ملخص
منذ إجراء الانتخابات البرلمانية في ديسمبر الماضي شهد الشارع التونسي خفوتاً لافتاً لصوت المعارضة، وهو ما فسره كثيرون بفقدانها القدرة التعبوية بعد التوقيفات التي طاولت قياداتها.
تجهز جبهة الخلاص الوطني المعارضة التي توصف بأنها واجهة لـ"حركة النهضة"، الذراع السياسية لتنظيم الإخوان في تونس، لاحتجاج تصفه بالضخم في الـ25 من يوليو (تموز) الجاري، في محاولة جديدة للضغط على الرئيس قيس سعيد بعد الانفراجة التي سجلت في ملف الموقوفين السياسيين.
كان القضاء التونسي قرر الإفراج عن المعارضين البارزين شيماء عيسى ولزهر العكرمي في تطور لم يكن مفاجئاً، إذ جاء بعد تكهنات وحديث في الكواليس السياسية في شأنه، لكنه أثار تساؤلات حول ما إذا سيمهد لمرحلة جديدة من المواجهة بين السلطة والمعارضة، خصوصاً أن الأخيرة فقدت قدرتها على التعبئة في الشارع خلال الأشهر الأخيرة غداة توقيف نحو 20 قيادياً بارزاً فيها.
شيماء عيسى هي قيادية في جبهة الخلاص الوطني التي تتألف من أحزاب سياسية معارضة، بينما لزهر العكرمي هو نائب ووزير سابق، وكانا أوقفا في إطار اعتقالات واسعة شملت وجوهاً سياسية بارزة من المعارضة منذ فبراير (شباط) الماضي بشبهة التورط في قضية تعرف بـ"التآمر على أمن الدولة".
منذ إجراء الانتخابات البرلمانية في ديسمبر (كانون الأول) الماضي شهد الشارع التونسي خفوتاً لافتاً لصوت المعارضة الذي كان ينظر إليه على أنه عالياً ضد السلطة بقيادة سعيد، وهو ما فسره كثيرون بفقدان المعارضة لقدرتها التعبوية بعد التوقيفات التي طاولت قياداتها.
تحركات مرتقبة
مع بدء العد التنازلي للانتخابات المحلية التي من المرتقب أن تجرى في أكتوبر (تشرين الأول) أو نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، فإن المعارضة تستعد لإطلاق تحركات جديدة في مسعى للضغط على السلطة التي تواصل المسار الانتقالي الذي دشنه سعيد، متجاهلة بشكل كبير الضجيج الذي تثيره أطياف المعارضة.
وعلى رغم أن الجدل الذي خيم على المشهد بعد الإفراج عن شيماء عيسى ولزهر العكرمي منذ البداية كان حول ما إذا كانت هناك صفقة سياسية بين المعارضة والسلطة، أو انفراجة تامة في ملف المعتقلين السياسيين، إلا أن التساؤلات الأهم تبقى حول قدرة المعارضة على التحرك، خصوصاً في ظل دعواتها المتكررة إلى التسريع بانتخابات عامة سابقة لأوانها.
كما أن هذه المعارضة لا تزال معظم قياداتها في السجن على غرار الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي والناشطين السياسيين غازي الشواشي وخيام التركي، وأوقفوا جميعاً في فبراير الماضي، إلى جانب رجل الأعمال الغامض والمثير للجدل كمال اللطيف.
ورفض قاض تونسي الإفراج عن هؤلاء جميعاً، بينما أفرج عن عيسى والعكرمي، كما أيد قراراً قضائياً ينص على منع تداول وسائل الإعلام قضية "التآمر على أمن الدولة" التي لا يزال الغموض يسيطر على تفاصيلها منذ بداية فصولها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي قال إن "المعارضة ستكون لها كلمة في الشارع خلال الأيام المقبلة عبر التحرك الدوري الذي نطالب فيه أسبوعياً بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، وأيضاً من خلال تحرك شعبي كبير في الـ 25 من يوليو الجاري".
