ملخص
ربما يختلف التعامل مع سيناريو الاجتياح العسكري المحتمل لتايوان من دولة إلى أخرى في آسيان، لكن محللين يرون أن بكين في حال تمكنها من السيطرة على الجزيرة بسرعة ومن دون خسائر بشرية وقبل أي استجابة أميركية قد تقبل دول الرابطة بالأمر الواقع.
أعلن وزير الدفاع الفيليبيني جيلبرتو تيودورو أن مانيلا تستعد لاجتياح عسكري صيني لتايوان. وأن وزارته تعمل مع باقي الوكالات في الدولة للتخطيط للحالات الطارئة ومن أهمها احتمالية اندلاع نزاع عسكري في المضيق.
تأتي هذه التصريحات في وقت تتزايد فيه التوترات في مضيق تايوان، وسبقها تصريحات لرئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية بأن واشنطن وحلفاءها يسابقان الزمن في تزويد تايبيه بأسلحة متقدمة للدفاع عن نفسها في ظل تكهنات برفع رايات الحرب في المضيق التايواني العام المقبل.
وفي الوقت ذاته تسعى الولايات المتحدة لبسط نفوذها في المنطقة من خلال تحالفات جديدة أو محسنة، فقد شهد العام الحالي تقارباً عسكرياً بين الفيليبين والولايات المتحدة، أسفر عن مزيد من الوجود الأميركي في القواعد العسكرية بالفيليبين وفق اتفاقية دفاع مطورة بين البلدين.
اشتعال المضيق
خلال الأشهر الأخيرة زادت التعقيدات في أزمة مضيق تايوان، لتصبح إحدى أهم نقاط الصراع بين الولايات المتحدة والصين، حيث أضفت زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي السابقة، نانسي بيولسي، مزيداً من الزيت على هذه نار تلك الأزمة، وتسببت في غضب الصين ودفعتها لاتخاذ إجراءات عدة لتأكيد سيادتها على المضيق، وأن الجزيرة تعد جزءاً من أراضيها.
وعلى رغم محاولات التهدئة في الفترة الأخيرة بين بكين وواشنطن في شأن أزمة تايوان، التي كان من بينها زيارة وزير الخارجية الأميركي، أنطوني بلينكن إلى الصين الشهر الماضي، إلا أن الأجواء ما زالت متوترة في المضيق.
الشهر الجاري أعلن وزير الدفاع في تايبيه أن القوات الجوية الصينية أجرت تدريبات كبيرة بالقرب من جنوب وجنوب شرقي تايوان، وذلك بعد أن أجرت الصين مناورات عسكرية حربية حول تايوان في أغسطس (آب) الماضي ثم في أبريل (نيسان) من هذا العام. وعلى الجانب الآخر أعلنت تايبيه أن تدريباتها العسكرية الثانوية ستتضمن للمرة الأولى محاكاة للدفاع عن المطار الرئيس بالجزيرة، والتدريب على إبقاء الممرات البحرية مفتوحة في حالة حدوث حصار صيني.
كسينجر المخضرم
أخيراً، أشار السياسي المخضرم هنري كسينجر إلى أن الصراع العسكري بين الصين وتايوان محتمل إذا استمرت التوترات الحالية، ما لم يتم اللجوء إلى الحوار لتجنب التصعيد، بينما حث رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، مارك ميلي، الولايات المتحدة والدول الغربية على مساعدة تايوان بتحسين إمكاناتهم الدفاعية في السنوات المقبلة للدفاع عن نفسها، فيما حذر رئيس البحرية الأميركية، الأدميرال مايك جيلداي، من إمكانية حدوث اجتياح عسكري صيني لتايوان قبل عام 2024.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقبل أيام أجرى كسينجر الذي أرسى مبادئ إقامة العلاقات بين بكين وواشنطن في عهد الرئيس نيكسون، زيارة إلى الصين، والتقى خلالها الرئيس الصيني شي جينبينغ، سعياً لفهم موقف القيادة الصينية وتعزيز الفهم المشترك بين الجانبين.
وخلال المحادثات أعرب الرئيس الصيني أن تطبيع العلاقات بين البلدين خلال السبعينيات كان قراراً صائباً وأفاد البلدين، فيما فتحت تكهنات حول إمكانية إعادة العلاقات العسكرية بين الجانبين، التي توقفت خلال الآونة الأخيرة، في وقت تتوتر فيه العلاقات بين القوتين في شأن جزيرة تايوان.
