ملخص
من المرجح أن بيرنز يطمح في أن يكون آخر منصب له في الحكومة هو وزير الخارجية بعد أن أثبت للرئيس بايدن قدراته الدبلوماسية والإدارية على مدى أكثر من عامين
على رغم أن قرار الرئيس الأميركي جو بايدن إضافة مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وليام بيرنز إلى مجلس وزرائه الرئاسي ليصبح العضو رقم 26، ليس من دون سابقة، ويعد خطوة رمزية لا تمنح بيرنز صلاحيات جديدة، فإنه يحمل في الوقت نفسه دلالات حالية ومستقبلية، فما الذي يعنيه هذا القرار؟ وهل من مغزى وراء توقيت صدوره الآن؟
ليس من دون سابقة
من النادر أن يمنح الرئيس الأميركي خلال السنوات الأخيرة مدير وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي أي" مقعداً في مجلس الوزراء الذي يعد هيئة استشارية تضم الوكالات الفيدرالية الرئيسة، لكن يمكن توسيعها لتشمل كبار المسؤولين الأميركيين الآخرين الذين يعتبرهم الرئيس ضروريين في القضايا ذات الأولوية، حيث تصف سجلات البيت الأبيض دور أعضاء مجلس الوزراء الرئاسي بأنه تقديم المشورة للرئيس في شأن أي موضوع قد يطلبه فيما يتعلق بواجبات كل عضو.
على مدى عقود ظل مديرو وكالة الاستخبارات المركزية يدخلون ويخرجون من مجلس الوزراء الرئاسي حتى عام 2005، عندما تم إنشاء منصب مدير الاستخبارات الوطنية في أعقاب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، وابتداءً من ذلك العام أصبح مدير الاستخبارات الوطنية الذي يترأس كل مجتمع الاستخبارات، وليس مدير وكالة الاستخبارات المركزية، عضواً في مجلس الوزراء.
لكن الرئيس السابق دونالد ترمب غير ذلك في عام 2017، حين وضع مديري الاستخبارات المركزية والوطنية مايك بومبيو وجينا هاسبل ضمن مجلس وزرائه، لكن بايدن اختار عدم إدراج هذا المنصب في حكومته عند توليه منصبه في عام 2021، ثم عاد، الجمعة، ليجعل كلا المنصبين مرة أخرى في مجلس وزرائه الرئاسي.
سبب القرار
بحسب شبكة "أن بي سي" فإن بيرنز يلتقي بايدن بانتظام، وغالباً ما يطلعه مباشرة على معلومات وكالته حول أوكرانيا وروسيا والصين وغيرها من القضايا العالمية، ولهذا فإن انضمام بيرنز عضواً في مجلس الوزراء يجعله يعمل جنباً إلى جنب مع مديرة الاستخبارات الوطنية أفريل هاينز التي يحدد مكتبها التوجيه لوكالة الاستخبارات المركزية وأعضاء آخرين في مجتمع الاستخبارات الأميركي، وكلاهما كانا صوتين رئيسين في قرار الإدارة تبادل المعلومات الاستخباراتية الأميركية على نطاق واسع ورفع السرية عنها أحياناً خلال الفترة التي سبقت الحرب في أوكرانيا، والتي قال المسؤولون إنها دعمت التحالفات الغربية، وفاجأت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
لكن بالنسبة إلى الرئيس بايدن، يتعلق قراره بأولويات الأمن القومي في هذا الوقت الحرج، حيث أوضح البيان الصادر عنه أن بيرنز يقدم دائماً تحليلاً واضحاً ومباشراً يعطي الأولوية لسلامة وأمن الشعب الأميركي بما يعكس الدور الأساسي الذي تلعبه وكالة الاستخبارات المركزية من معالجة العدوان الروسي ضد أوكرانيا، إلى إدارة المنافسة المسؤولة مع جمهورية الصين الشعبية، ومعالجة الفرص والمخاطر المتعلقة بالتكنولوجيا الناشئة.
وعلى رغم أن هذه الخطوة تعد رمزية إلى حد كبير، ولن تمنح بيرنز أي صلاحيات جديدة، فإن صحيفة "واشنطن بوست" اعتبرت أنها تؤكد تأثير بيرنز في إدارة بايدن وأن القرار سيفسر على أنه انتصار لوكالة الاستخبارات المركزية التي تنبأت بدقة مع الوكالات الأخرى في مجتمع الاستخبارات الأميركية بالحرب الروسية ضد أوكرانيا في عام 2022، في حين رأت صحيفة "نيويورك تايمز" أن القرار يعد تعزيزاً لصدقية الوكالة بعد تعرضها لانتقادات شديدة بسبب إخفاقات استخباراتية قبل هجمات 11 سبتمبر الإرهابية قبل عقدين من الزمن.
