بعد اشتباكات أدت إلى سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على القصر الرئاسي وعدد من المرافق الحكومية بدت الأوضاع يوم الإثنين هادئة في مدينة عدن التي تتخذها الحكومة اليمنية عاصمة مؤقتة بعد هيمنة الحوثيين على صنعاء.
يأتي ذلك بعدما أعلن المجلس الانتقالي التزامه بوقف إطلاق النار والمشاركة في اجتماع دعت إليه السعودية.
وكان التحالف العربي قد اعلن أمس الأحد أنه "استهدف إحدى المناطق التي تشكل تهديداً مباشراً على أحد المواقع المهمة التابعة للحكومة الشرعية".
ودعا البيان المجلس الانتقالي إلى "الانسحاب الفوري والكامل من المواقع التي استولى عليها بالقوة"، محذراً بشنّ ضربات جديدة "في حال عدم التقيد ببيان قوات التحالف" الداعي لوقف إطلاق النار في عدن.
ولم يحدد البيان الموقع المستهدف، لكن مسؤولاً محلياً قال لوكالة "رويترز" إن التحالف استهدف قوات انفصالية في منطقة محيطة بالقصر الرئاسي شبه الخاوي في حي كريتر. وأضاف "لا تزال الفرصة سانحة للمجلس الانتقالي للانسحاب الفوري".
وكان التحالف قد هدد بالقيام بعمل عسكري إن لم ينسحب المجلس الانتقالي من معسكرات الجيش التابعة للحكومة، التي سيطر عليها السبت في عدن وأوقف القتال.
في المقابل، قال نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي هاني علي بريك على "تويتر" إن المجلس لا يزال ملتزماً بالتحالف، لكنه يؤكد على "عدم التفاوض تحت وطأة التهديد".
وفي السياق نفسه، ذكر مكتب منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن، في بيان الأحد، أن تقارير أولية أشارت إلى أن ما يصل إلى 40 شخصاً قتلوا وأصيب 260 في عدن منذ 8 أغسطس (آب)، تاريخ اندلاع أحدث موجة من المعارك.
دعوة سعودية
أعلن المجلس الانتقالي استجابته لدعوة التحالف العربي إلى وقف إطلاق النار في عدن والمشاركة في اجتماع طارئ دعت إليه الرياض لبحث التطورات الأخيرة بين الحكومة والأطراف اليمنية على أراضيها.
وأكد المتحدث الرسمي للانتقالي الجنوبي، نزار هيثم، في بيان أورده الموقع الرسمي للمجلس أن الأخير "يرحب بدعوة الأشقاء في المملكة العربية السعودية للحوار وجاهزيته له".
ووصف مصدر مسؤول في التحالف العربي تصريح الانتقالي بشأن وقف إطلاق النار بالجيد ولكنه غير كاف مشددا ضرورة انسحابه من المواقع التي سيطر عليه بالعمل المسلح.
وقال المصدر إن الاجتماع بين الأطراف اليمنية في السعودية سيكون "فور انسحاب الانتقالي وعودة قواته إلى مواقعها."
قمة بين الملك السعودي والرئيس اليمني في منى
وفي ضوء التطورات في اليمن، استقبل العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، في قمّة ثنائية عُقدت في منى، وذكرت وكالة الأنباء السعودية (واس) أن الطرفين بحثا الجهود التي تُبذل في سبيل تحقيق الأمن والاستقرار في اليمن والمنطقة". وقال الرئيس اليمني إن البلدين يجمعهما "مصير مشترك في مواجهة المشروع الإيراني وأياديه المختلفة في الشمال والجنوب، الهادفة إلى زعزعة الأمن والاستقرار في اليمن والمنطقة".
وأضاف بيان أصدرته الرئاسة اليمنية أن العاهل السعودي جدّد موقف بلاده "الثابت في دعم الشرعية، ممثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي والوقوف إلى جانب اليمن واستقراره ورفض كل ما يهدّد أمنه ووحدته ونسيجه الاجتماعي وكذلك ممارسات المجلس الانتقالي".
دعوة إلى اجتماع عاجل
ودعت السعودية الحكومة اليمنية وسائر الأطراف إلى اجتماع عاجل على أراضيها لبحث التصعيد الأخير بعد سيطرة المجلس الانتقالي على القصر الرئاسي في المدينة التي تتخذها الحكومة اليمنية عاصمة مؤقتة بعد هيمنة الحوثيين على صنعاء وتمددهم لبسط السيطرة على البلد.
