ملخص
يصطدم نهج إيران بموقف عالمي يجمع على ضرورة البحث عن حلول ويدعم الموقف الإماراتي الباحث عن تسوية وحقوق الكويت والسعودية في مياههما وثرواتهما
خلال أسبوع واحد احتجت إيران لدى روسيا على البيان الروسي - الخليجي الصادر عن اجتماع الحوار الاستراتيجي بين الطرفين في موسكو، وشنت هجوماً على الكويت التي طالبتها بمفاوضات لتعيين الحدود البحرية المشتركة بينهما في مياه الخليج العربي.
في الحالين كان لافتاً رفض إيران لمبدأ "التفاوض"، فالكويت تحدثت عن تفاوض، والمجموعة الخليجية في بيانها المشترك مع روسيا أكدت دعم الإمارات في دعوتها إيران للتفاوض أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية لبت النزاع الواقع على ملكية الجزر الإماراتية الثلاث في الخليج التي تحتلها إيران منذ 1971.
ردت إيران فوراً على بيان موسكو. لم تعجبها صيغة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظرائه الخليجيين في الإلحاح على "حل سلمي" لقضية الجزر والدعوة إلى "مفاوضات ثنائية أو اللجوء إلى المحكمة الدولية". وقال ناصر كنعاني المتحدث باسم وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان على الفور إن "الجزر إيرانية إلى الأبد" واتهم علي ولايتي مستشار المرشد علي خامنئي الروس "بالبساطة"، أي إنهم يتخذون مواقفهم بخفة، وهو ما لاحظه رجل المرشد "في أجزاء من المنطقة حيث لا توجد معرفة عميقة بين روسيا ودولها"!.
استدعت الخارجية السفير الروسي ألكسي ديدوف لتبلغه احتجاجها الشديد، وهو ما فعلته نهاية العام الماضي مع السفير الصيني احتجاجاً على بيان مماثل في شأن الجزر الإماراتية صادر عن القمة الخليجية- الصينية التي التأمت في الرياض .
يومها استدعت الخارجية الإيرانية السفير الصيني غداة مغادرة الرئيس شي جينبينغ السعودية وأبلغته احتجاجها على ما ورد في البيان المذكور وتأكيده أن "النزاع يجب حله من خلال المفاوضات"، معلنة أنها "لم ولن تخضع للمفاوضات مع أي دولة" والجزر هي "جزء لا يتجزأ من إيران".
لم تراع طهران حليفتيها (موسكو وبكين). كانت معاهدة التعاون الاستراتيجي واتفاق ربع القرن طازجين بين الصين وإيران عندما شن الإعلام الرسمي وشبه الرسمي في إيران حملة على الحليف "التاريخي" وضد موسكو.
وعلى رغم التعاون الوثيق في سوريا ثم أوكرانيا تحت عنوان مواجهة أميركا والغرب اندلعت هجمات المحللين الإيرانيين ضد روسيا قبل هذا التعاون وخلاله وغداة البيان الخليجي - الروسي. وفي الحالين باتت العلاقة مع الصين وروسيا مثار جدل داخلي بين "إصلاحيين" ينتقدون التحاق القيادة الأصولية بالبلدين، وأصوليين يدافعون عن "إنجازات" حكومة إبراهيم رئيسي الخارجية والداخلية.
المتخصص في الشأن الإيراني عبدالرضا فرجي راد كتب في صحيفة "آرمان ملّي" الإصلاحية عن توقيع الصين وروسيا على "بيانات تتعلق بدول عربية ضد مصلحة طهران، على رغم أن هذا التصرف كان مستبعداً من هاتين الدولتين".
أما صحيفة "جمهوري إسلامي"، فشددت على أن جهود "القوى الأجنبية تنصب دائماً على كسب مصالحها حتى على حساب استقلال ووحدة أراضي الطرف الآخر. وموقف الصين وروسيا يأتي ضمن هدف كسب مصالحهما الخاصة حتى على حساب وحدة أراضي إيران".
كاتب إيراني ثالث اعتبر "المشاركة الروسية في البيان (الخليجي) خيانة جديدة"، وقال صابر غل عنبري إن "روسيا كالصين تتخذ الجانب المعادي لإيران في الخلافات الإقليمية، وهذا انعكاس لحقيقة أن روسيا تعتبر عقد مثل هذا الاجتماع مع حلفاء أميركا العرب مفيداً حالياً".
