكنها أن تفكر هذا العام في السفر إلى إحدى جزر اليونان متوسطة الكلفة لقضاء إجازة صيفية عائلية وذلك بعد أن فوجئت بأن قضائها عدة أيام بأحد الفنادق الفاخرة بالساحل الشمالي في مصر سوف تكلفها ما يزيد على خمسة آلاف دولار!

المزيد من تقارير