ملخص
بات لقاعدة كروية الأرض مناوئون ومناهضون ومعترضون فعدد الناس الذين يؤمنون بأن الأرض مسطحة يرتفع لأسباب كثيرة ويملك هؤلاء مجموعة من الأدلة التي تثبت نظرتهم الغريبة هذه عن الكوكب.
القاعدة المسلم بها في أرجاء المجتمع البشري هي أن الأرض كروية وأنها تدور حول الشمس، وقد واجهت هذه الفكرة قبل تكريسها مصاعب وأهوالاً جمة كي تتقبلها سلطات الملوك ورجال الدين في القرون الوسطى الأوروبية.
ودفع علماء كثر حياتهم ثمناً لاعتناقهم هذه الفكرة، قبل أن يحين الزمن الذي أوجد كل الحجج المنطقية والتي باتت مؤكدة بالعين المجردة لكروية الأرض ودورانها حول نفسها وحول الشمس فصار هذا الموضوع مفروغاً منه شعبياً وعلمياً.
باتت هذه المعلومة أساسية في الدروس الابتدائية للأطفال بكل أنحاء العالم، من دون أن يكون هناك أي اعتقاد أنه في بدايات القرن الواحد والعشرين سيعود من ينقض أمراً كان من المفترض أنه لم يعد خاضعاً للنقاش، أي أن كوكب الأرض كروي الشكل وليس مسطحاً.
أدلة المناوئين
في زمننا الراهن بات لقاعدة كروية الأرض مناوئون ومناهضون ومعترضون، فعدد الناس الذين يؤمنون بأن الأرض مسطحة يرتفع لأسباب كثيرة، ويملك هؤلاء مجموعة من الأدلة التي تثبت نظرتهم الغريبة هذه إلى كوكب الأرض.
لو بدأ النقاش مع أحد هؤلاء المؤمنين بالأرض المسطحة بالأدلة العلمية التي تثبت أنها كروية، مثل صور الأقمار الاصطناعية ورحلات الفضاء التي تظهر الكرة الأرضية من الفضاء الخارجي، أو الاعتماد على حركة القمر والشمس والليل والنهار وتعاقب الفصول، أو لجأنا إلى استخدام التكنولوجيا الحديثة كتطبيقات الهواتف أو برامج الكمبيوتر التي تسمح برؤية الكرة الأرضية بتفاصيلها ودورانها حول نفسها وحول الشمس، فإنهم سيردون في معظمهم، وهم من موارد ومشارب ثقافية ودينية مختلفة وليسوا بالضرورة أتباع نظرية علمية أو "مؤامراتية" واحدة ومعينة، بمجموعة مختلفة من الردود.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أول هذه الردود مرتبط بالتفسيرات الدينية والمرويات والكتب المقدسة التي تشير إلى أن الأرض مسطحة، خصوصاً بالنسبة إلى الذين يفسرون النصوص الدينية حرفياً وليس مجازاً. وبالطبع فإن إقناع أصحاب هذه الحجة بكروية الأرض شبه مستحيل لأنه ينطوي على تسليم باعتقاد ديني نهائي لا يمكن للبشر المس به.
الرد الثاني سيأتي من مشككين بصحة النتائج العلمية أو الأدلة المقدمة من قبل المؤسسات العلمية التقليدية، وهؤلاء يشككون أيضاً في الصور المأخوذة من الفضاء لكوكب الأرض وبكل ما يقوله رواد الفضاء أو زوار الفضاء عما رأوه من نوافذ المركبات التي استقلوها، ومن بين هؤلاء كثر يشككون بصعود الإنسان إلى القمر بل وإلى الفضاء الخارجي حتى.
هؤلاء غالباً ما يعيدون كل هذه الأمور إلى مؤامرة عالمية لإخفاء الحقيقة وتزوير الأدلة والمعلومات لإقناع الناس بأن الأرض كروية. وجميعهم متيقنون وبلا شك بوجود تكتم كبير على الحقائق من قبل سلطات خفية تدير العالم من خلف الكواليس وتنشر في نشرات الأخبار ما يجب على الناس أن يعرفوه لا الحقيقة.