استوعب الصينيون أولاً ثم الروس "الانفعالات" الإيرانية، إذ تمثل موقفهما رداً على الاحتجاجات الصاخبة في إبداء الاحترام للسيادة الإيرانية ووحدة طهران، وهذا في المبدأ ينطبق على علاقاتهما مع الدول الأخرى وينسجم مع القوانين الدولية ومواقف الدول الكبرى من الخلاف الإيراني- الإماراتي حول الجزر .
كانت الإمارات دعت منذ بداية الأزمة قبل أكثر من نصف قرن إلى تطبيق التفاهمات التي أنجزت مع الشاه في شأن السيادة على أبو موسى، لكن الشاه احتل الجزيرة ومعها جزيرتا طنب الكبرى وطنب الصغرى التي تشكل في مجموعها بوابة الخليج على مضيق هرمز وتضم في أرضها وعلى سطحها ثروات وإمكانات كبيرة.
اغتنم الحاكم الإيراني فرصة الانسحاب البريطاني من المنطقة قبل قيام دولة الإمارات لتحقيق بعض من أحلامه الإمبراطورية التوسعية، ثم جاء من خلفه باسم الدين والثورة لمتابعة هذه الأحلام والمشاريع برداء فضفاض يمتد من الأطماع الشاهنشاهية إلى استخدام المذهبية التقسيمية.
لم يتمسك خلفاء الشاه باحتلال الجزر فقط، بل وسعوا نشاطهم إلى أنحاء الخليج وأخذوا على محمد رضا بهلوي "المقبور"، بحسب تعابيرهم "الثورية"، تخليه عن المطالبة بدولة البحرين كما قال علي أكبر ولايتي قبل أيام في مقالة لوكالة " تسنيم" الإيرانية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
جوهر الموقف الإيراني مما يتصل بالجزر والحدود كان دائماً في رفض التفاوض على رغم أحاديث المسؤولين المعسولة عن الاحترام بين الأشقاء والجيران وأبناء الدين الواحد .
وآخر مثال على هذا الرفض رد فعل طهران على دعوة الكويت لها إلى التفاوض من أجل تثبيت الحدود البحرية في الخليج حفاظاً على حقوق الكويت والسعودية في الثروات الطبيعية لحقل الدرة النفطي الذي تسميه إيران "أرش". هاجمت إيران المطالبة الكويتية ثم لاحظت بسخط أنه "بعد يوم واحد، ومن دون الأخذ في الاعتبار الأجواء الجديدة في العلاقات الثنائية، تبنت السعودية موقف الكويتيين وأعلنت أن ملكية هذا الحقل النفطي تعود للكويت والسعودية".
وكالة " تسنيم" المقربة من السلطة نشرت تحليلاً مستفيضاً في هذا الخصوص ختمته باستخلاص لافت قالت فيه، "يبدو أن الكويت والسعودية فسرتا بشكل خاطئ بالتزامن مع اتفاق بكين بأنه من المحتمل أن تتفاعل إيران بصمت وتساهل تجاه حقل أرش النفطي".
من شمال الخليج إلى جنوبه نهج إيراني توسعي واحد يتواصل على رغم المناخات الإقليمية الجديدة، يقوم على التمسك بأراضٍ متنازع عليها باسم السيادة ووحدة الأراضي الإيرانية وعلى رفض التفاوض إن كان يسمح بحصول الأطراف العربية على حقوقها.
ويصطدم هذا النهج بموقف عالمي يجمع على ضرورة البحث عن حلول ويدعم الموقف الإماراتي الباحث عن تسوية والموقف العربي المتضامن معه، كما يدعم حقوق الكويت والسعودية في مياههما وثرواتهما. ويصطدم النهج الإيراني هذا بأهم حليفين لطهران في المرحلة الراهنة (موسكو وبكين)، عدا عن الأطراف الدولية الأخرى. وهذا ليس جديداً على إيران.
ففي موضوع الجزر اصطدمت سابقاً بنظام الرئيس حافظ الأسد عندما طرح غداة حرب تحرير الكويت (1992) مبادرة قادها فاروق الشرع وانتهت بالفشل. يومها كتبت صحيفة "طهران تايمز" أن "إيران رفضت الوساطة السورية لأن سوريا طرف غير محايد" وهي تدعم الإجماع العربي في شأن الجزر الثلاث.
في الخلاصة لا تقدم إيران سلوكاً حريصاً على التعاون في منطقة الخليج، بل استمراراً لمنطق الهيمنة حتى لو كلف ذلك توترات إقليمية مستجدة أو صداماً مع الحلفاء. وعلى ما يبدو فإن مثل هذا التوتر والصدام يبدوان ضروريين في حسابات صراع السلطة مع معارضيها في بلاد الفرس من أجل تثبيت أرجل القطاع الأكثر تطرفاً في السلطة الدينية الأمنية.