Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العلوم المزيفة تستولي على وسائل التواصل الاجتماعي

تغلب نظريات المؤامرة على الحقائق الفعلية وتهدد مستقبل السلوك الإنساني

ولدت الانترنت من رحم التقدم العلمي والتقني، لكن وسائط التواصل الاجتماعي حولتها وسيلة لنشر معلومات علمية زائفة (ميديا.إن بي آر.كوم)

إن بحثتم عن "تغير المناخ" على "يوتيوب" لن يطول بكم الأمر قبل أن تعثروا على فيديو ينفي تلك الظاهرة. وفي الواقع، تفيد دراسة جديدة إن النقاش حول تغير المناخ على شبكة الإنترنت يحمل بصمة الرافضين لتلك النظرية والميالين إلى إطلاق نظريات المؤامرة، أكثر من تعبيره عن وجهة نظر المؤمنين بالعلم. إذ وجد الباحثون دلائل على أن معظم الفيديوهات حول ظاهرة تغير المناخ على "يوتيوب" تعارض الإجماع العلمي علو كونها متأتية بشكل رئيس من أفعال الإنسان.

وتلفت الدراسة إلى الدور الرئيسي لوسائل التواصل الإجتماعي في انتشار المعلومات العلمية المزيّفة. كما تقترح على العلماء ومناصريهم أن يعملوا أكثر على تطوير طرق مبتكرة وجذابة لإيصال استنتاجاتهم إلى الرأي العام. لكن الأهم من ذلك هو أن نتنبّه إلى تأثيرات التحوير الخبيث للمعلومات العلمية على سلوكنا أفراداً ومجتمعات.

حللت الدراسة الجديدة التي أعدّها يواكيم ألغاير من "المعهد التقني العالي" في مدينة آخن بألمانيا ("آر دبليو تي ايتش آخن") محتوى 200 فيديو عشوائي تناول موضوع تغير المناخ على "يوتيوب". واكتشف ألغاير أنّ غالبية الفيديوهات (107 فيديو) نفت مسؤولية الإنسان في حدوث تغير المناخ أو زعمت أنّ مقولة تغير المناخ تمثّل جزءاً من مؤامرة.

حصدت الفيديوهات التي تسوّق نظريات المؤامرة أعلى نسبة من المشاهدات. ولجأ ناشرو تلك النظريات إلى استخدام مصطلحات مثل "الهندسة المناخية" كي يوحوا بأن مزاعمهم تستند إلى أسس علمية، فيما العكس هو الصحيح.

 

التضليل الصحي

لا يمثّل تغير المناخ الموضوع الوحيد الذي تنتشر بشأنه معلومات علميّة مزيّفة على شبكة الإنترنت بأكثر من انتشار الحقائق العلمية السليمة حوله. لننظر إلى موضوع الأمراض المعدية مثلاً، بالتحديد إلى الطُعم الثلاثي الشهير ضد الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية. على الرغم من وفرة المعلومات التي تؤكد أن ذلك اللقاح آمن، انتشرت على نطاق واسع مزاعم مزيفة بأن اللقاح يخلّف أضراراً جانبية، ما أدّى إلى هبوط نسبة التطعيم في عدد من البلدان.

واستطراداً، لا تنحصر الأضرار في نظريات المؤامرة المعروفة للجميع. في مايو (أيار) 2018، وضع أحد مثيري المشاكل نظريته الخاصة عندما كان وباء فيروس "نيفاه" في أوجّ انتشاره متسبّباً بوفاة 17 شخص في ولاية "كيرالا" بجنوب الهند. فقد نسخ ذلك الشخص شعار مكتب طبيب المقاطعة لينشر رسالة يدّعي فيها أن فيروس "نيفاه" ينتقل عبر تناول لحم الدجاج.

وفي المقابل، تؤكّد الوقائع العلمية المثبتة أنّ حامل الفيروس وناقله ليس سوى خفاش الفاكهة. ومع انتشار تلك الإشاعة غير المثبتة على تطبيق "واتس آب" في "كيرلا" والولايات المحاذية لها مثل "تاميل نادو"، ابتعد المستهلكون عن الدجاج مما خلّف خسائر كبيرة على تجار الدجاج المحليين.

واستطراداً، يجب ألاّ نتفاجأ من آثار التضليل الذي طاول لقاح الحصبة الثلاثي وفيروس "نيفاه" على سلوك الناس نظراً لما نعرفه عن مرونة الذاكرة وسهولة تطويعها كي تستبدل الوقائع الفعلية بأخرى جديدة ومزيفة. كذلك نعرف أنّ نظريات المؤامرة جذابة لأنها تساعد الناس على استيعاب حوادث أو مسائل خارجة عن نطاق سيطرتهم.

وكذلك تزداد تلك المشكلة تعقيداً مع ميل مواقع التواصل الاجتماعي إلى استخدام البرامج الرقمية والخوارزميات المتقدّمة المصنوعة بطريقة تجعلها قادرة على التعامل مع كل شخص على حدة. وبالنتيجة، تعمل تلك البرامج والخوارزميات على تقديم محتوى يتناسب مع معتقداتنا وانماط اختياراتنا، فتساهم في تعزيز تقبلنا للمعلومات المضللة. وعلى تلك الشاكلة، يقدّم للمُشكّك في تغير المناخ مثلا،ً سيلاً من المعلومات التي تنفي ضلوع البشر في تلك الظاهرة فيصبح من المستبعد أن يبادر إلى أعمال شخصيّة بشأنها أو أن يصوّت لمصلحة التصدي لها.

