ملخص
ماذا يقول وزير الداخلية اللبناني بسام مولوي عن الحرب على المخدرات وعمليات التهريب التي تستهدف دول الخليج العربي؟
تحاول الحكومة اللبنانية انتهاج سياسة حازمة في مسألة تهريب المخدرات نظراً إلى الارتدادات التي سببتها وتعدت الداخل اللبناني، إلى تصدع العلاقات مع دول الخليج العربي بشكل خاص. وفي هذا الإطار "حصنت" الحكومة المنافذ الحدودية بأجهزة "سكانر" التي كانت معطلة، وهناك من كان يقول إنها عطلت قصداً لتسهيل التهريب. كذلك كثفت الأجهزة الأمنية عملياتها الاستباقية وأعلنت على مدى السنتين الماضيتين إحباط عدد كبير من عمليات التهريب بلغت فوق 50 عملية، وضبطت فيها ملايين من حبوب الكبتاغون وأنواعاً أخرى من المخدرات.
وفي حديث مع "اندبندنت عربية" قال وزير الداخلية والبلديات اللبناني بسام مولوي "منذ تسلمنا الوزارة كان هدفنا الحفاظ على الأمن الداخلي اللبناني ومنع التعرض لأمن الدول العربية انطلاقاً من لبنان، ولا سيما المملكة العربية السعودية وسائر دول الخليج التي تدعم لبنان بشكل دائم"، مضيفاً "لبنان يجب أن يكون على قدر هذه المسؤولية ويبادلها الوفاء، لذا تعهدت الوزارة منذ البداية ألا يكون منصة لاستهداف أمن هذه الدول".
وبين أن اهتمام وزارة الداخلية والقوى الأمنية والعسكرية بمكافحة المخدرات يأتي في صلب مهامها لحفظ الأمن الاجتماعي للبنانيين والدول العربية، بعدما نشطت في السنوات الماضية عمليات تصدير "الكبتاغون" إليها من لبنان، مؤكداً أن قوى الأمن الداخلي لم تتأخر يوماً في القيام بهذه الإنجازات، وهذا كان من ضمن البنود الواردة في الورقة العربية والتي نقلها وزير خارجية الكويت.
وأثنى على الإنجازات التي سطرتها مختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية وتحديداً "شعبة المعلومات" التي تسمى وفق المولوي بـ"شعبة الإنجازات"، نظراً إلى الجهود الجبارة التي قامت بها في مجال مكافحة المخدرات، فضلاً عن إنجازاتها في مجال مكافحة الجرائم وتحرير المخطوفين سواء كانوا من الجنسية اللبنانية أو غيرها.
وأضاف "لم ولن نسمح لتلك الخلايا التي تتربص شراً بلبنان في داخله، عبر التجارة والإدمان وإرسال المخدرات إلى الخارج، فلبنان سيتصدى لكل ذلك". وتابع "المخدرات التي لا تقل خطراً عن أي عمل إرهابي يهدد مجتمعنا ووطننا، ومدارسنا وجامعاتنا كل يوم، لذا وبتضامننا جميعاً حكومة وأجهزة أمنية وجمعيات المجتمع المدني يمكننا القضاء على هذه الآفة الخطرة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خط الدفاع الأول
وفيما أوضح أن القرار الصارم والمتشدد أسهم بشكل فعال وكبير في كشف كميات كبيرة من المخدرات كانت في طور التهريب خصوصاً عبر المنافذ البرية والبحرية والجوية، أكد أن التزام وزارته تطبيق القانون والعمل لمصلحة لبنان وصورته نجح في ضبط عمليات تهريب خطرة كانت تهدد أمن لبنان كما المجتمعات العربية التي تتعرض لحرب مخدرات، لافتاً إلى أن إحباط عمليات التهريب لم يتوقف ونقوم بعمليات مشابهة أسبوعياً.