وينتمي معظم المؤمنين بالأرض المسطحة إلى مجتمعات أو مجموعات تروج لهذه النظرية، وقد يتبنون هذا الاعتقاد بسبب هذا الانتماء لمجموعات اجتماعية معينة، أو بالوراثة الدينية أو بسبب الجهل العلمي والفقر التعليمي.
إحياء الفكرة
في الموسوعة الإنجليزية britanica عرض لتصور أن الأرض قرص مسطح إما دائري أو مربع الشكل. وجاء في الموسوعة أن هذا الرأي ساد في العالم القديم حتى كشفت الملاحظات التجريبية أن شكل الأرض كان كروياً أو بيضاوياً.
ومع ذلك، في العصر الحديث، تم إحياء فكرة الأرض المسطحة والترويج لها على وسائل التواصل الاجتماعي على رغم الأدلة العلمية على عكس ذلك. ونظراً لأن تكنولوجيا الثقافات القديمة لم تكن متطورة فقد بدا العالم من حولهم مسطحاً وثابتاً. وتعززت تصوراتهم بشكل أكبر من خلال حركات الشمس والقمر التي تبدو وكأنها ترتفع في الشرق وتغرب في الغرب بالنسبة إلى الأفق المسطح والنجوم التي يبدو أنها تدور في قبة فوقها ودائماً، بحسب محرر الموسوعة الإنجليزية.
يمكن العثور على أوصاف مختلفة للأرض المسطحة في سجلات الحضارات القديمة بجميع أنحاء العالم. على سبيل المثال تصف السجلات المصرية القديمة وألواح بلاد ما بين النهرين العالم الأرض بأنها قرص في المحيط تحيطه سماء مقوسة كنصف طابة.
وفي لوح يعود تاريخه إلى ألف عام قبل الميلاد تصور مدينة بابل في وسط قرص مسطح وينظر الفيلسوف اليوناني أناكسيماندر (610-546 قبل الميلاد) إلى الأرض على أنها قرص مسطح يطفو في الجزء العلوي من أسطوانة.
أما في الهند فتصف بعض النصوص المقدسة الكوكب بأنه سلسلة من الأقراص المسطحة المكدسة، بينما يصفه البعض الآخر بأنه أشبه بعجلة ممددة أفقياً ومثبتة على محور. ووصفت الأرض في الصين القديمة بأنها مسطحة ومربعة حتى القرن 17، وكانت أوروبا في المرحلة التي أنهت فيها النقاش حول كروية الأرض بعد وضع أدلة علمية واضحة منها شراع السفينة الذي يغيب نزولاً في الأفق ومنها قياس الظل من أماكن مختلفة للدلالة على دائرية حركة الشمس وكروية الأرض، وغيرها من الحجج العلمية السابقة على ظهور الفيزياء كعلم مستقل والسابقة على الصور الجوية التي اختصرت الكثير من الحاجة إلى أدلة مكتوبة.
خلال ثلاثينيات القرن التاسع عشر، أعاد الكاتب البريطاني صموئيل بيرلي روبوثام إحياء مفهوم الأرض المسطحة كرد فعل عنيف ضد التقدم العلمي السريع، واعتقد الكاتب واتباعه أن الكوكب عبارة عن قرص دائري، بل وأضافوا على المعلومات السابقة بأن القطب الشمالي يقع في المركز وبأن جداراً من الجليد يحيط بحواف القرص لاحتواء المحيطات.
لم يأخذ أحد هذه الجماعة على محمل الجد في ذلك الحين بل اعتبروها مزيداً من تنويعات غرابة الأطوار البريطانية. إلا أنه في الزمن الراهن بات هناك مؤمنون بهذه النظرة، بل وهناك من يعتقدون بوجود عوالم بشرية مختلفة وراء هذه الجدران الجليدية، بل وتنتشر روايات كثيرة كتبها رحالة إلى القطب الجنوبي تتناول رحلاتهم ما بعد جدران الجليد الهائلة الارتفاع والتي تحجب عالمنا عن عوالم أخرى، يعرف عنها مديرو العالم ولكنهم يخفون المعلومات بحسب أصحاب هذه الأفكار ومروجيها.