في السياق نفسه، سوف ينتج عن التطورات السريعة في التكنولوجيا الرقمية تغيير في شكل التضليل المعلوماتي الذي سيُعلّب في أشكال غير متوقعة ويصل إلى مستويات متفاوتة في التعقيد والتطور. وليس نسخ تصميم رسائل أحد المسؤولين أو استخدام الكلمات الأساسية كمفاتيح للتلاعب بمحركات البحث على الإنترنت سوى الواجهة لذلك الموضوع. وكذلك يؤدّي ظهور برامج متطورة ومستندة إلى الذكاء الاصطناعي مثل "ديب فايكس" المُكوّنة من فيديوهات مزوّرة على درجة عالية من الواقعية، إلى تزايد صعوبة كشف المعلومات المضللة.

كيف نتصدى لتلك المشكلة؟ يصبح ذلك التحدي أكثر صعوبة استناداً إلى حقيقة أن توفير المعلومات العلمية التصحيحيّة للناس يمكن أن يعزز وعيهم بالأكاذيب. لذا، علينا أيضاً أن نتخطى مقاومة الناس التي تأتي من معتقداتهم ومواقفهم المسبقة.

في ذلك السياق، تسعى شركات التواصل الاجتماعي إلى تطوير آليات مؤسّساتيّة تستطيع احتواء التضليل المعلوماتي. وفي رد على الدراسة الجديدة، ذكر أحد الناطقين باسم شركة "يوتيوب" إنّه "منذ إجراء تلك الدراسة في العام 2018، أحدثنا مئات التغييرات في "يوتيوب"، لذا فإن نتائج تلك الدراسة لا تعكس طريقة عمل المنصة اليوم... وتسببت تلك التغييرات في تراجع عدد المشاهدات المتصلة بذلك النوع من المحتوى بحوالى 50 في المئة في الولايات المتحدة".

في سياق متصل، عمدت شركات اخرى إلى توظيف أعداد كبيرة من مدققي الحقائق، ووفّرت منحاً مالية للباحثين الأكاديميين (وأنا منهم) كي يدرسوا مسألة التضليل المعلوماتي، ومنعت بعض كلمات البحث المتعلقة بمواضيع يمكن أن يؤدي التضليل فيها إلى أضرار صحية.

من جهة اخرى، إن استمرار المعلومات العلمية المزورة في الظهور بكثافة على وسائل التواصل الاجتماعي، يوحي بقصور تلك الإجراءات. وبالتالي، تتخذ حكومات عدّة إجراءاتها الخاصة، وتصدر التشريعات أو تعطّل شبكة الإنترنت، مثيرةً بذلك غضب نشطاء حرية التعبير. 

اقرأ المزيد

من واجب العلماء التدخل

يكمن أحد الحلول في صقل قدرة الناس على التحليل كي يستطيعوا التمييز بين المعلومات العلمية الفعلية ونظريات المؤامرة. ومثلاً، أطلقت إحدى المقاطعات في ولاية "كيرالا" مبادرة للتثقيف المعلوماتي في 150 مدرسة رسمية تقريباً بهدف تسليح الأطفال بالمهارات اللازمة كي يميّزوا المعلومات الحقيقية من المزيّفة. وما زال ذلك العمل في أوله لكن ثمة معطيات هينة متفرقة تشير إلى أن تلك المحاولة يمكن أن تحدث فارقاً فعلياً.

إذاً، يتوجب على العلماء أن يؤدّوا دوراً فاعلاً في تلك الحرب كي يضمنوا عدم نبذ ثمرة عملهم أو سوء استخدامها، على غرار ما حصل مع مصطلح "الهندسة المناخية" الذي اختطفه رافضو مقولة تغير المناخ، على "يوتيوب". وتستغلّ نظريات المؤامرة الميل إلى اليقين، مهما كانت درجة الزيف في المعلومات، فيما يستند التفكير العملي على الشك. وفي المقابل، يشكّل التوافق علميّاً على مقولة تغير المناخ وتأييد 99 في المئة من علماء المناخ نظرية مسؤولية البشر عنه، وضعاً شديد القرب مما يكونه اليقين العلمي.

وكخلاصة، يتوجّب على العلماء أن يستفيدوا إلى أقصى درجة من ذلك التوافق ويخاطبوا الجمهور باستخدام استراتيجيّات مبتكرة ومقنعة. وتشمل تلك الاستراتيجيات وضع محتوى خاص بهم على وسائل التواصل الاجتماعي ليس لتغيير معتقدات الناس فحسب، بل للتأثير على سلوكهم. وإذا لم يحصل ذلك، فسيظل المحتوى الكثيف والشرس الذي ينتجه من لا حجج ولا إثبات لديهم، طاغياً على أصوات العلماء، مهما كانوا موثوقين.

* سانتوش فيجاي كومار يشغل منصب كبير الباحثين حول الصحة الرقمية  التابعين لنائب رئيس جامعة  نورثومبريا. نشر المقال في موقع "ذي كونفيرزايشن".

© The Independent

المزيد من تحلیل