رجل المشكلات الصعبة
غير أن بيرنز، الذي أكد مراراً أنه لا يشارك في الدبلوماسية، ظهر كرجل المشكلات الصعبة منذ فترة طويلة قبل اجتياح روسيا لأوكرانيا، فقد كان هو المحاور الرئيس للبيت الأبيض مع موسكو، حيث عمل هناك كسفير لواشنطن في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، وكانت له تفاعلات مباشرة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكثر من أي شخص في الإدارة.
ومن خلال بيرنز، لعبت وكالة الاستخبارات المركزية دوراً مهماً في تشكيل السياسة الخارجية للولايات المتحدة عبر تسليمه تحذيرات من اجتياح روسي وشيك لأوكرانيا إلى كبار المسؤولين الأميركيين والحلفاء الأوروبيين والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي كان يشك في أن بوتين سيكون جريئاً بما يكفي لمهاجمة بلاده، إضافة إلى أنه لعب دوراً رئيساً في الصراع بين روسيا وأوكرانيا، سافر بيرنز إلى أفغانستان للقاء قادة "طالبان" في الوقت الذي التزمت فيه الإدارة بتنفيذ وعد بايدن بسحب القوات من البلاد وإنهاء أطول حرب أميركية، وفي مايو (أيار) الماضي أصبح بيرنز أكبر مسؤول أميركي يزور بكين بعد تجميد طويل للعلاقات بين الولايات المتحدة والصين، واقترح منذ ذلك الحين أن التواصل من خلال قنوات استخباراتية سرية مع الصين يمكن أن يساعد في منع سوء الفهم غير الضروري والاصطدامات غير المقصودة، وفقاً لشبكة "سي بي أس" الإخبارية الأميركية.
قلق من الدور السياسي
منذ أن تولى بيرنز منصبه عام 2021 تحدث مراراً عن الحاجة إلى إبعاد وكالة الاستخبارات المركزية عن السياسة، وأنه ترك دوره السابق في صنع السياسة وراءه. وقال في تصريحات عامة في أبريل (نيسان) الماضي إنه يدرك جيداً التمايز بين المهنتين، وأن وظيفته الآن هي دعم صانعي السياسة، وليس أن يصبح صانع سياسة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومع ذلك، يعكس انضمامه إلى مجلس الوزراء الرئاسي لبايدن الدور المركزي الذي لعبه في السياسة الخارجية للإدارة ودوره الرئيس مع روسيا والصين و"طالبان" ودول أخرى، حيث يقول دانييل بيمان، الخبير في مشروع التهديدات العابرة للحدود في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن تجربة بيرنز وأدواره في روسيا وأوكرانيا والشرق الأوسط وأجزاء أخرى من العالم كانت بمثابة مصدر مهم لتقديم المشورة في شأن سياسة بايدن الخارجية، مشيراً إلى أن ندرة تعيين مديري وكالة الاستخبارات المركزية في مجلس الوزراء هي أكثر شهادة على فاعلية بيرنز المذهلة ولا تعني قراراً أوسع في شأن دور وكالة الاستخبارات المركزية في مجلس الوزراء.
غير أن المسؤول السابق في وكالة الاستخبارات المركزية ديفيد برييس يوضح أنه لم يتم تعيين معظم مديري وكالة الاستخبارات المركزية في مجلس الوزراء لأن معظم الرؤساء أدركوا أن دور الاستخبارات ليس دوراً سياسياً، ومع ذلك فإن وليام بيرنز كواحد من أكثر مسؤولي وزارة الخارجية احتراماً في جيله قبل أن يصبح مديراً لوكالة الاستخبارات المركزية، يبدو أنه أكثر ملاءمة من مديري وكالة الاستخبارات المركزية السابقين للانضمام إلى مجلس الوزراء.
