ملخص
حاز 150 سجيناً في المغرب شهادات جامعية عليا تتراوح بين البكالوريوس والماجستير والدكتوراه
خرج عبدالحق، شاب في نهاية عقده الثالث، من أحد سجون المغرب قبل أيام مضت متأبطاً شهادة الدكتوراه في القانون الخاص بعدما أنهى مدة عقوبته التي دامت سنوات داخل دهاليز السجن بسبب تهم ما زال يؤكد أنه بريء منها.
عبدالحق ليس الوحيد الذي يخرج من السجن متوجاً بشهادة دراسية عليا، ففي كل عام تقريباً يغادر مغاربة الزنازين حاملين معهم تلك الشهادات، منهم من استطاع الاندماج في المجتمع وسوق العمل، لكن كثيرين ما زالوا يكابدون عناء "الإقصاء" بسبب وصم الاعتقال في السجن.
نتائج محفزة
وأسفرت نتائج البكالوريا للموسم الدراسي المنتهي حديثاً في المغرب عن نتائج وصفت بأنها مبهرة حققها نزلاء المؤسسات السجنية، إذ استطاع 633 سجيناً الحصول على الشهادة من بين 1372 تقدموا لهذه الامتحانات، بنسبة نجاح بلغت أكثر من 46 في المئة.
مندوبية السجون (مؤسسة حكومية تعنى بتدبير السجون في المغرب) كشفت في بيان لها عن أن ما حققه النزلاء يعتبر "نتائج متميزة لم يسبق تحقيقها خلال جميع دورات الباكالوريا للمواسم الدراسية السابقة على مستوى عدد الناجحين".
ومن بين هؤلاء المئات من السجناء الذين حازوا شهادة البكالوريا خلال هذا العام الدراسي، تمكن 175 سجيناً من الحصول على ميزات مرتفعة بنسبة بلغت 27.64 في المئة من مجموع النزلاء الناجحين.
وفي العام الدراسي السابق حصل 444 سجيناً على شهادة البكالوريا وحاز 150 سجيناً شهادات جامعية عليا تتراوح بين البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، وفق بيان سابق للمندوبية العامة للسجون.
الاهتمام بالتعليم
عبدالحق خرج من السجن بشهادة جامعية عليا وقال إنه بالنسبة إلى الطالب لا تختلف الحال داخل السجون عن خارجها، فمن أراد العلا وشق طريق النجاح والتحصيل العلمي والمعرفي حقق ذلك، ومن أراد سبيل الانحراف داخل السجن يكون له ذلك أيضاً.
ولفت إلى أن "إدارة السجون تفتح أمام المعتقلين إمكان التعليم بمختلف مستوياته، سواء الابتدائي أو الثانوي أو الجامعي، وحتى أقسام محاربة الأمية"، مؤكداً أنه "بشيء من الكد والعزيمة يمكن للسجين أن يحصل على البكالوريا، ويحصل ربما على شهادات جامعية عليا إذا كانت مدة عقوبته طويلة".
ووفق مندوبية السجون، تستفيد ثلاث فئات من السجناء من برامج التعليم بجميع مستوياته، الأولى فئة النزلاء المسايرين، أي الذين كانوا يتابعون دراستهم بأحد الفصول الدراسية قبل اعتقالهم، ثم النزلاء المرشحون الأحرار وهم المنقطعون عن الدراسة والراغبون في الترشح لاجتياز الامتحانات وأخيراً غير المسايرين الذين يسجلون في برامج التعليم داخل المؤسسات السجنية التي تتوافر فيها أقسام دراسية بعد بت طلباتهم من طرف لجنة الانتقاء.
أنسنة السجون
وفي هذا السياق يعزو الباحث في سوسيولوجيا التربية المحجوب ادريوش، هذه الظاهرة الإيجابية المتعلقة بتخرج سجناء بشهادات تعليمية مختلفة التخصصات والتكوينات إلى أسباب تتعلق بالسياسات العمومية المتبعة، وكذلك السجين نفسه، إضافة إلى نظرة المجتمع إلى هذه النماذج مقارنة بغيرها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشرح ادريوش "بخصوص السياسات العمومية، أسفر نظام ’أنسنة السجون‘ عن استفادة النزلاء من حقوقهم كافة بما فيها التعليم تطبيقاً لمبادئ حقوق الإنسان، بخاصة قواعد الأمم المتحدة النموذجية لمعاملة السجناء التي تعرف باسم ’قواعد نيلسون مانديلا‘".