في خمسينيات القرن العشرين ظهرت في بريطانيا وبعض المدن الأوروبية جمعية باسم "الأرض المسطحة"، تزايد تأثيرها مع ظهور الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وتمددت هذه الجمعية إلى جمعيات صغيرة منتشرة في أرجاء المعمورة وتعقد مؤتمرات سنوية.
ويعتقد المتطرفون في هذه المجموعات أن عالمنا تطوقه القارة القطبية الجنوبية، وما بعدها يمتد إلى ما لا نهاية في جميع الاتجاهات. ويبلغ عدد أعضاء جمعية الأرض المسطحة 3500 شخص اليوم. والرئيس الحالي لجمعية الأرض المسطحة دانيال شينتون من سكان لندن ويعيش في هونغ كونغ، ويظهر في الواجهة أيضاً روبي ديفيدسون الذي ينظم مؤتمرات Flat Earth الدولية السنوية وهو كندي يعتنق وجهة نظر كتابية للعالم ويعارض ما يسميه "العلموية".
ستيفاني باباس كتبت في مجلة lifes-little-mysteries أنه من بين جميع نظريات المؤامرة التي تنتشر على الإنترنت فإن مؤامرة الأرض المسطحة هي الأكثر إثارة للفضول، خصوصاً أنها تأتي بعدما اكتشف الإغريق القدماء شكل الكوكب الكروي وحددوا طول محيطه في القرن الثالث قبل الميلاد.
تضيف باباس في حقيقها أن استطلاعاً وطنياً أجرته مؤسسة Public Policy Polling في عام 2017 وجد أن 1 في المئة من الأميركيين يعتقدون أن الأرض مسطحة بينما قال ستة في المئة إنهم غير متأكدين من شكلها. أما بالنسبة لما يوجد تحت قرص الأرض، فهذا غير معروف، لكن معظم أصحاب الأرض المسطحة يعتقدون أنه مكون من "صخور".
يتبع تنظير أصحاب "الأرض المسطحة" نمطاً من التفكير يسمى طريقة Zetetic البديلة عن الطريقة العلمية التي طورها أحد معتنقي نظرية الأرض المسطحة في القرن التاسع عشر. يقول نائب رئيس جمعية الأرض المسطحة مايكل ويلمور، وهو إيرلندي، لـLive Science "تركز الطريقة كثيراً على التوفيق بين التجريبية والعقلانية والوصول إلى استنتاجات منطقية بناءً على البيانات التجريبية".
ويكمل ويلمور بأن "بعض الأعضاء في جمعيتنا يرون جمعية الأرض المسطحة ونظرية الأرض المسطحة كنوع من التمرين المعرفي، سواء كان ذلك نقداً للمنهج العلمي أو كنوع من الانغماس بما يشغل التفكير في محاولة لإثبات العكس. أما أكثرية الأعضاء فإنهم يؤمنون بشدة بهذا الطرح". ويعتبر ويلمور نفسه من بين المؤمنين الحقيقيين ويصف قناعاته بأنها "نتيجة الاستبطان الفلسفي وكمية كبيرة من البيانات التي ما زلت أقوم بجمعها".
يقول الخبراء إن المقتنعين بأن الأرض مسطحة يميلون إلى معتقدات مماثلة للتي يؤمن بها أصحاب نظريات المؤامرة الأخرى، ومعظمهم لديهم وجهة نظر بديلة لبعض الحقائق الكبيرة أو المهمة، ويملكون تفسيراً غامضاً لإخفاء شخص أو جماعة أو قوة سرية ما "للحقيقة".
وأخيراً ترى عالمة النفس في جامعة كنت البريطانية، كارين دوغلاس والتي تدرس علم النفس نظريات المؤامرة، أن معتقدات أصحاب الأرض المسطحة تتوافق مع نظريات المؤامرة الأخرى التي درستها، لكن "إحدى النقاط الرئيسة التي تستحق الجاذبية تكمن في الغموض وتأثيره القوي على كثيرين. فبينما نشعر أنه ليس لدينا ما نثبته حول كروية الأرض، فإن وجهة نظر أقلية يتم طرحها بطريقة ذكية مع ثبات المؤيدين على مواقفهم على رغم غرابتها وغموضها يمكن أن يجعل الفكرة منتشرة ويجعل من أصحابها أشخاصاً وجماعات مؤثرة بشكل كبير".