كارثة على الاستخبارات
غير أن المتخصص في معهد أميركان إنتربرايز مايكل روبن يحذر من أن قرار بايدن يمكن أن يصبح كارثة على الاستخبارات المركزية، لافتاً إلى أن جعل منصب مدير الاستخبارات المركزية على مستوى مجلس الوزراء مساوياً لوزير الخارجية أو الدفاع هو فكرة سيئة، يمكن أن تشل وكالة الاستخبارات المركزية بعد فترة طويلة من مغادرة بايدن وبيرنز منصبهما، وأن إحضار بيرنز إلى مجلس الوزراء، وهو هيئة لصنع السياسة، من شأنه أن يمزق أي ادعاء بأن "سي آي أي" هي منظمة مهنية تقف بمعزل عن التعثر السياسي الذي يميز واشنطن.
ويفند روبن تحليله بأن "سي آي أي" دائماً تفخر بمهنية توليد وتحليل المعلومات الاستخباراتية، لكن هذا كان مجرد تصور أكثر من كونه حقيقياً لأن التحيزات الشخصية لضباطها تلون كيفية تحليلهم للمعلومات. وحذر روبن من أنه مثلما أدت الاتهامات بالتسييس إلى تآكل سمعة مكتب التحقيقات الفيدرالي "أف بي أي" خلال عهد الرئيسين ترمب وبايدن، فإن حضور مدير وكالة الاستخبارات المركزية في اجتماعات مجلس الوزراء يثير تساؤلات حول مهنيتها وأولوياتها.
طموح بيرنز
بحسب روبن، كان بيرنز طموحاً وغالباً ما كان يستغل موقعه على رأس وكالة الاستخبارات المركزية باعتباره اختباراً لوظيفته المنشودة كوزير للخارجية، مما يثير ارتباك وانزعاج نظرائه الأجانب، وبالنظر إلى أن وليام بيرنز يعد بيروقراطياً ذكياً يعرف ما يريده بايدن الذي يقدر الولاء، فقد تؤدي رغبة بيرنز في كسب مزيد من ثقة بايدن إلى فرض رقابة ذاتية لا شعورية من أجل البقاء في المنصب أو شغل منصب وزير الخارجية إذا فاز بايدن بدورة حكم ثانية، بغض النظر عما توحي به المعلومات الاستخباراتية.
لدى بيرنز تاريخ دبلوماسي طويل، بدأه في أوائل الثمانينيات، وكان لاعباً في السياسة الخارجية الأميركية منذ ذلك الحين، حيث خدم الرؤساء في كلا الحزبين، فقد عينه الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش سفيراً لدى روسيا عام 2005 وشغل مناصب عليا بوزارة الخارجية للرئيس الأسبق باراك أوباما، وفي 2013 كان بيرنز مسؤولاً رئيساً في إدارة أوباما وقاد مفاوضات سرية مع إيران للتوصل إلى اتفاق للحد من برنامج إيران النووي، قبل أن يتقاعد من الحكومة ويصبح رئيساً لمعهد كارنيغي للسلام الدولي.
وزير الخارجية المقبل
يرى مراقبون أن وليام بيرنز قد يرى في مايك بومبيو مثالاً مفيداً لكيفية الترقي من مدير وكالة الاستخبارات المركزية إلى وزير للخارجية، وقد يكون فوز بايدن بانتخابات 2024 فرصة رائعة ليختاره وزيراً للخارجية في حكومته الجديدة خلفاً لأنتوني بلينكن والذي من المتوقع ألا يستمر في منصبه لدورة حكم أخرى بالنظر إلى تقليد غير مكتوب في واشنطن مفاده أن جميع وزراء الحكومة يقدمون رسائل استقالة شكلية في نهاية فترة الولاية الأولى لرئيس أعيد انتخابه، وإن كان الأمر لا يعمل بهذه الطريقة في الواقع.
كما أنه لم يخدم وزير للخارجية دورتين رئاسيتين منذ دين راسك في عهد الرئيسين كينيدي وجونسون، وسبقه وزير واحد آخر خلال نحو 100 عام هو كورديل هال الذي خدم ما يقرب من 12 عاماً مع الرئيس فرانكلين دي روزفلت قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية، ويعود ذلك إلى عوامل عدة، من بينها رغبة الرئيس في التغيير، وشعور الوزراء بالإرهاق بعد رحلات طويلة من السفر والتنقل حول العالم.
من المرجح أن بيرنز، الذي شغل منصب سفير الولايات المتحدة لدى روسيا والأردن ويتمتع بحنكة وخبرة دبلوماسية واسعة، يطمح في أن يكون آخر منصب له في الحكومة هو وزير الخارجية بعد أن أثبت للرئيس بايدن قدراته الدبلوماسية والإدارية على مدى أكثر من عامين.