وذكر بيان أصدرته الخارجية السعودية أن الرياض تتابع بقلق التطورات في اليمن ودعت الى تغليب الحوار وتوحيد الصف للتصدي للحوثيين المدعومين من إيران.
وقال نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان في تغريدة على تويتر:" نرفض أي استخدام للسلاح في عدن والإخلال بالأمن والاستقرار، وندعو لضبط النفس وتغليب الحكمة ومصلحة الدولة اليمنية، لذلك دعت المملكة لحوار سياسي مع الحكومة اليمنية الشرعية في مدينة جدة".
وكان التحالف العربي في اليمن قد حدد الواحدة فجر الأحد موعدا لوقف إطلاق النار وشدد بأنه سيستخدم القوة العسكرية لمواجهة المخالفين لهذا الطلب.
ودعا التحالف في بيان الى " عدم إعطاء الفرصة للمتربصين من الحوثيين وتنظيمي داعش والقاعدة."
وطالب الانتقالي والحزام الأمني بالانسحاب فورا من المناطق التي سيطرا عليها في عدن.
وكانت الأحداث قد تطورت في مدينة عدن جنوب اليمن يوم السبت بطريقة مفاجئة، حيث أعلنت القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي سيطرتها على عدة معسكرات تابعة للحرس الرئاسي تدين بالولاء للشرعية اليمنية.
وقال شهود عيان إن قوات "الانتقالي" سيطرت على معسكرات اللواء الأول، واللواء الثالث، واللواء الرابع حرس رئاسي، ومعسكر بدر بعد اشتباكات مع قوات الحكومة الشرعية دامت ثلاثة أيام، قبل ان تعلن قوات الانتقالي سيطرتها على القصر الرئاسي اليوم، الذي غادرته قوات تابعة للتحالف العربي الى مقر قوات التحالف العربي في مديرية البريقة في العاصمة اليمنية المؤقتة في عدن.
كما اقتحمت قوات تابعة للمجلس الانتقالي منزل وزير الداخلية أحمد الميسري الذي تتضارب الأنباء بشأن مصيره، فبينما تتحدث مصادر عن تصفيته داخل المنزل، قالت مصادر إعلامية إنه غادر منزله فجراً بعد تصاعد وتيرة المعارك بالقرب منه، بصحبة آليات مدرعة تابعة للتحالف العربي.
وتناقل ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي صوراً التقطها مقاتلون من المجلس الانتقالي بعد سيطرتهم على منزل وزير الداخلية اليمني احمد الميسري.
وبث مقاتلون آخرون صوراً من داخل مقرات ألوية الحماية الرئاسية بعد السيطرة عليها في عدن.
وفي وقت سابق اعلن نائب رئيس المجلس الانتقالي "هاني بن بريك" في تغريدة له على تويتر أن قواتهم تطوق قصر معاشيق الرئاسي، الذي ينزل به عدد من الوزراء والمسؤولين اليمنيين، وتنتظر توجيهات القيادة باقتحام القصر.
ودعا بن بريك في حسابه على تويتر، القادة المتواجدين في القصر إلى تسليم أنفسهم والانضمام إلى قوات المجلس الانتقالي.
كما أعلن قائد قوات الأمن الخاصة اللواء فضل باعش انشقاقه عن قوات الحكومة اليمنية وانضمامه لقوات المجلس الانتقالي الجنوبي.
وقال "باعش" في تسجيل مصور تداوله ناشطون "من أجل حقن دماء كل جنوبي نعلن في قيادة قوات الأمن الخاصة ضباطها وأفرادها وجنودها انضمامهم والعمل مع قوات المقاومة الجنوبية بقيادة عيدروس الزبيدي".
وبلغ عدد القتلى في معسكر للحماية الرئاسية ثلاثين قتيلاً بحسب مصادر محلية، قبل أن تحكم قوات المجلس الانتقالي السيطرة عليه.
اشتباكات الفجر
الاشتباكات العنيفة كانت تجددت فجر اليوم السبت، وأفادت مصادر طبية إن ثمانية مدنيين على الأقل لاقوا حتفهم أمس الجمعة في عدن، المقر المؤقت للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً.