وأشار مولوي إلى أن ضبط عمليات التهريب بكثرة في هذه الفترة يدل على جدية كبيرة في إنجاز ونجاح هذا الملف لما فيه مصلحة لبنان والدول العربية، معتبراً أن لبنان يعتبر الخط الدفاعي الأول عن الدول العربية في مجال تهريب المخدرات، موضحاً أن "شعبة المعلومات" تتولى العمل الدقيق والجهد الاستعلامي والاستباقي لضبط كميات كبيرة من المخدرات المخزنة داخل مستودعات في أكثر من منطقة لبنانية، كما أن الشعبة كانت تتعاون مع الجمارك اللبنانية التي تنسق بدورها مع شعبة المعلومات لمعرفة ما إذا كانت هناك نية لتهريب أي نوع من المخدرات عبر المرفأ مثلاً أو عبر المطار.
وشدد على إرادة وفعالية الجيش اللبناني واستجابته السريعة بتوجيهات من قائد الجيش العماد جوزيف عون، وعلى العمل الكبير الذي تقوم به هذه المؤسسة لحماية صورة لبنان واللبنانيين، كذلك على دور أجهزة قوى الأمن الداخلي الذي قامت به في هذا المجال.
جردة حساب
وكشف مولوي عن جدول يتضمن جردة مفصلة عن العمليات التي ضبطت منذ بداية عام 2022 حتى الآن والتي أدت إلى ضبط أكثر من 50 عملية تهريب شحنات من مختلف أنواع المخدرات إلى السعودية أو إلى دول الخليج العربي، وهذا أمر يدل بلا شك على جدية وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية والعسكرية المختلفة في التعاطي مع هذا الملف الحساس، كما التزام لبنان الصريح والصحيح بحماية أمن الجميع من آفة مدمرة.
وتابع أنه منذ العام الماضي أيضاً ولغاية اليوم ضبطت نحو 28 مليون حبة "كبتاغون" ونحو 17 ألف كيلو من الحشيشة وكمية كبيرة من الكوكايين، موضحاً أن التوقيفات تتولاها الأجهزة الأمنية بكل جدية وحزم وتتابع جميع الملفات الخاصة بها وتدعمها بالأدلة كافة، ومن ثم تحيلها على القضاء، مبيناً أن أعداد الموقوفين كبيرة وصلت منذ عام 2017 وحتى يومنا هذا إلى نحو 20 ألف موقوف.
اختراق الكارتيلات
مؤشرات الحرب على كارتيلات المخدرات بدأت تتقدم في لبنان، حيث ظهرت بوادرها من خلال العمليات النوعية التي قام بها الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي في مناطق لبنانية عدة ولا سيما في مناطق البقاع قرب الحدود اللبنانية السورية.
وفي هذا السياق كشف مصدر أمني مواكب للعمليات الخاصة بملاحقة الشبكات ومصانع المخدرات، عن أن الأجهزة الأمنية بات لديها "داتا" واسعة عن المصانع والشبكات وأسماء بعض "الرؤوس" الكبيرة، ولكنها تعتمد استراتيجية "الإحاطة والمفاجأة والتلبس بالجريمة".
وأوضح أن أهمية هذه الاستراتيجية تكمن في النتائج الحتمية، سواء لناحية ضبط المعدات وتعقب العناصر الأساسية في الشبكات، إضافة إلى تخفيف الخسائر البشرية، مؤكداً أن معظم تلك العصابات منتشر في بعلبك والهرمل (شمال شرقي لبنان) ولديها مجموعات مقاتلة ومزودة بأسلحة متوسطة وثقيلة، كاشفاً عن أنه "في إحدى المهام تعرضت قوة الجيش اللبناني إلى هجوم معاكس من قبل مجموعة تابعة لإحدى الكارتيلات واستخدمت بوجهها أسلحة صاروخية وألغام أرضية ونصبت كمائن أدت إلى استشهاد ثلاثة عسكريين وجرح آخرين".
