ملخص
تشهد منطقة شمال أفريقيا، وبخاصة الجزائر وتونس، تغيرات مناخية قاسية.
بعد أن دمرت عدداً كبيراً من المنازل والمتاجر ما زال رجال الإطفاء يكافحون، اليوم الثلاثاء، لإخماد الحرائق العنيفة التي ضربت شمال وشرق الجزائر، فيما نجت تونس من تسجيل خسائر بشرية، لكن الوضع فيها لا يزال صعباً على رغم الجهود التي قامت بها السلطات لإخماد الحرائق.
أعلنت السلطات الجزائرية 34 وفاة بين عسكريين ومدنيين في الحرائق التي اندلعت بولايات جيجل والبويرة وبجاية شمال البلاد، في حين شهدت مدينة طبرقة التونسية حريقين تم إخماد أحدهما لكن الآخر لا يزال يستعر، وامتدت الحرائق لتشمل مناطق جبلية وغابات في ولايات سليانة وبنزرت وأريانة والقصرين من دون تسجيل خسائر بشرية، بحسب ما كشف الناطق الرسمي باسم الحماية المدنية معز تريعة.
وقال تريعة لـ"اندبندنت عربية" إن "هناك أنباء عن وفاة مدير مدرسة في طبرقة جراء الحرائق، وليست لدينا معطيات حول هذا الخبر، لكننا ننفي تسجيل خسائر بشرية في تونس بسبب الحرائق".
وعلى رغم أن السلطات في كلا البلدين لم تعلن بعد عن حصيلة الخسائر في الممتلكات، فإن صوراً ومقاطع فيديو تم بثها عبر مواقع التواصل الاجتماعي أظهرت مرافق سياحية وهي تحترق.
التحقيقات جارية
السلطات الأمنية في تونس أعلنت عن فتح تحقيقات لكشف أسباب الحرائق، وهي ليست الأولى من نوعها، حيث عرفت السنوات الماضية حرائق طاولت الغابات في بلد يواجه أسوأ مواسم الجفاف والقيظ، مما دفع الحكومة إلى اتخاذ حزمة من الإجراءات لضمان استمرار تدفق المياه.
وقال معز تريعة إن "الجهود متواصلة من أجل إخماد الحرائق التي تجددت ليل البارحة، ومعظمها في مناطق ملولة وعين الصبح في طبرقة، حيث قمنا بإجلاء مئات السكان عبر البر والبحر في إجراء استباقي إلى مناطق آمنة، وأيضاً في ولاية سليانة بمنطقة الكريب، وجبل وشتاتة بولاية باجة، وجبل الغزالة في ولاية بنزرت، وهذه المناطق تشهد حرائق منها ما تمت السيطرة عليه وأخرى ما زلنا نتعامل معها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشهدت تونس، أمس الإثنين، درجات حرارة قياسية بلغت 50 درجة مئوية، وهو ما جعل الشوارع شبه خالية أثناء النهار والليل، على رغم أن البلاد تشهد حركة لافتة في مثل هذه الأوقات خصوصاً في ساعات المساء.
ونقل أكثر من 300 من سكان قرية ملولة إلى مناطق أكثر أماناً من طريق البحر، وغادر آخرون المنطقة براً.
ولم تتهم السلطات أطرافاً بالوقوف خلف موجة الحرائق، لكنها أعلنت عن فتح تحقيقات لكشف ملابساتها، ولم تنج عديد من المرافق السياحية من الحرائق، لا سيما في طبرقة.
وقال تريعة إن "الحماية المدنية لا تستبعد أن يكون هناك فاعل وراء هذه الحرائق، والسلطات الأمنية باشرت تحقيقاتها لاستجلاء الحقيقة".
لكن المتخصص البيئي حمدي حشاد قال في تصريح خاص "في اعتقادي أن هناك أطرافاً ربما تكون متواطئة في إشعال الحرائق، فهناك حريق في طبرقة أتى على مرافق سياحية في منطقة جبلية يصعب أن يندلع فيها حريق عفوي"، مضيفاً "ننتظر أن تتحرك الدولة بإجراءات عقابية قوية لردع الفاعلين إن وجدوا مهما كانت صفتهم أو مكانتهم الاجتماعية".
ضحايا في الجزائر
في الجارة الجزائر، اندلعت حرائق أشبه بتلك التي عرفتها البلاد خلال السنوات الماضية، فيما نأت السلطات هذه المرة بنفسها عن اتهام أي طرف بالتورط في هذه الكوارث الطبيعية التي قادت إلى مصرع 34 شخصاً في الأقل بينهم 10 جنود منذ الأحد الماضي. وعلى رغم ذلك فتحت السلطات القضائية تحقيقات في ملابسات الحرائق.
وقال مسؤول الإعلام في الحماية المدنية كريم بلحفسي اليوم الثلاثاء "حتى الثامنة والنصف صباح اليوم (07:30 ت غ)، لم يتبق سوى 15 حريقاً من بين 97 حريقاً تم الإعلان عنها". ومن بين تلك المستعرة حريقان في بجاية، الولاية الأكثر تضرراً جراء الحرائق.
وأضاف أن وزارة الداخلية ستنشر قريباً بياناً تعلن فيه إخماد جميع الحرائق التي اندلعت في أكثر من 15 ولاية، لا سيما البويرة وجيجل وبجاية، وهي مناطق تضررت بالفعل في العامين الماضيين بسبب حرائق خطرة أودت بحياة ما يقرب من 130 شخصاً.