وقال سكان إن المعارك استؤنفت قرب القصر الرئاسي الخالي تقريباً في مديرية كريتر، ومعظمها مأهولة بالسكان، والقريبة من مطار عدن الدولي، وفي حي يقطن فيه وزير الداخلية أحمد الميسري.
ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الجانبين اليوم السبت إلى وقف العمليات القتالية. وتسعى المنظمة الدولية إلى وقف تصعيد التوتر لتمهيد الطريق أمام محادثات سياسية أوسع لإنهاء حرب حصدت أرواح عشرات الآلاف ودفعت اليمن إلى حافة المجاعة.
الإمارات والتركيز على مواجهة الحوثي
وفي ردود الفعل صرح وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان في بيان أن بلاده "وكشريك فاعل في التحالف العربي تقوم ببذل كافة الجهود للتهدئة وعدم التصعيد في عدن، وفي الحث على حشد الجهود تجاه التصدي للانقلاب الحوثي وتداعياته" داعيا إلى "حوار مسؤول وجاد من أجل إنهاء الخلافات والعمل على وحدة الصف في هذه المرحلة الدقيقة والحفاظ على الأمن والإستقرار".
وشدد الشيخ عبد الله على "ضرورة تركيز جهود جميع الأطراف على الجبهة الأساسية ومواجهة ميليشيا الحوثي الإنقلابية والجماعات الارهابية الأخرى والقضاء عليها".
ودعا الشيخ عبد الله أيضا مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث إلى أن "يبذل جهوده في الضغط لإنهاء التصعيد الكبير الذي تشهده مدينة عدن لما للإقتتال الحالي من تداعيات سلبية على الجهود الأممية والتي تسعى جاهدة لتحقيق الأمن والاستقرار عبر المسار السياسي والحوار والمفاوضات".
مجلس التعاون الخليجي
بدوره دان الأمين العام لمجلس التعاون الدكتور عبداللطيف بن راشد الزياني "استمرار الصراع المسلح في عدن بين الأشقاء في اليمن"، ووصفه بأنه "جريمة مشينة تنتهك أواصر الأخوة والدين والقيم الأخلاقية والانسانية، وتعرض حياة المدنيين للخطر، وتهدد الأمن والاستقرار في المنطقة".
وطلب الأمين العام لمجلس التعاون من القوى المتصارعة في عدن "تغليب الحكمة والعقل ومراعاة المصالح العليا للشعب اليمني"، مؤكدا أن "أعداء اليمن هم المستفيدون من هذا الصراع المؤسف، وأن المرحلة الحالية تتطلب تضافر جهود كافة القوى والمكونات اليمنية الحريصة على أمن اليمن واستقراره وسيادته لدعم الحكومة الشرعية واستكمال سيادة الدولة اليمنية على كافة أراضيها، والحفاظ عل الأمن والاستقرار في اليمن".
بيان الحكومة
من جهتها، كانت حمّلت الحكومة اليمنية "المجلس الانتقالي" مسؤولية التصعيد المسلح في عدن، وأكدت في بيان صدر اليوم الخميس الثامن من أغسطس، التزامها "بالحفاظ على مؤسسات الدولة وسلامة المواطنين" والعمل "على التصدي لكل محاولات المساس بالمؤسسات والأفراد".
وتابع البيان "الحكومة تعمل مع الأشقاء في قيادة تحالف دعم الشرعية على تشكيل لجنة للتحقيق في الأحداث التي تشهدها مدينة عدن". ودعت الحكومة الأحزاب والفعاليات كافة لإدانة "دعوات التمرد في عدن"، كما حثت على "تجنيب مدينة عدن والمناطق المحررة تبعات أي اقتتال أو فوضى وتداعيات كارثية تطال الناس والممتلكات، لا تصب في مصلحة أحد سوى ميليشيات الحوثي الانقلابية ومشروع إيران الطائفي في المنطقة"، بحسب ما جاء في البيان.
المواجهات المسلحة بين قوات الحزام الأمني الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي من جهة، وقوات الحماية الرئاسية التابعة للحكومة من جهة أخرى، بدأت يوم الأربعاء 7-8-2019، تبعها دعوة من نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي هاني بن بريك، إلى أنصاره إلى "النفير العام"، والتوجه إلى القصر الرئاسي للسيطرة عليه.