الحدود تمنع الانتصار
وأشار إلى أن فلتان الحدود اللبنانية السورية يشكل أبرز العوائق التي تمنع "الانتصار" على كارتيلات المخدرات في لبنان، لافتاً إلى أن عدداً كبيراً من مصانع المخدرات موجود في الداخل بمحاذاة الحدود اللبنانية ضمن الأراضي السورية، كاشفاً عن أن الأجهزة الأمنية استطاعت اختراق عدد كبير من "الكارتيلات" وباتت على دراية بأسماء الناشطين فيها من لبنانيين وسوريين.
وحول الأسباب التي تمنع قيام عمليات خاصة للجيش اللبناني ضمن المناطق السورية المحاذية والتي تنشط فيها تلك العصابات، يؤكد أن الجيش والأجهزة الأمنية قادران على ذلك، وأن "العمليات في تلك المناطق أسهل لناحية تجنب إصابة مدنيين"، لافتاً إلى أن الأمر يحتاج إلى غطاء سياسي من الحكومة اللبنانية، وبرأيه هذا أمر لا تستطيع الحكومة اتخاذه باعتبار أنه يحظى بمعارضة شديدة من "حزب الله"، الذي يعتبر أن وجوده في تلك المناطق منسق مع الحكومة السورية.
وبرأيه أحد أبرز الأسباب التي تمنع رفع الحظر عن المنتجات اللبنانية إلى الخليج هي المخاوف من استخدام المنتجات كستار لاختراق التدابير الأمنية في الخليج، لافتاً إلى ارتفاع منسوب الشكاوى العربية من استمرار تهريب "الكبتاغون" عبر الأراضي اللبنانية، مؤكدً أن استخدام لبنان كمنصة للتهريب تسبب في تصدع علاقات لبنان بعدد من الدول على رأسها السعودية.
تواطؤ مع الأجهزة
بدوره يكشف الباحث في "الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين عن إحصاءات مرتكزة على محاضر تجارة ومتعاطي المخدرات في لبنان، لافتاً إلى أنه في عام 2018 بلغ عدد المتعاطين 2177، والتجار 765، وعام 2019 بلغ عدد المتعاطين 2350 وارتفع عدد التجار إلى 855 شخصاً، أما في عام 2020 فانخفض عدد المتعاطين إلى 1162 والتجار إلى 557، كذلك عام 2021 حين بلغ عدد المتعاطين 817 والتجار 536 شخصاً.
وأكد أنه من الصعب معرفة حجم الكميات التي تهرب إلى الخارج، لكن في لبنان ازدادت عمليات ترويج هذه المادة، بدليل أن المحاضر التي تنظمها القوى الأمنية ارتفعت من 144 محضراً في النصف الأول من عام 2022 إلى 226 محضراً في النصف الأول من عام 2023، وهذا يؤكد ارتفاع نسبة الترويج ويضع القوى الأمنية بالمرصاد لضبط عديد من شبكات التهريب والترويج في لبنان.
وتخوف من وجود تواطؤ بين الشبكات التي تنشط في مجال الترويج والتهريب وعناصر ومسؤولين داخل الأجهزة الأمنية، مما يسهل عملهم ويؤمن لهم الحماية.
الرؤوس الكبيرة
من ناحيته رأى العميد جورج نادر أن مكافحة تصنيع المخدرات في لبنان لا تكون باعتماد الحل الأمني، بل عبر الحلول الاقتصادية، لافتاً إلى أن التهريب يتم عبر جميع المعابر البرية والبحرية والجوية، نتيجة التراخي الجمركي والأمني والغطاء السياسي الذي يتحصن به المهربون.
وأوضح أن آفة المخدرات هي مسألة سياسية واقتصادية وليست أمنية فقط، مؤكداً أنه عندما يكون هناك حزم سياسي بعدم تهريب المخدرات وإنتاجها عندها يمكن إيجاد صناعات بديلة للمواطنين الذين يعملون في هذا المجال. ولفت إلى أن الأجهزة المتخصصة تنشط في التصدي لهذه الآفة، لكن برأيه هناك حاجة ملحة إلى إجراءات جذرية وضرب "الرؤوس الكبيرة" الضالعة في تجارة المخدرات وليس الاكتفاء بملاحقة بعض العصابات التي تروج وتنقل المخدرات.