ملخص
أضحت تونس منذ أشهر قبلة لآلاف من المهاجرين الأفارقة يطمحون للعبور إلى الضفة الأخرى من المتوسط، وانتقد الرئيس قيس سعيد علناً قدوم هؤلاء وتحدث عن "ترتيب إجرامي لتغيير التركيبة الديموغرافية" في بلاده.
تراوحت ردود الفعل السياسية في تونس إزاء مذكرة التفاهم التي أبرمتها البلاد مع الاتحاد الأوروبي بين مرحب ومندد بها، خصوصاً على مستوى النقاط المتعلقة بمكافحة الهجرة غير النظامية، إذ سيضخ التكتل الأوروبي 105 ملايين يورو من أجل تعزيز تونس حراسة حدودها البحرية.
ووقع الرئيس قيس سعيد ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين المذكرة بعد أشهر من التحركات الدبلوماسية المكثفة التي دفعت بها إيطاليا لبلوغ هذا الهدف بقيادة رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني، التي كانت حاضرة مراسم التوقع، إلى جانب رئيس الوزراء الهولندي مارك روته، وذلك في ثاني زيارة لهذا الثلاثي الأوروبي إلى تونس في غضون شهر.
وقبيل زيارة الثلاثي الأوروبي، خيمت على الشارع التونسي المخاوف من تحويل البلاد إلى "أرض لتوطين المهاجرين"، خصوصاً أن تقارير غربية، أبرزها تقرير نشرته صحيفة "الإكسبريس" الفرنسية، تحدثت عن أن من أهداف الاتحاد الأوروبي جعل تونس تقبل بإعادة مهاجرين من جنسيات أفريقية إليها قبل ترحيلهم إلى دولهم.
لكن المذكرة التي وقع عليها أول من أمس الأحد في قصر قرطاج الرئاسي الذي كان محط أنظار التونسيين، لم تتضمن هذه النقطة بانتظار ما ستفرزه الاتفاقات المرتقب توقيعها، وهو ما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت مذكرة التفاهم هذه بددت مخاوف التونسيين من عدمها.
ارتياح
على رغم الضجيج الذي رافق عملية التوقيع على هذه المذكرة، إذ تعالت الأصوات الرافضة لها حتى قبل وصول الوفد الأوروبي، إلا أن أوساط سياسية تونسية عبرت عن ارتياحها لها، خصوصاً أنها ستنبثق عنها اتفاقات في وقت لاحق وهو ما شدد عليه الرئيس قيس سعيد.
واعتبر الناشط السياسي فوزي عبدالرحمن أن "هذه الوثيقة لم تصل بعد إلى اتفاق، هي إعلان نوايا، لكنها تتضمن محورين كبيرين، الأول التكامل الاقتصادي بين تونس والمجموعة الأوروبية والثاني الهجرة سواء الشرعية أو غير الشرعية".
وأضاف عبدالرحمن لـ"اندبندنت عربية" أن "الجزء الاقتصادي كله وعود وإعلان نوايا فقط عن لجان، وغير ذلك والمواضيع مهمة ويمكن أن تنفع تونس، لكن الموضوع الثاني لا يوجد فيه نوايا فقط بل حتى الطلبات التونسية واضحة مثل عدم التوطين وترحيل الأجانب الذين هم في تونس وعدم القيام بدور حارس للحدود الأوروبية".
ومنذ فترة تصاعدت موجة الرفض لما يسمى توطين المهاجرين غير النظاميين في تونس، إذ شنت السلطات حملة أمنية واسعة ضد هؤلاء وسط دعوات من أحزاب مغمورة ونشطاء إلى ترحيلهم وهو ما جوبه برفض من المنظمات غير الحكومية.
وقال عبدالرحمن إن "الحديث عن التوطين هو حديث شعبوي، فلا يوجد أي معطيات تفيد بوجود مخطط لتوطين المهاجرين في تونس، بل هناك إمكان لإبرام اتفاق شراكة كبير مع الاتحاد الأوروبي على المستوى الزراعي، إذ يمكن التسويق لمحاصيلنا واكتساح السوق الأوروبية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشدد على أنه "يمكن أن نربح كثيراً من هذا الاتفاق لا سيما في نقاط رقمنة التعليم في تونس والطاقات المتجددة، وبالنسبة إلى المهاجرين غير الشرعيين يجب إيجاد حل لوضع حد لدخول هؤلاء خصوصاً من الحدود الجزائرية، ثم بحث حلول للمهاجرين في تونس".