تحالف مانيلا- واشنطن
منذ مجيء رئيس الفيليبين ماركوس جونيور، إلى الحكم شهدت العلاقات بين مانيلا وواشنطن تطوراً ملحوظاً. وفي فبراير (شباط) الماضي، أعلن الرئيس الفيليبيني ماركوس بونغ بونغ، عن سماح بلاده في إطار اتفاقية التعاون الدفاعي المحسنة 2014 للولايات المتحدة بالوصول إلى أربع قواعد عسكرية جديدة، إلى جانب القواعد الخمس التي كانت توجد بها. وتقع هذه القواعد الجديدة في الشمال، بالقرب من جزيرة تايوان، وجزيرة بالاوان التي تقع في بحر الصين الجنوبي، جنوبي البلاد.
وتسمح اتفاقية التعاون الدفاعي المحسنة بين البلدين بوصول قوات الولايات المتحدة إلى القواعد لإجراء التدريبات المشتركة والتموضع المسبق للمعدات وبناء المرافق مثل المطارات ومحطات إمداد الوقود والإسكان العسكري لكن من دون حضور للقوات بشكل دائم. وخلال زيارة ماركوس إلى واشنطن في مايو (أيار) الماضي، أكد أن اتفاقية التعاون الدفاعي المحسنة لا تهدف إلى أي استخدام في أفعال عدائية ضد أي دولة، وأنه أوضح ذلك للمسؤولين الصينيين في محادثاته الأخيرة معهم، وأن الولايات المتحدة لم تطلب من الفيليبين إمدادها بالقوات في حالة اندلاع نزاع عسكري بين الصين والولايات المتحدة في شأن تايوان.
وأشار ماركوس، أخيراً، إلى أن الوصول الأميركي إلى قواعد عسكرية جديدة بالفيليبين يهدف في المقام الأول إلى دعم أمن الفيليبينيين في حالات الكوارث والاستجابة لها. غير أن وجود القوات الأميركية في الفيليبين بالقرب من جزيرة تايوان يجعل مانيلا في قلب الأزمة حال اندلاع صراع عسكري في المضيق.
آسيان وتايوان
تؤكد دول آسيان باستمرار احترامها والتزامها سياسة "الصين الواحدة" واعتبار تايوان جزءاً من الأراضي الصينية. ولا تمتلك تايوان علاقات دبلوماسية رسمية مع أي من دول آسيان، لكن لديها مكتباً ممثلاً في سنغافورة ومكتباً اقتصادياً وتجارياً في إندونيسيا وستة مكاتب اقتصادية وثقافية في بروناي وماليزيا وميانمار والفيليبين وفيتنام. وتشير إحصائيات إلى أن تايبيه في عام 2016 ومع تولي الرئيسة تساي إنج وين، زمام السلطة، قامت بتحويل ما يقرب من 10 في المئة من استثماراتها خارج الصين إلى دول آسيان، وفي عام 2019 كان ما يصل إلى 47 في المئة من إجمالي استثمارات تايوان الخارجية في دول آسيان، غالبها في فيتنام وماليزيا والفيليبين وإندونيسيا. وبلغ حجم التجارة بين دول آسيان وتايوان خلال عام 2021 نحو 70 مليار دولار.
ولا يعد سيناريو الاجتياح العسكري الصيني لجزيرة تايوان أمراً مرغوباً به بحسب تصريحات دول آسيان، وسيضعها في اختيار صعب بين قوتين كبيرتين تتزايد بينهما التوترات لسنوات مما يجعل هذه الدول مجبرة على اتخاذ موقف من ذاك الصراع المتاخم لأراضيها. وحاولت الرابطة باستمرار تأكيد رفضها القوة والتزامها سياسة "الصين الواحدة" وعدم الاعتراف الرسمي بتايوان.
وفي أغسطس الماضي عقب الزيارة التي أثارت جدلاً كبيراً لرئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، إلى تايوان، أعلن وزراء خارجية رابطة دول جنوب شرقي آسيا عن تحذيرهم من التصعيد في مضيق تايوان وتبعات المواجهات الخطرة للدول الكبرى.
وتطرق الاجتماع حينها إلى ما قد يخلقه التوتر من صراعات مفتوحة وعواقب، داعين إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، كما دعت آسيان للعب دور بناء في تسهيل محادثات السلام بين مختلف التكتلات.