وأضاف الشابي لـ"اندبندنت عربية"، "نحن سعداء ونبتهج بقرار الإفراج عن شيماء عيسى ولزهر العكرمي، لكن هذا القرار أبقى على بقية المتهمين في حال إيقاف والملاحقات لا تزال مستمرة ضد النشطاء السياسيين والقيادات التاريخية لحركة النهضة، وعلى رأسهم راشد الغنوشي، وما زالوا موجودين في السجن جراء جرائم مفتعلة وكيدية".
وشدد على أن "ما أقدم عليه الرئيس من انفراد بكل الصلاحيات وتمزيق الدستور السابق كان يمهد للتضييق على الحريات، وكل ذلك مقرون بعجز عن إدارة الشأن العام، جوابنا سيكون النضال لعودة سلطة القانون وتشكيل حكومة إنقاذ، وفي هذا الإطار ستكون لنا تحركات خلال الأيام المقبلة، 25 يوليو سيكون تحركاً جماهيرياً كبيراً".
عجز المعارضة
مع عزم المعارضة استئناف التصعيد مع السلطة فمن غير الواضح ما إذا كانت ستنجح في إزعاج الرئيس سعيد الذي يبدو مصمماً على تنزيل مشروعه السياسي على أرض الواقع، لا سيما أن بضع خطوات تفصله عن ذلك في مقدمتها الانتخابات المحلية.
وسارعت جبهة الخلاص الوطني و"حركة النهضة" إلى نفي ما تروجه تقارير إعلامية محلية في تونس مفادها بوجود صفقة أو اتفاق بين المعارضة والسلطة تقضي بالإفراج عن الموقوفين في ملف "التآمر على أمن الدولة" على رغم تأكيد قيادات من هذه الأطياف السياسية أن الإفراج يحمل طابعاً سياسياً.
ولا يتردد الرئيس قيس سعيد في اتهام قوى المعارضة بالتآمر ضد تونس من أجل إضعافها عبر الاحتكار أو قطع مياه الشرب عن الناس في مسعى لتأجيج الشارع ضد الدولة، لكن هذه التهم لطالما نفتها المعارضة.
وعلى رغم اتساع دائرة خصوم الرئيس سعيد الذي قاد حركة سياسية مثيرة للجدل في 2021 أطاحت برلماناً وحكومة منتخبين ديمقراطياً، وشملت تلك الدائرة اتحاد الشغل الذي كان حليفاً قوياً له في السابق إلا أن هؤلاء لم يفلحوا بعد في إرغام السلطة على التراجع ولو قيد أنملة.
وأسهمت أعوام من الانشغال بالعراك السياسي في إطار انتقال ديمقراطي متعثر شهدته تونس، في تدهور الأوضاع الاقتصادية بالبلاد، مما قاد إلى تراجع شعبية النخب السياسية بشكل كبير إذ لم تعد قادرة على تحريك الشارع على رغم تراجع شعبية الرئيس قيس سعيد الذي يواجه وضعاً صعباً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً فاقمته أزمة المهاجرين غير النظاميين وعدم التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي حول تمويل جديد.
الباحث السياسي محمد بوعود أعرب عن اعتقاده بأن "تحركات المعارضة لم ولن تعطي الزخم الذي يجعل السلطة تغير من مواقفها أو تبحث عن حلول سياسية خارجة عن النطاق القضائي".
وقال بوعود في تصريح خاص "لم نر في السابق تظاهرات مليونية أو ضغطاً دولياً أو إعلامياً مدفوعاً من المعارضة يقدر على لي ذراع السلطة ويجعلها تبحث عن حلول، بل هناك المئات أو الآلاف سيتظاهرون كما في السابق بشارع الحبيب بورقيبة ثم يعودون أدراجهم، لذلك في اعتقادي لم نصل بعد إلى مرحلة الزخم الجماهيري من المعارضة الذي يشكل ربما ضغطاً قوياً على السلطة ويجعلها تتراجع عن مواقفها".