من جهته قال وزير الخارجية الأسبق أحمد ونيس، إن "التوقيع على هذه المذكرة هي خطوة فارقة ومهمة بالنسبة إلى تونس والشراكة التي تربطها بأوروبا".
وأردف ونيس أنه "بفضل هذه المذكرة ستضع بلادنا سياسة خاصة وخريطة طريق واضحة المعالم خصوصاً في ما يتعلق بملف الهجرة غير النظامية وهو ملف يؤرق تونس"، لافتاً إلى أن "البلاد ستستفيد بموظفين متخصصين وآليات عمل فعالة وقدرات أكبر للتدخل لصالح المهاجرين إما للإحاطة بهم ولإعداد وثيقة تحترم حرياتهم ومستقبلهم أو إن وجب ترحيلهم إلى أوطانهم".
وأضحت تونس منذ أشهر قبلة الآلاف من مهاجرين أفارقة يطمحون للعبور إلى الضفة الأخرى من المتوسط، وانتقد الرئيس قيس سعيد علناً قدوم هؤلاء وتحدث عن "ترتيب إجرامي لتغيير التركيبة الديموغرافية" في بلاده، في خطاب سارعت منظمات حقوقية وتكتلات إقليمية مثل الاتحاد الأفريقي إلى إدانته.
ووعد الاتحاد الأوروبي بتقديم مليار دولار كقرض إلى تونس في ذروة الأزمة الاقتصادية التي تواجهها البلاد في مقابل تشديد المراقبة وحراسة الحدود لمنع المهاجرين من الوصول إلى السواحل الأوروبية، وجاء التدخل القوي للاتحاد الأوروبي في أعقاب تعثر محادثات بين تونس وصندوق النقد الدولي دامت عاماً ونصف عام من أجل منح البلاد تمويلاً بـ1.9 مليار دولار، لكن حتى الأوروبيين يرهنون تسليم القرض بالتوصل إلى اتفاق مع الصندوق، وسبق أن قال الرئيس سعيد إنه يرفض إملاءاته في إشارة إلى إصلاحات يطالب بها.
انتقادات واتهامات
المعارضة التونسية تلقفت بسرعة مذكرة التفاهم لشن انتقادات حادة للسلطة، متهمة إياها ببعث رسائل متناقضة تجاه وضع المهاجرين، مذكرة بتبني الرئيس سعيد مقاربة قبل أشهر، تشير إلى أن هؤلاء ضحايا في ظل نهب الثروات في أوطانهم، وأنه بات الآن يتهم شبكات للاتجار بالبشر بدفع أموال طائلة للمهاجرين من أجل المغامرة بركوب قوارب الموت.
وخلال اجتماع لمجلس الأمن القومي عقد السبت الماضي تحدث مسؤول تونسي عن تحويلات بقيمة مليار دولار من دول أفريقيا جنوب الصحراء إلى المهاجرين غير النظاميين في البلاد، وهو مبلغ كبير مقارنة بعائدات السياحة وحتى تحويلات التونسيين في الخارج إلى بلادهم.
وقال الناشط السياسي التونسي المقيم في إيطاليا مجدي الكرباعي، إن "تونس تحولت فعلياً إلى حارس للحدود الأوروبية، وستكون مجبرة على التصدي للمهاجرين غير النظاميين ليس فقط في مياهها الإقليمية بل وأيضاً في المياه الدولية".
وبدوره قال الباحث السياسي حاتم النفطي إن "المخاوف لا تزال مشروعة، ولنذكر أولاً أنها لا تزال مذكرة وليس لها طابع قانوني إذ ستترجم لاحقاً في معاهدات".
وشدد النفطي على أن "مسألة التوطين هي موجودة لأنه عندما ستقوي حراسة الحدود وستمنع الناس من مغادرة تونس بما فيهم من جنسيات ليست تونسية ستتركهم عالقين في تونس أولاً، وثانياً هناك مفردات وجمل غامضة مثل مساعدة أوروبا لتونس من أجل استعادة مواطنيها ومواطنين آخرين، هذا غير واضح ويثير إشكالات".
وتابع "منذ 1998 تستعيد تونس مواطنين لها من أوروبا، لكن هل بقية المهاجرين سيكونون معنيين الآن بالعودة؟ سيكون من الخطر أن تقبل تونس استعادة مواطنين من جنسيات أفريقية من أوروبا، ولا نعرف ما إذا كانت تونس ستساعد أوروبا بمستوى جعل الدول الأفريقية تقبل باستعادة مواطنيها في مرحلة لاحقة".