فيما يشير خبراء إلى أن حدوث اجتياح عسكري لتايوان قد يدفع الدول الغربية إلى فرض عقوبات اقتصادية على بكين، على غرار ما حدث مع روسيا، ومن المؤكد أن تلك العقوبات ستوثر على العلاقات الاقتصادية والتجارية بين دول آسيان والصين. وتخشى دول الأرخبيل من كابوس سيناريو الحرب لارتفاع المخاطر والتداعيات المقلقة ذات التأثير المباشر على اقتصادها وأمنها.
الحياد والخيار الدبلوماسي
تختلف الرؤى في جنوب شرقي آسيا في شأن آثار وخطورة الصراع العسكري بين تايوان والصين. بعض المسؤولين في دول آسيان يرون أن التأثير الناتج من أي اجتياح عسكري محتمل لتايوان لن يكون له تأثير كبير من الناحية الاقتصادية. وبحسب تصريحات سابقة لرئيس وكالة السياسة النقدية بوزارة المالية الإندونيسية فيبريو كاكاريبو، فإن التبعات الاقتصادية للأزمة الصينية- التايوانية محدودة.
من ناحية أخرى ينتقد البعض التدخلات الغربية والأميركية وما يتخذونه من خطوات باعتباره السبب وراء التصعيد في مضيق تايوان. وبحسب صحيفة "آسيا تايمز" تكررت انتقادات رئيس الوزراء السابق مهاتير محمد، للولايات المتحدة الأميركية كونها تعمل على إشعال حرب في تايوان.
لكن موقف دول جنوب شرقي آسيا يميل إلى الإبقاء على الوضع الحالي من دون صراعات عسكرية قد تجعلها مجبرة على الاصطفاف وراء أحد الأطراف. ويتضح ذلك في تصريحات رئيس الوزراء السنغافوري لي هسين لونغ، أثناء زيارته للولايات المتحدة العام الماضي، إذ شدد على ضرورة الإبقاء على الوضع الحالي في المضيق، رافضاً استخدام أي طرق عسكرية أو غير دبلوماسية للتدخل في تايوان.
وقد تكون مانيلا أكثر هذه الدول التي يمكنها أن تتأثر بالاجتياح العسكري المحتمل لجزيرة تايوان بحكم التقارب الجغرافي مع الجزيرة، ولم يخف ذلك مسؤولوها وحتى رئيسها. ففي تصريحات سابقة ذكر الرئيس الفيليبيني، ماركوس جونيور، أن أي صراع في هذه المنطقة يصعب أن تكون الفيليبين بمنأى عنه.
من ناحية أخرى أوضح محللون آسيويون أن التقارب العسكري الأخير بين الفيليبين والولايات المتحدة خلال هذا العام، يضع سنغافورة تحت الضغط بصفتها أحد أقرب حلفاء واشنطن في المنطقة وتستضيف مجموعة البحرية الأميركية التي تقدم الخدمات اللوجيستية للأسطول الأميركي السابع، حيث يصبح إمكانية تقديمها مزيداً من الدعم والوصول للقوات الأميركية في منطقتها البحرية في حالة اندلاع صراع عسكري في مضيق تايوان موضعاً للتساؤل، بل ويمكن أن يكون مفصلياً في العلاقات بين البلدين في هذه الحالة.
وربما يختلف التعامل مع سيناريو الاجتياح العسكري المحتمل لتايوان من دولة إلى أخرى في آسيان، لكن محللين يرون أن بكين في حال تمكنها من السيطرة على الجزيرة بسرعة ومن دون خسائر بشرية وقبل أي استجابة أميركية قد تقبل دول آسيان بالأمر الواقع. غير أن الأمور بإمكانها أن تصبح أكثر تعقيداً في حال اندلاع صراع عسكري بين بكين وواشنطن.
وتشير كل التوقعات إلى أن رابطة آسيان تظل على الحياد منادية بالحلول الدبلوماسية بعيداً من الانخراط العسكري بأي حرب في حال حدوث اجتياح عسكري لجزيرة تايوان، وهو ما يؤيده استطلاع رأي أجري، أخيراً، صادر عن مؤسسة يوسف إسحاق السنغافورية، إذ تشير استطلاعات إلى أن ما يقرب من 34 في المئة من المشاركين من دول الرابطة اختاروا التزام الحياد تجاه أي حرب في المضيق، مقابل 46 في المئة يرفضون استخدام القوة واللجوء إلى الإجراءات والقنوات الدبلوماسية.