والعامل الثاني، وفق المحلل، يتعلق بالسجناء أنفسهم ونظرة بعضهم إلى التعليم والحصول على الشهادات، فإضافة إلى أهميتها العلمية والأكاديمية تكون ربما أكثر نفعاً داخل السجن وحتى خارجه، إذ باقتران حسن سلوك النزيل يسهم الحصول على شهادة في التخفيف من عقوبة حبسه، كما يمثل التعليم لدى كثيرين مخرجاً من الروتين اليومي والانعزال والاكتظاظ في الزنازين.
وأكمل ادريوش أن العامل الثالث يتجسد في تغير نظرة المجتمع إلى السجين الذي يستطيع الحصول على شهادات عليا من داخل السجن، الأمر الذي يحفز على تزايد مثل هذه النماذج الإيجابية بين ساكني الزنازين.
ولفت ادريوش إلى أن هناك وجهاً آخر للعملية بمعنى أن هؤلاء الطلبة النزلاء يجدون صعوبات عدة، منها إجبارية الحضور التي ما زالت تعتمدها بعض الجامعات"، داعياً إلى إنشاء استوديوهات متعددة الاستعمالات يمكن للسجناء من خلالها متابعة دراساتهم عن بعد، إما بالنقل المباشر للمحاضرات عن طريق شاشات داخل السجن، أو بتسجيل المحاضرة وبثها في أوقات تتناسب وخصوصية كل مؤسسة سجنية.
شبح الاعتقال
وبعد الخروج من مركز الاحتجاز بشهادات جامعية عليا، يجد السجين نفسه مطالباً بالبحث عن فرصة عمل تليق بتلك المؤهلات وسنوات الكد والتعب التي قضاها من أجل نيلها، وهو الأمر الذي لا يتحقق دائماً بالنسبة إلى الجميع.
عدم الاندماج في المجتمع وسوق العمل تحديداً مشكلة طرحها كثيرون من الفاعلين والمهتمين، وهو ما عبر عنه ادريوش بقوله "تضمين الجناية أو الجنحة في ’السجل القضائي‘ للسجين الذي يُطلب عادة لنيل وظيفة أو منصب يشكل عائقاً أمام الاندماج المهني، بحيث لا يمكن ولوج السجين لسوق العمل إلا بعد الحصول على ’شهادة رد الاعتبار‘ التي قد تستغرق أعواماً بحسب نوعية الجناية أو الجنحة."
وفي هذا السياق طالب نواب مغاربة من الحكومة إلغاء أو سحب اسم المؤسسة السجنية من شهادة البكالوريا التي يحصل عليها السجين، وقال البرلماني المهدي الفاطمي إن "الشهادة التي تتضمن اسم المؤسسة السجنية تشكل عائقاً للاندماج الاجتماعي لدى السجين، لا عاملاً مساعداً له، خصوصاً لدى الإدارة والمقاولات".
شروط تعجيزية
من جهته يرى مدير المركز المغربي لحقوق الإنسان عبدالإله الخضري أن آلاف السجناء السابقين الحائزين على شهادات مهنية وأخرى عليا والتي حصلوا عليها خلال عقوبتهم، لا يحظون بالاندماج في الحياة المهنية بما يناسب شهادتهم، عدا من حوكموا لأسباب سياسية".
وتابع الخضري "السوابق المحكوم عليهم في جرائم الحق العام يصعب اندماجهم في الحياة المهنية بشكل مباشر، بخاصة الولوج إلى الوظيفة العمومية، فيما تظل مسطرة رد الاعتبار طويلة ومعقدة، وتحول الغرامة ربما دون حصولهم عليها".
وأضاف مدير المركز المغربي لحقوق الإنسان أن "الدولة المغربية تحاول بذل جهود من أجل مساعدة هذه الفئات في الاندماج في سوق العمل من خلال مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء"، مستدركاً بأن "عملها يرتكز على تمكين السجناء السابقين من إحداث أنشطة مدرة للدخل، وليس الولوج إلى الوظيفة العمومية، ولذلك يعاني عدد ممن حصلوا على شهادات أكاديمية عليا البطالة نتيجة الشروط التعجيزية التي تفرضها السوق وأهمها خلو سيرة المرشح لوظيفة ما من أي عقوبة مقيدة للحرية".