وقالت وزارة الدفاع إن الجنود الـ10 الذين قضوا جراء الحرائق حوصروا بالنيران أثناء إجلائهم من بني كسيلة في منطقة بجاية برفقة سكان القرى المجاورة.
وإضافة إلى حصيلة القتلى تحدث والي بجاية عن وجود إصابات لم يتم تحديد عددها، ولكن بعضها ناجم عن حروق خطرة.
واستدعى الوضع إجلاء أكثر من 1500 شخص من بعض القرى مع اقتراب الحرائق من منازلهم، كما دمرت النيران منتجعات ساحلية تعد مقاصد سياحية في الصيف.
والقرى المتضررة يقع كثير منها في منطقة القبائل الجبلية، وتحيط بها غابات كثيفة، وتتعرض لموجة حر شديد منذ أسابيع.
الطبيعة المحترقة
وتسببت موجة الحر بجفاف الغطاء النباتي وجعلته أكثر عرضة لاندلاع الحرائق التي اشتعلت بفعل الرياح العاتية، بحسب شهادات مختلفة نقلتها وسائل الإعلام المحلية.
وقال رئيس شبكة "بروبيوم" البيئية في الجزائر أمير بركان، إن "هناك عوامل إيجابية هذا العام في التعامل مع حرائق الجزائر، أولها توفر ست طائرات إطفاء روسية شاهدناها فعلاً منذ ليل الأحد وقد دخلت حيز العمل، وهي الآن تحاول إخماد حرائق جيجل وبجاية".
وأردف بركان في تصريح خاص أن "النقطة الإيجابية الثانية تكمن في تجريم مفتعلي الحرائق إلى مستوى العمل الإرهابي وإحالتهم مباشرة على محكمة سيدي محمد بالعاصمة إذا تم إثبات الجريمة".
وتشهد منطقة شمال أفريقيا، وبخاصة في الجزائر وتونس، تغيرات مناخية ألقت بظلال كثيفة على الثروة الحيوانية والبيئية، وهو ما جعل كثيرين لا يستبعدون أن تكون هذه الحرائق ناجمة عن الارتفاع القياسي في درجات الحرارة في كلا البلدين، خصوصاً أن دولاً أخرى في حوض المتوسط مثل اليونان وإسبانيا شهدت هي الأخرى حرائق مماثلة في الأيام الماضية.
واتهمت السلطات الجزائرية في 2021 حركة استقلال منطقة القبائل وحركة "رشاد" بالوقوف خلف الحرائق، إلى جانب المغرب التي يجمعها مع الجزائر نزاع طويل المدى في شأن الصحراء الغربية، لكن هذه الأطراف نفت تلك الاتهامات.
وفي أغسطس 2022 (آب) أودت حرائق هائلة بحياة 37 شخصاً في ولاية الطارف في شمال شرقي الجزائر، لكن صيف 2021 سجل أكبر حصيلة للقتلى خلال عقود، عندما لقي أكثر من 90 شخصاً حتفهم في الحرائق التي دمرت الشمال، ولا سيما منطقة القبائل.
وأظهرت لقطات نشرتها وسائل إعلام محلية حقولاً وأراضي مشتعلة وسيارات متفحمة وواجهات متاجر محترقة. وروى شهود كيف اندلعت ألسنة اللهب فجأة.
وبعث الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، أمس الإثنين، بتعازيه إلى أهالي الضحايا.
وقالت السلطات إن أكثر من ثمانية آلاف من عناصر الحماية المدنية و525 شاحنة من مختلف الأحجام تدخلت لمكافحة النيران إلى جانب طائرات الإطفاء والمروحيات التي استؤجرت أخيراً، إضافة إلى قاذفة ذات قدرة عالية لإلقاء المياه على الحرائق.
ودعت وزارة الداخلية المواطنين إلى تجنب المناطق المتضررة واستخدام الأرقام المجانية المتاحة للإبلاغ عن الحرائق.
وأمر النائب العام في بجاية بفتح تحقيقات أولية للوقوف على أسباب الحرائق وتحديد الفاعلين.
صيف حارق
كل صيف يشهد شمال الجزائر وشرقها حرائق تكتسح الغابات والأراضي الزراعية، وهي ظاهرة تتفاقم من سنة إلى أخرى بتأثير تغير المناخ الذي يؤدي إلى الجفاف وموجات الحر.
ولتجنب تكرار سيناريو 2021 و2022 عملت السلطات على تعبئة مواردها مع اقتراب فصل الصيف.
وفي نهاية أبريل (نيسان) أمر الرئيس تبون بشراء ست طائرات قاذفة للماء متوسطة الحجم وتقديم طلبات عروض للشركات الناشئة لتوفير طائرات مسيرة تستخدم في مراقبة الغطاء الحرجي.
وفي مايو (أيار) أعلنت وزارة الداخلية عن اقتناء وشيك لطائرة قاذفة للماء، وتأجير ست طائرات أخرى من شركة أميركية جنوبية مع فرقها الفنية، وأعلنت طلب العروض لشراء ست قاذفات للماء متوسطة الحجم، كما هيأت السلطات مواقع لهبوط المروحيات في 10 ولايات.